اليوم.. الرئيس السيسي يؤدي صلاة العيد بالعاصمة الإدارية    عيار 21 يقفز أكثر من 100 جنيها.. مفاجأة في أسعار الذهب محليا وعالميا أول أيام عيد الأضحى    4 قضاة في مرمى النيران، الجنائية الدولية تصف عقوبات واشنطن بمحاولة تقويض استقلاليتها    غارات إسرائيلية جديدة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية    إعلام لبناني: غارتان جديدتان على بلدة عين قانا جنوبي البلاد    عقوبات أمريكية على 4 قضاة بالجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات ضد نتنياهو    في بيان رسمي، بيراميدز يهنئ الزمالك بلقب كأس مصر    في لفتة إنسانية من شيكابالا، محمد عبد الشافي يرفع كأس مصر (فيديو)    ناصر منسي: أهدي كأس مصر لجماهير الزمالك الوفية    المثلوثى: بطولات الزمالك تولد من رحم المعاناة وسأعود للملاعب بعد 3 أشهر    حمزة المثلوثي: بطولات الزمالك تأتي من رحم المعاناة    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    مصرع شابين وإصابة 4 آخرين أثناء سباق موتوسيكلات بكفر الشيخ    تفريغ كاميرات الرادار المرورية لضبط سائق سيارة دهس 3 شباب بطريق العبور    إليسا ومروان خوري، لقاء طربي يعيد الزمن الجميل على أنغام البيانو (فيديو)    طريقة صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 وصيغة التكبيرات الصحيحة    ملف يلا كورة.. الزمالك بطل الكأس.. والأهلي يصل أمريكا استعدادا للمونديال    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    تجمع إسرائيلى يدعو للتظاهر أول أيام عيد الأضحى دعمًا لغزة    إسبانيا ضد البرتغال.. موعد نهائي دوري الأمم الأوروبية 2025    إسبانيا تهزم فرنسا 5 - 4 وتضرب موعدا مع البرتغال فى نهائى دورى الأمم (فيديو)    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    وزير السياحة يتفقد مخيمات الحجاج فى عرفات ويشيد بالتنظيم    تحذير شديد بشأن حالة الطقس أول أيام عيد الأضحى 2025 : «انخفاض الرؤية على الطرق»    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في محافظة الأقصر    جريمة قتل في القناطر بسبب سب الدين    الرئيس السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى بالعاصمة الإدارية    سالى شاهين: مجال ملكات الجمال مش شبهى ولا شخصيتى    أجمل رسائل تهنئة عيد الأضحى المبارك 2025 مكتوبة بالصور    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    أشرف عباس يكتب: من الميكروفون إلى المائدة.. من أسكت صوت مصر؟    وفاة الإذاعية القديرة هدى العجيمي صاحبة برنامج «مع الآباء الشبان»    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    «إزاي تصلي عيد الأضحى؟».. عدد التكبيرات وكيفية أدائها وموعدها في محافظات مصر    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    الري: خطة طوارئ شاملة لمواجهة فترة أقصى الاحتياجات المائية بعيد الأضحى    6.19 دقيقة بالقاهرة.. مواقيت صلاة عيد الأضحى 2025 في محافظات الجمهورية    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي محافظ بورسعيد ويبحثان سبل تطوير الخدمات الصحية    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    أمين الفتوى بقناة الناس: صلاة العيد سنة مؤكدة    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تموز ( قصة مسلسلة ) ج2
نشر في شموس يوم 28 - 09 - 2014

p style=\"text-align: justify;\"ذات يوم ، وقبل نحره المؤلم ، كانت بجواره هكذا .. يتبادلان حديثا مفعما بالحب وتتفنن هي في استعراض جمالها المبهر النادر .. أتي \" حدد \" بجوارهما وأخذ يتدخل فيما يقولان ويحاول أن يدفعهما لافتعال مشاجرة فيما بينهما .. لم يدرك أنها كانت تخونه مع \" حدد \" وربما مع آخرين كثر إلا بعد أن رقد مذبوحا أسفل قدميها !
لكن برغم كل شيء فقد كان \" حدد \" يحمل أخبارا سيئة ذلك اليوم .. فلقد كانت \" عشتار \" الجميلة سيضحي بها !
قال لهما \" حدد \" أن المرأة قد استنفدت عمرها ولابد من استبدالها .. لن تقتل لكنها ستفقد جمالها وسحرها وسيأتون بأنثى جديدة من لدن الآلهة لتكون هي آلهة للجمال والأمومة والسعادة الأبدية .. هبطت الدموع اللؤلئية فورا من عيني \" عشتار \" الجميلتان وعلت الحسرة محياها الوسيم وتبللت جوانح \" تموز \" بالحزن لأجلها .. قال \" حدد \" مثيرا المزيد من الحقد في قلبها والغيظ في قلب غريمه الوسيم :
\" يقولون أنها أنثي جديدة فريدة الجمال .. لقد صاغوها بالفعل وجبلوا جسدها وفي انتظار أن تجف ليخلقوها امرأة كاملة وأسموها \" براتي \" .. ستكون آية الجمال وربة الفتنة ! \"
أغمق لون \" عشتار \" الصافي وغضب \" تموز \" لأجلها غضبا شديدا لكنه تساءل بحذر وهدوء تجنبا لسلطان \" حدد \" القاسي :
\" وحبيبتي .. \" عشتار \" .. ماذا سيحل بها ! \"
بشماتة أجاب \" حدد \" مظهرا سخريته من تلك التي يدعي \" تموز \" الشاب أنها ملك له وحده :
\" سيحلونها أسفل .. ستنزل لتكون آلهة للصيد وربما للمراعي أو أي طائفة حرفية أخري .. لا غرو أنها ستفقد الكثير وستزيحها \" براتي \" الحسناء قريبا جدا ! \"
بدأت \" عشتار \" تبكي الآن وغص قلب حبيبها حزنا عليها :
\" أما من طريقة لتجنب ذلك المصير ؟! \"
بالطبع كانت هناك طريقة وكان \" حدد \" يعرفها مثلما كان كلا الحبيبين يعرفها جيدا .. لكن من الذي سيفعل هذا ؟!
من سيفدي جمال \" عشتار \" ومكانتها بدمه ويقبل أن يُنحر ليزيح خطر الشتاء والموت عنها ؟!
ساد الصمت التام الآن .. إنها لحظة التضحية والاختيار الحر المرة التي يلوذ فيها الجميع بالصمت !
لكن \" تموز \" الواله المحب تقدم ليفرق سحب الصمت وهتف باذلا أغلي ما عنده :
\" سأفديك محبوبتي .. ولو بدمي .. فلن أقبل أن تهاني وتنزلي عن عرشك بأيدي أولئك الآلهة القساة ! \"
أشرق وجه \" عشتار \" ، التي بدت مستعدة للتهاون والتضحية بأي أحد مهما يكن في سبيل إنقاذ نفسها وجمالها وتربعها علي عرش الجمال والفتنة ، أما \" حدد \" فلم يبدو عليه أدني انفعال أو صخب مشاعر .. لكنه كان سعيدا بحق ، وبعكس ما توقع \" تموز \" فقد كان هذا ما ينتظره ويتمناه بالضبط !
كانت طقوس الذبح مؤلمة ومخيفة .. لكن الخيانة التي أحاطت بالأمر كله كانت أكثر ألما ووجعا !
...
وقف يرمقها بصرامة .. شد ما تغيرت \" عشتار \" القديمة وشد ما بقيت علي حالها !
ومثلما توقع بالضبط هجرها \" حدد \" النذل في اللحظة المناسبة تماما .. تقدم نحوها والجميع يتفرقون من حوله خوفا وارتعادا !
لم يجرؤ أحد علي اعتراضه وهو يتقدم نحو قلب الملهي حيث تحتل المرأة الحسناء منضدة بمفردها بعد أن كانت تجالس رجلا الله وحده يعلم أين وكيف أختفي فجأة .. بدأت موسيقي حالمة تدوي في تلك اللحظة !
كانت موسيقي تدعوا للرقص لكن ما من أحد من الجالسين تجرأ علي الاستماع لصوت الموسيقي وجذب رفيقته للرقص .. أصلا كان الجميع يجلسون كخشب مسندة وطيور البوم تعشش فوق رؤوسهم وتنعق مثيرة الخوف والتشاؤم !
لا أحد فيما عدا المقتحم الشاب المفتول العضلات الذي تقدم نحو المرأة الوحيدة ومد لها يديه يدعوها للرقص .. رفعت \" عشتار \" إليه عينان مرتعبتان يظللهما الخوف والجزع !
مد لها يده يدعوها لمصاحبته .. أبت خوفا ، لا تمنعا ، لكنه جذبها بقوة فأنتزعها من فوق مقعدها وشدها حتى وجدت نفسها بين ذراعيه علي مساحة الرقص المضاءة بألف لون وألف ضوء مختلف !
بدأت الموسيقي من جديد .. رغم أن \" تموز \" لم يكن بحاجة إلي موسيقاهم لتساعده علي الرقص أو ليضبط إيقاعه عليها .. فقد كانت موسيقاه الخاصة تدوي في أذنيه صاخبة مجلجلة منذ قرون طويلة خلت !
تذكر آخر مرة صاحبته في الرقص .. شعرت بذراعيه حولها فأجفلت وزاد ذعرها .. ألتفتت جميع العيون إليهما وتابع الجميع بشغف ما يحدث !
أخذ يحركها بإيقاع هادئ وخطوات منتظمة فاستجابت له مذعنة مضطرة .. بدأت الموسيقي تعلو وهو يدور بها في دوائر ودوائر لا تنتهي .. جذبها إلي حافة البيست بقوة فكادت تذل قدمها وتسقط علي المشاهدين المتطلعين بشغف ورعب وجمود .. كان الجميع يدركون أن ثمة شيء غريب يحدث أمام أعينهم .. شيء غريب يستحق المتابعة ويستحق الانتظار !
الآن علت نغمات الموسيقي إلي حد جنوني .. الغريب أن الموسيقي التي تصدح حاليا ليست هي التي شغلها عمال المرقص ولا وجود لأسطوانة مشابهة لها عندهم .. إنها موسيقي صادرة من مكان آخر غير معروف .. عالية خلابة جميلة مختلفة النبرات متداخلة النغمات .. جميلة مخيفة تستدعي رغبة الإنسان الأبدية في مواقعة الرقص وإتيان نغمة الكون من منبعها إلي مصبها واعتراض مجري القدر إن أمكن بنغمة احتجاج باسمة مبللة بالدموع !
ذهب الناس مع الموسيقي أينما ذهبت .. وحدها \" عشتار \" التي كانت مالكة لوعيها منفصلة تماما عن السحر الذي يدوي حولها والذي لم يتجاوز طبلتي أذنيها المسدودتين .. ظلت \" تموز \" يدور ويدور بها حتى وجد أنها لقيت ما يكفيها من ذعر وعانت ما تستحقه من انتظار مؤلم .. إنه أكثر رحمة منها لذلك فلن يجعل انتظارها يطول ولا عذابها يصبر طويلا حتى ينقضي !
فجأة رفعها من وسطها إلي أعلي .. وجدت نفسها محمولة بقوته الهائلة الفتية وترتفع لأعلي نحو نجم هاوي مبهر الألوان يسقط فوق رأسها من السقف الملون المزين بالأضواء والمشاعل الكهربائية الصاخبة .. رفعها فجأة .. ضربها بقوة في شيء يعلوها .. ضربها مرة فأنفلق رأسها .. أراحها لأسفل ثم ضربها الثانية .. فقط لينفصل رأسها عن جسدها ويطير مذعورا منبلق العينان للأمام ساقطا فوق الناس .. اندفع الناس صارخين هاربين في كل صوب وناحية .. بينما اندفعت نافورة دماء حمراء قانية صارخة من موضع عنقها الممزق ورأسها المنتزع !
وبدأت ليلة رعب تخيم علي \" دمشق \" .. ليلة بدأت بجريمة في مرقص مزدحم لكنها لن تنتهي بها بكل تأكيد .. فهناك المزيد من الذعر في انتظار المدينة الراقدة كغانية في بحر خلودها وجمالها القديم !
...
هرعت أفواج من الناس المخابيل المذعورين محطمة أبواب الملهي الدمشقي ملوثة بالدماء وانتشرت عبر الشوارع صارخة مثيرة موجة هائلة من القلق والذعر .. قيل أن هناك رجل مجنون مفتول العضلات خارق القوة قتل امرأة داخل الملهي وفصل رأسها عن جسدها .. كان الخبر صحيح بلا شك لكن أحدا لم يصدقه .. لم يصدق الناس حرفا وشاعت موجة من السخرية ، وقيل أن رواد الملهي المحترمين أفرطوا في الشراب وربما في تعاطي ممنوعات مخدرة فحدثت لهم حالة هلوسة جماعية .. ونفس هذا الرأي كان ما رأته إدارة الشرطة في ( دمشق ) حين هرع كثير من الأشخاص شبه المخمورين إلي أقسام البوليس مبلغين عن الجريمة التي رأوها وشهدوا عليها بأعينهم صارخين مرددين عبارات تدل علي أنهم في حالة صدمة وهذيان .. تم التحفظ علي بعض أولئك المبلغين ، الذين كانت حالتهم العصبية في أسوأ نموذج ممكن ، وسيق من تمالكوا أعصابهم منهم ليرشدوا قوة الأمن الصغيرة التي تحركت لتفقد الأمر علي عنوان الملهي المشتبه في وقوع جريمة نحر وقطع رأس فيه علي مرآي ومسمع من الزبائن المحتشدة بداخله .. كان مدير أمن ( دمشق ) يغط في النوم مكفيا علي وجهه ولا يفكر أحد في إيقاظ عظمته لإبلاغه بأن هناك شيء غريب يحدث في مدينة دمشق العامرة الهادئة !
وحينما وصل رجال الأمن كان الملهي المقصود غارقا في الهدوء والظلام !
أطفأت كل أنواره وغرق مبنييه ، الأساسي والملحق الصغير الخاص به ، في ظلام منتشر غريب وخيم عليه صمت جعله يبدو كما لو كان يقع في فلاة منفصلة عن الصخب والضوضاء والأنوار الضاجة التي تعكر صفو العالم الحالم النائم المحيط به !
أندهش الجميع من ذلك المنظر .. لكن إن قدر لهم أن يعلموا بما يحدث داخل الملهي المقفر الآن ، أو لو أطلعوا علي ما سوف يحدث خلال لحظات ، لكانت دهشتهم قد تضاعفت ألف مرة !
...
كان الجسد مسجي عند قدميه .. الجسد الأنثوي الفاتن المتناسق الأهيف الخصيب .. جسد بلا رأس يحرقه بنظراته المستعطفة ويمنحه عين حب مترعة بالخيانة والغدر .. لقد خلص العالم من غدر \" عشتار \" وشرها فحق له أن يسعد ويفخر بما فعل !
لكن \" عشتار \" لا تموت !
هو يعرف هذا جيدا ويعرف أنها سرعان ما ستولد من جديد !
إنها تسكن الأجساد وتخطف أبدان البنات ولا ريب أن روحها تهيم الآن باحثة عن بنت حسناء تستولي علي جسدها وعليه تستحوذ وتسكنه حتى يبلي أو تدركه الشيخوخة والمرض فتهجره وتتركه لتبحث عن غيره !
إنه قادم ليدمرها هي لا ليدمر احدي صورها فكيف يستطيع منعها من العودة من جديد ؟!
بسيطة .. جميع الفتيات الجميلات في دمشق يجب أن يلقين حتفهن .. والليلة وليس غدا أو بعد غد !
ضحك \" تموز \" ساخرا وهو يتصور نفسه يطارد \" عشتار \" عبر أردية من أجساد البنات ويمزق لها كل لحظة جسدا تلوذ به لتهرب منه صارخة مولولة وتهرع لتختبئ في جسد فتاة أخري ، فيقتلها أيضا .. حتى لا تجد الخائنة القديمة أمامها إلا الاستسلام للموت والفناء !
ستهلك الليلة مهما فعلت ومهما حاولت المقاومة ولجأت إلي الحيلة وغواية الزمن الفاجر الملقي تحت قدميها !
\" حدد \" ؟!
تذكره الآن فقط .. لم يأبه لاختفائه لكنه خصم لا يجوز نسيانه في تلك الحومة أو التغافل عن شره وخطره !
هل يبدأ بها هي أولا أم بعشيقها النجس \" حدد \" ؟!
الوسيلة الأسهل هي أن يبدأ بكليهما وينتهي منهما في نفس اللحظة !
كان رأسها ملقي وسط المقاعد الخاوية والمناضد الفارغة فأسرع إليه .. لكنه لم يجد الرأس حيث كان يجب أن يجده !
دق قلب العائد من الموت الطويل قلقا لأول مرة .. فأين ذهبت رأسها إذن .. لقد طار ساقطا بين المناضد ورآه بعينيه يفتح فمه صارخا قبل أن يدهمه الموت السريع وأغفل أمره ليهتم ببقية الجسد .. رآه بعينيه فأين أختفي إذن ؟!
...
أحاطت الشرطة بالملهي فتدفق الناس زرافات ليشاهدوا ويتفرجوا علي هذا السيرك المنصوب غير مبالين بتحذيرات الشرطة لهم بأن يبقوا بعيدا حفاظا علي أمنهم وسلامتهم .. أصلا لم يبدو الملهي المظلم الساكن مصدر تهديد محتمل لأي شخص .. حتى لرجال الأمن أنفسهم الذين تقدموا نحوه بأسلحة مغمدة في أجربتها وبهدوء يخيم علي أعصابهم !
ما الذي يمكن أن ينتظرهم في الداخل .. قاتل واحد بسكين ؟!
ما أتفه ذلك ولعلها في النهاية ليست إلا تهيؤات سكارى ماجنين لكنهم ملزمين بتحري الأمر والتحقق منه !
...
في زمن آخر حدث ذلك ..
كان رأسها متدل من يده .. قبضت يده الفولاذية علي الشعر المسترسل ، الذي طواه علي أصابعه ، تاركا الجمجمة المغطاة باللحم تتدلي كرقاص ساعة متطوحة في الهواء .. لقد أفلت من عدوه بفضل الميزة الوحيدة التي فُضل بها علي سائر الآلهة القديمة .. قدرته علي السير في الزمن واختراقه !
لقد كان ل\" حدد \" في أيامه الخالية تلك الميزة الفريدة .. إنه يستطيع التنقل عبر الأزمان بسهولة واضحة مثيرة للدهشة .. حسنا لم يكن الجميع يعرفون بأنه يمتلك تلك المقدرة ولا يقدرون خطورتها !
حتى \" تموز \" ذهل عندما أختفي من أمام ناظريه ، وناظري \" عشتار \" ، فجأة تاركا مكانه خواء يضربه الهواء .. لم يختفي في الحقيقة بل ظل جالسا في مكانه بالضبط لكنه أنتقل لزمن آخر !
زمن يسبق ظهور عدوه القادم من جدثه المفتوح بألفي عام ويسبق كل تلك التداخلات الزمانية والمكانية والعاطفية بقرون بعيدة .. عاد لمعبده في أرضه القديمة ليجد كهنته يقدمون له القرابين بينما عواصفه الصناعية تمور هائجة علي قمة معبده المرتفعة المدببة !
تلك العواصف الصناعية إنها يعرفها جيدا ويعرف كيف يصنعونها بدهاء ليوهموا الناس بأنه قادر علي بذل العواصف والتبرع بالغيث الغزير .. يا لهم من بلهاء مخدوعين !
تريث حتى شعر أن الزمن الأول ، الذي آتي فارا من شر \" تموز \" فيه ، قد خيم عليه الهدوء والسكون ، لقد رحل الخطر وتباعد عنه .. كان قد أختلس الرأس المبتور الجميل دون أن ينتبه له الثمل بنشوة انتقامه !
حمل رأس محبوبته معه مع أنه لم يكن يدري ما الذي يمكنه فعله به .. إنه واثق من أنها تبحث الآن عن جسد تسكنه لكن رأسها لم تعد بذات بال ولا أهمية لها !
لكن من قال إنه حمل الرأس من أجل خاطر عيني العشيقة الميتة ، مؤقتا ، لا طبعا .. فمنذ متى و\" حدد \" يفكر بأحد أو يعنيه أحد سوي نفسه !
إن ذلك الرأس يمكن أن يكون سلاحا ماضيا في حربه ضد \" تموز \" وضد \" عشتار \" أيضا .. فهو يعرف أنها ستعود قريبا .. ستعود غاضبة هائجة ولن تنسي له أنها خانها وتخلي عنها في مواجهة عدوها وعدوه !
بل قد يتحد العدوان ضده .. إن الرأس المفصول سيكون درة ثمينة ساعتها لأن جزء من روحها معلق فيه .. جزء من جبروتها محبوس بداخله !
لكن إلي أين يمكن أن تكون \" عشتار \" قد انطلقت الآن .. وماذا تراها تصنع ؟!
...
لاهثة الأنفاس فرت روحها هاربة .. كانت تراه بعينيها الاحتياطيتين وهو يضربها في النجم الساقط فوقها ويشطر رأسها ثم ينتزعه كله ويفصله عن جسدها .. كان هذا آخر جسد امتلكته وكان عزيز عليها جدا .. استحوذت عليه من شابة سورية في الخامسة والعشرين بعد أن قتلتها في حادث سيارة مدبر لتأخذ هي جسدها وتستولي علي جمالها وتغطيه بالراتنج وخلطة الشباب العشتارية الدائمة المفعول وتنقع الجسد الحسن التكوين في دموع زهور الليليك النادرة التي لا يتحصل عليها إلا في ضوء القمر الباهر الهابط نحو الأرض في ليلة واحدة كل عشرة أعوام من الزمان لمدة عام كامل .. خرج الجسد بعدها وقد أكتسب مزيدا من الحسن ومزيدا من النضرة والجمال .. لكن \" تموز \" اللعين آتي فجأة ليدمر لها كل هذا الذي تعبت في صنعه !
من أين تراها تستطيع الحصول علي جسد مماثل آخر أو علي دموع الزهرة النادرة ؟!
ليس أمامها إلا أن تنكمش علي نفسها وترضي بأي مقر إقامة مؤقت حتى تحصل علي مستقر دائم يليق باسمها وبسمعتها كربة للجمال والفتنة !
لم تكن تعرف أن رأسها ، رأس جسدها المقوض الأخير ، بحوزة الخائن \" حدد \" الذي تخلي عنها في لحظة المواجهة الدامية .. تماما مثلما كانت تتوقع منه أن يفعل !
لا عيب عليه فهو نذل من بدء الزمان لكنها كانت تتوقع ، تتمني في الواقع ، أن يدافع عنها ويحامي لها ولو قليلا قبل أن يلوذ بالفرار .. عامة هي علمت نفسها منذ أجيال ألا تعلق قلبها ولا أملها علي رجل مهما يكن فكلهم خونة أنذال !
مشت في البرودة شاعرة بأن الريح الثلجية تلفحها وتعصف بها وتكاد تقتلعها من فوق الأرض التي تسير معلقة علي مسافة قريبة منها .. كانت لا تزال في مرحلة ضعف لا تستطيع معها ملامسة الأرض أو الدب فوقها ولا تستطيع أن تحلق في السماء وتشارك النجوم أفلاكها ومصائرها .. بعد قليل اشتدت البرودة وعصف الرياح الباردة وجعلتها توقن أنها ستقدم ولو كارهة علي الحل المقيت .. أن ترضي باحتلال أي جسم مؤنث حتى تجد ما يناسبها من أبدان ممشوقة مكللة بتاج من السحر والجمال !
كانت تسير علي مقربة من قرية سورية صغيرة وقد بدأت الشمس تظهر في الأفق طاردة قدرا ضئيلا من البرودة التي تخيم علي المناخ الذي أنقلب رأسا علي عقب .. وأثناء ذلك لمحت فتاة صغيرة تربط رأسها بمنديل قذر وتسوق أمامها بقرة ضخمة بضرع متدل منتفخ وتحثها علي السير بفرع شجرة لا يزال أخضر رطيب .. كانت الفتاة قبيحة بحق وقميئة وذات سحنة تعتبر مثالا حيا للقبح وانعدام التناسق بين الملامح !
لكنها ، برغم ذلك ، كانت تبتسم سعيدة راضية وثمة خاتم زواج يلمع في بنصرها الأيسر !
خاتم زواج .. أي رجل هذا الذي قبل بأن يقترن بتلك القبيحة المزرية بمعاني الأنوثة والفتنة والجمال .. لابد أن يكون ، مثله مثلها ، قبيحا قميئا كريها !
الغريب أن \" عشتار \" التائهة راق لها فجأة أن تسكن هذا الجسد القميء .. أن تحيى بوجه قبيح وبملامح خادمة عتيقة من خادمات إله الشر الذي لا تزال ذكراه جاثمة علي قلبها وأنفاسها !
يصعب أن يصدق المرء أن كائنة تائهة مشردة بدون جسد تعاني البرد والقر والهوان والمطاردة من عدو قوي مخيف تهفو نفسها فجأة إلي مغامرة صغيرة مثيرة للسخرية .. لكن هذه كانت \" عشتار \" دائما التي هي حبيبة زوجها والذي هو من نسلها !
كانت الفتاة الشابة المدعوة \" رواء \" ، وهو ما يتناقض مع منظرها شكلا وموضوعا ، تسير قائدة بقرتها إلي مرعي صغير خارج القرية لتطعمها وتبقيها ريثما تأكل وتشبع ثم تعود بها لتحلبها ، بعد أن تكون قد ملأت جوفها من الأعشاب الرخصة الندية ، ثم تبدأ بعد ذلك في غلي اللبن وتقديم الإفطار لأسرتها والقيام بأعمال المنزل وهلم جرا ..
لكن لم يدر بخلدها أنها ستمر هذا الفجر بتجربة غير عادية .. فقد توقفت فجأة علي جانب الطريق خلف بقرتها وشعرت بشيء بارد يقترب منها .. حسبتها نسمة بكور باردة عابرة لكنها لم تكن كذلك .. فقد أحست ، خلال لحظة ، بتيار بارد يسري عبر أنفها ويتسلل إلي داخل صدرها ثم هبط شيء صلب بثقله في معدتها وأحست بأن أمعائها تنقلب .. سقطت علي ظهرها جائرة بالشكوى وتمخض الألم في عروقها عن لسعات من نار باردة ، قمة التناقض ، تحرقها وترعشها في نفس اللحظة .. خلال لحظة هوت غائبة عن الوعي فأنسل الحبل الذي تمسك بطرفه في يديها بينما يلتف طرفه الآخر بحنان حول رقبة البقرة وتكوم الطرف بالقرب من يدها المفتوحة بينما يدها الأخرى تطبق علي صدرها محاولة البحث عن هواء لتتنفسه .. كانت \" عشتار \" تتسلل إلي داخلها الآن !
قاومت الفتاة التغيير والتبدل للحظة لكن كل قوتها كانت قد استنفدت .. استسلمت أخيرا لسلطان قوي أكبر وأكثر ضراوة مما تتخيل وسقطت غير دارية بشيء مما يدور حولها !
خارت البقرة حينما شعرت بالتحرر وأنفلت مقودها من يد سيدتها .. فخطت مبتعدة في تثاقل ولكنها بقيت علي مقربة من مكان الحدث !
الآن أصبحت \" عشتار \" القوية بالداخل .. ساءها ما رأته تحت الثياب وامتعضت ملامحها الذابلة الجميلة .. حُكم عليها أن تتعايش وتعيش بجسد هذا شأنه لكنها راضية !
ولعل من الخير لها أن تختفي في مكان لا يتوقع أحد وجودها فيه .. مكان لن يخطر ببال \" تموز \" ولا ببال \" حدد \" !
كان يمكنها أن تعيد التفكير فيه وتهيئ نفسها للأسوأ القادم .. وفي نفس الوقت تلهو قليلا وتعابث حظها بيد خبيرة قديرة وتقضي وقتا طيبا في رحاب مكان غير مألوف ووسط أوجه جديدة لا تعلم عنها ، ولا عن كينونتها القديمة ، شيئا !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.