الزوج والزوجة والعشيقة ثالوث شهير أدبيا وسينمائيا . ارتكزت رواية آخر المحظيات للكاتبة سعاد سليمان على قصة زوجة اكتشفت خياة زوجها بعد موته من خلال الرسائل التى وجدتها على هاتفه المحمول ونأكدت بعد ذلك من خلال الملفات الموجودة فى مكتبته . رامى الزوج الذى كان يشغل وظيفة مرموقة فى مجال القانون والترجمة فى الأممالمتحدة أما زوجته فهى ابنة عمه " زينة " أما العشيقة فهى هدية الفنانة التشكيلية آخر المحظيات لأننا من خلال قراءة الرواية نعرف أنها لم تنجب ومن ثم هذا التاريخ الجينى المتوارث لن يمتد بعدها . وقد أجادت الكاتبة فى التوثيق التاريخى لشجرة عائلة المحظيات ولكن من خلال بناء روائى متماسك وقدرة فنية على سبك وصهر ماهو تاريخى مع الآنى وقد جعل ذلك الرواية نسيجا متجانسا . تبدأ الرواية بسؤال توجهه الزوجة لزوجها الراحل : لماذا مت ؟ وكيف تموت دون أن أشفى غليلى ؟ لماذا الآن ؟ كيف أسترد حقى منك ؟ حتى فى موتك ظالم وجبان . حتى فى موتك مخادع ! سألعنك كل يوم . لن أرحمك لحظة . لن تستريح بدونى . تشكل هذه التساؤلات بداية المحور الرئيسى الذى هو المعنى المرتبط بالحدث الأساسى وهو اكتشاف الخيانة من خلال الرسائل هل هى ازدواجية الرجل فى مجتمعنا بحيث يظهر فى البيت بشخصية غير الشخصية التى يظهر بها مع الآخرين وخاصة الآخريات فى الخارج ؟ أم تعاسة هذا الزوج فى حياته مع زوجته هى التى دفعته إلى ذلك ؟ أم أن تقاليد المجتمع وأعرافه هى التى تؤدى إلى ذلك ؟ أظن أن الإجابة يمكن أن تستوعب كل هذه المعطيات . وهذه المساحة العريضة فى طرح هذه الفكرة أهدت الكاتبة حرية الحركة داخل العمل الروائى رامى يهمل زوجته . لايهتم بأنوثتها أو الإشباع الجنسى لها ولكن من خلال رسائل العشيقة تكشف الزوجة أن زوجها شخصية مغايرة تماما من حيث القدرة على العطاء العاطفى بمافيه من حب وجنس . فهل تعيد الزوجة اكتشاف زوجها بعد موته ؟ !! والإجابة بالفعل أعادت زينة اكتشاف رامى بعد موته وهذا ما تؤكده نهاية الرواية " فجأة تجسّد الكابوس حقيقة أمامى . حقيقة لاتقبل الجدل أو التكذيب . يرقد رامى شبه عار يحتضن امرأة من ظهرها . يضع يده اليسرى أسفل عنقها تعانق يدها اليمنى بيده اليسرى متشابكين . على وجهها ابتسامة الرضى اعتمدت الكاتبة فى صياغة الرواية على حدث رئيسى وحيد ويبدو من ذلك تأثرها بأسلوب القصة القصيرة . هذا الحدث هو اكتشاف الزوجة خيانة زوجها بعد موته . وهذا الحدث قد فجّر مجموعة من التحولات فى شخصية الزوجة . بداية التغير فى شخصية زينة ارتبط بذلك والذى بدأ برغبتها فى الانتقام من الرجل الذى خدعها ومن ثم حرقت الرسائل وحملتها إلى قبر الزوج كى تهيلها على جثته وفى نهاية الرواية جاءت هذه العبارة على لسان الزوجة " تلاشت معالم الطريق من أقدامى . وحيدة ضائعة . أحاول أن أصلب طولى وأتلمس طريقا للخروج " . ورغم نجاح الزوجة فى بناء الشخصيات المحورية فى الرواية . رامى الزوج وزينة الزوجة وهدية العشيقة إلا أن الشخصيات الثانوية مثل شخصيات الأبناء وشخصية شقيقة الزوجة " زهرة " لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام . لا أقصد أن تأخذ شخصيات الرواية نصيبا متساويا ولكن ما أقصده أنه كان من الممكن توظيف هذه الشخصيات الثانوية فى اثراء الحدث الروائى هل نجحت الكاتبة فى تجسيد القهر الاجتماعى والنفسى الذى تعانى منه المرأة فى مجتمعنا ؟ . إلى حد كبير استطاعت طرح ذلك وخاصة حين لجأت إلى تأريخ حياة المحظيات والتى تمثل العشيقة هدية الحلقة الأخيرة فيهن . ومن أهم جماليات الرواية هذه اللغة الرائقة التى ابتعدت عن التقعر من خلال سرد سلس ومتدفق يتسم أيضا بجمالية التجانس مع الحوار وبعيدا عن تصنيف العمل بأنه نسوى أو غير نسوى لأن القضية المطروحة لها أبعادها الانسانية المتشابكة فإن سعاد سليمان قدمت للقارىء العربى رواية متميزة معرفيا وجماليا