وزير التعليم يبحث مع مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج تعزيز التعاون التربوي    جامعة حلوان تستقبل وفد «مستقبل الأرض بأفريقيا» و«البحوث الوطنية» (تفاصيل)    محافظ قنا يبحث مع نواب مجلسي الشيوخ والنواب ملفات التنمية وتعزيز التعاون المشترك    التعليم العالي:مصر والجزائر تتعاونان في الأبحاث البترولية والتنمية المستدامة    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    أخبار الكويت اليوم.. وزير الدفاع: تدشين الاستراتيجية الدفاعية 2025 - 2030    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    أوكرانيا تتهم موسكو بانتهاك الهدنة الروسية أكثر من 700 مرة    تقرير: ضغوط أمريكية على المنظمات الإنسانية لدعم خطة المساعدات الإسرائيلية بشأن غزة    قائد نيوكاسل يطالب بالدعم الجماهيري أمام تشيلسي    بيسيرو يخرج عن صمته: "الزمالك رقم 6 في مصر"    رغم اهتمام الهلال السعودي.. ماركو سيلفا سعيد في فولهام    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    السجن 13 عاما لمتهم بترويع شاب بكلاب شرسة والتعدي عليه في الإسكندرية    إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية للهروب من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة    موعد بداية ذي الحجة 1446.. متى تحل وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر؟    سهير رمزي تتصدر "التريند".. ما علاقة ياسمين صبري؟    لكل عريس وعروسة.. 10 نصائح من سماح عبد الفتاح تجعل حياتكم الزوجية سعيدة    «لو صاحبك من الأبراج دي أوعى تحكيله سرك».. أبراج لا تعرف كتم الاسرار    "محمد الفاتح".. دراما تاريخية تُعيد أمجاد الفتوحات على الشاشة التركية    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرصيف    وزارة الصحة تنظم مؤتمرا عالميا لتشخيص وعلاج الربو الشعبى ومكافحة التدخين    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء مع الثنائي اللبناني الأديبتين و الشاعرتين مادونا عسكر و الراحلة مي زيادة
نشر في شموس يوم 24 - 05 - 2014

ربما تسكن الأقلام لكن لا تجفّ و لا تنام، فتُرْوَى الكتب من نفحات الأدب، ليؤرّخ الزمان رموزا من كل البلدان، لنجده يحملنا إلى لبنان، أين أهل التحصيل عبر سير السنين، ليقف بنا على مفصل الفصاحة و مرقم البلاغة، فيعترضنا الناطق بكلام فصيح و منطق مليح، يقرع الآذان و يدخلها بدون استئذان، لما يجيد من حسن العبارة و بليغ الاستعارة، و لما له من سعة الحفظ و دريّ اللفظ، كذلك هو، الحرف الذي يميّز أديبتينا و شاعرتينا، و لإن باعد بينهما الأوان، فقد جمعهما عمق التبليغ لقضايا بني الإنسان، فكانت كتابتهما للأخبار كسجع الحمام، و نسجهما للأشعار كمناغاة الأطيار، بمعاني مضبوطة السبك و ثابتة الحبك، فلطالما أحكمتا تفريع المسائل بمتانة التحرير و دقيق التحبير، ليحوز وصفهما على فخامة الأساليب، لما اختصّ به من طابع التهذيب، تُستضيء بمشكاتهما الآراء لما تستقرئ من صفيق التأليف و براعة التوليف، فتغوصا في ضروب الخطاب الحامل لبذور الصواب، باستجلاء غوامض كل آبدة و توضيح خبايا كل شاردة، هما الأديبتان- الشاعرتان- اللبنانيتان مي زيادة و مادونا عسكر.
أهلا و سهلا
أهلا بك
س تستفهم الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" بقولها "أنكتب نحن فتيات اليوم؟" لتجيب نفسها "نعم، صرنا نكتب ليس بمعنى تسويد الصحائف فحسب بل بمعنى الانتباه للشعور قبل التحبير"، إلى أي مدى تعتقد الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" أن لهذا القول صدى يتبع مسيرة المرأة عبر الأزمان؟
ج هذا السّؤال الذي طرحته الأديبة " مي زيادة " سابقاً بدافع تشجيع المرأة على الكتابة والتّعبير والبحث عن ذاتها من خلال ترجمة مشاعرها وإطلاق العنان لفكرها، ما زال قائماً على الرّغم من حضور كاتبات وأديبات عظيمات، يتركن في كلّ مرّة يكتبن بصمة في تاريخ الفكر الإنساني، بالمقابل وجب اعتبار هذا السّؤال كشعار تتّخذه كلّ من تعتبر نفسها كاتبة كيما تحافظ على رقي الكلمة و صدق الحرف، كي لا تتحوّل الكتابة مجرّد تسويد الصّحائف.
س ترى الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" و منذ أكثر من مائة سنة أن " كل حميّة تهزّ المرأة إنما تنطلق من النفس الإنسانية الشاملة، و كل نقص يشوبها إنما يرجع إلى العجز البشري الشائع، و كل أثر من آثار ذكائها إنما هو وجه من وجوه الفكر الإنساني العام"، فكم من مائة سنة أخرى يلزمنا، حسب رأي الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر"، حتى ترسخ مثل هذه العقلية في النفوس؟
ج كلّ فكر كي يتأصّل في النّفس الإنسانيّة يحتاج إلى العمل الدّؤوب والاجتهاد حتّى يثمر في ما بعد نتائج مرضية. لعلّنا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من الوقت كي ترسخ في النّفس الإنسانيّة فكرة أنّ المرأة إنسان قبل أن تكون امرأة. عندما نعيد قراءة مقالات ميّ عن المرأة تحديداً وعن دعوتها للمجتمع في دعم المرأة الإنسان، نحسّ بأنّ " ميّ" تتوجّه إلى مجتمعاتنا اليوم، و كأنّ هذه المقالات كتبت ليومنا هذا، وعلى الرّغم من كلّ الجهود الّتي تبذلها المرأة والمكانة الّتي سعت للوصول إليها، والتّشبّث في حقها الوجودي الإنسانيّ، إلّا أنّنا ما نزال بحاجة إلى دعم المجتمع خاصّة في ظلّ أحداث تساهم إلى حدّ بعيد في إعادة المرأة إلى العصور الجاهليّة، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ للمرأة دور أساسي في المثابرة المستمرّة للحفاظ على ما وصلت إليه، دون أن تترجّى أحداً، فالفرق شاسع بين طلب الدّعم من المجتمع و بين استجدائه للحصول على الحق والثبات عليه.
س "على المرأة أن تكون وردة تحيط بها الأشواك"، إلى أين أرادت أن تحملنا الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" من خلال هذه الدعوة؟
ج لقد وعت " مي" المعنى العميق لمبدأ حرّيّة المرأة واعتبارها أساس المجتمع، و هذا الوعي انطلق إدراك " مي" لما ستواجهه المرأة في مسيرتها نحو إثبات وجودها. لقد أرادت بهذه الدّعوة أن تقول للمرأة أنّ حقّها لا ينفي واجبها، و بالتّالي لا يبيح لها التّنصّل من مهامها الأساسيّة والجوهريّة، فغالباً ما رأينا اهتزازاً في توازن المرأة عامّة وهي تسعى لنيل حقوقها وإذا بها تجرفها الحياة و تنسيها واجباتها كأمّ و زوجة و مربّيّة. أن تخوض المرأة مسيرة البحث عن الحرّيّة وإثبات الوجود الفعّال يفترض منها أن تحافظ على جمالها الإنسانيّ معتبرة كلّ صعوبة تواجهها حافزاً للاستمرار. هذه الوردة الّتي عليها أن تحافظ على جمالها الإنسانيّ، والمحاطة بأشواك الحياة سواء أكانت مقاومة الفكر الاجتماعي الّذي ما زال يعتبرها درجة ثانية، أو الفكر الاستغلالي الّذي يستغل ورقة تحرير المرأة لمآرب شخصيّة إلى ما هنالك من أشواك تحيط بها. المرأة مدعوة إلى الاتّزان والثّبات و مقاومة كلّ صعوبة على أن لا تنسى أنّها امرأة أي وردة في الحياة.
س أين الإنسانة "مادونا عسكر" من هذه المرأة؟ و ما هي ملامح دور الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" في رسم هذه الصورة؟
ج لقد حباني الله بنعمة وهي أنّه أوجدني في بلد اسمه " لبنان"، ما يعني أنني نشأت في بيئة عرفت منذ زمن بعيد قيمة المرأة و منحتها الفرصة لتثبت وجودها، و بالتّالي هذه البيئة الّتي أنا منها وثقت بحرّيّتي و منحتني فرصة الانطلاق، و لا يمكنني الحديث عن معاناة في هذا المجال، إلّا أنّني أشعر بالمسؤوليّة تجاه كلّ امرأة ما زالت تعاني في هذه المسيرة، و دوري أن أساندها و أتعاطف معها إنسانيّاً و دعمها فكريّاً و ثقافيّاً بما يمكنني، و ما يمكنني هو الكلمة، و الكلمة سلاح عظيم يمكّن أيّ إنسان و ليس المرأة وحسب، من بناء فكره و تكوين شخصيّته حتى يبلغ أهدافه المرجوّة.
س يقول الكاتب السوري "حنا مينة" "مهنة الكاتب ليست سوار من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة"، إلى أي مدى تتجاوب الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" مع هذا الرأي؟
ج مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب وإنّما هي رحلة نحو الحقيقة، وهنا تكمن صعوبتها و مشقّتها، من يستحقّ لقب " كاتب" هو من نتلمّس في كتاباته صدقه في البحث عن الإنسان، وهذه صعوبة كبيرة، من ناحية أخرى كلّما اقترب الكاتب من الحقيقة دخل ما أحبّ أن أسميه " الحزن البهيّ"، هذا الحزن الّذي يدلّ الإنسان على نقصه مهما بلغ من معرفة، وهذا الحزن الّذي يجعله يتلمّس شقاء الإنسانيّة كلّما غرق في همومها و مشاكلها. الكتابة ليست سواراً من ذهب بل هي الطريق الأكثر صعوبة للبحث عن الإنسان.
س "احتياجنا شديد إلى مثل هذه الكلمة: ثقوا بالإنسان"، هل تشاطر الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" معتقد الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" في هذه النظرة و هل تعتقد أننا مازلنا على نفس الحدّة من هذا الاحتياج إلى يومنا هذا؟
ج لعلّنا اليوم بحاجة لأن نثق بالإنسان أكثر فأكثر، و نساعده في البحث عن جوهره و تربيته على اكتشاف جماليّاته، عندما نتأمّل من حولنا التّقدّم الهائل و التّطوّر الكبير الحاصل نرى أنّ الإنسان يتراجع إنسانيّاً، و يفقد اتّزانه الفكري والوجدانيّ و يجنح إلى الجهل والسّطحيّة، نحن بحاجة اليوم إلى الوثوق به حتّى تترسّخ ثقته في نفسه و يعيد إليه صورته صورة بهائه الأوّل.
س ماذا يجب أن يبقى فينا و ما الذي يجب أن نبقى فيه حتى نحصد هذه الثقة؟
ج جوهر الإنسان هو المحبّة، فالله خلقه بها و منحه كياناً مجبولاً بالمحبّة حتّى يتمكّن من السّير في هذا العالم بالنّور و ليس في الظّلمة، من حافظ على المحبّة الّتي فيه سكن في قلب الله و سكن الله قلبه. إذا فقد الإنسان المحبّة فقد جوهره وإنسانيّته و بالتالي تحوّل إلى جثّة تتنفّس في هذا العالم. الحبّ وحده هو الزرع الذي من خلاله نحصد كلّ ثقة. من ثبت في الله ثبت في المحبّة، والعكس صحيح، و بالتالي لا يمكن لأي شيء أن يهزم الإنسان أو يقهره ما دام ثابتاً في المحبة.
س يقول الزعيم الروحي "موهانداس كرمشاند غاندي" "أينما يتواجد الحب تتواجد الحياة"، حسب رأي الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" كيف هو هذا الحب حتى يستحوذ على هذه الأهمية؟
ج الحب الذي يجعل العالم هيكلاً حيث تتخشع النفوس فتجثو للعبادة والصلاة والاتحاد الروحي مع جميع قوى الكون هو هذا الذي نعنيه عندما نتكلم عن الحب، و نعظم عواطف الحب. هيهات للزهرة أن تعيش بلا شمس و للإنسان أن يحيا حياة عظيمة بلا حب.
س المُحبة "مادونا عسكر" هل يتوهّج فتيل إحساسها من نظرة "مي زيادة" للحب، و هل تعتقد بأن الصلة بين الحب و الحياة يمكن أن تترجم تلك التي بين الأرض و الجذور؟
ج الحبّ هو الحياة الحقيقيّة، و ما عداه موت. من ظنّ أنّه يمكنه أن يحيا بدون حبّ فهو أشقى النّاس. عندما نتكلّم عن الحبّ، فنحن نتكلّم عن أسمى درجات الإنسانيّة، وعن أبهى صورة للإنسان و للكون. لو تأمّلنا الكون من حولنا لوجدنا كلّ ذرّة فيه تنشد الحبّ، و كلّ خلل يطرأ عليه سببه قلّة الحبّ. الحبّ نشيد الله في نفوسنا، فلو أنشدناه لارتقينا وارتفعنا إلى نبع الحبّ الأصيل، و تلمّسنا كمال إنسانيّتنا.
س هل يعني أنك تنسجمين كليا مع قناعة الأديب الفرنسي "فيكتور هوجو" عندما قال " أعظم سعادة في الدنيا أن نكون محبين"؟
ج السّعادة الحقيقية تكمن في كوننا محبّين، ولا نبحثّ عن السعادة في طريق آخر. كلّ شيء سيزول ووحده الحب يبقى قائماً.
س الحب و الحزن في دواخل الإنسانة "مادونا عسكر" هل هما رحلة مد و جزر أم رحلة تكامل و عطاء؟
ج الحزن رفيق الحب، ولكن أيّ حزن؟ فالحزن أنواع ، منه من يغرق الإنسان في اليأس والخوف ، و منه من يقودنا إلى الوحشة و الفشل، و أما الحزن المرافق للحب هو ذاك الحزن البهي الذي يرفعنا أبداً نحو العلا، و ذاك الذي يتحوّل في داخلنا إلى شعلة لا تنطفئ ولا تخمد، و كلّما اشتعلت أوقدت فينا نار الحبّ،. وكلّما أحببنا منحنا أكثر، وكان العطاء مبدأ حياتنا، و لا نملّ و لا نشبع لأنّ الحبّ الحقيقيّ لا يكتفي أبداً.
س تقول الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" " الحزن مهذب لا مثيل له في نفس تحسن استرشاده"، لتؤكد ذلك الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" فقول "في داخل كل منا حزن المهم كيف نتعامل معه"، هل الكتابة تصقل الحزن و تورثه نور الاستبصار ؟
ج الكتابة تهذّب فينا ميلنا إلى الحزن، فنستخدمه في سبيل تنقية أنفسنا و تحريك نفوس الآخرين، و بالتالي نساعدهم على التعامل معه بحيث لا يتحوّل إلى يأس و قنوط. الحزن ضروري في حياتنا إذا ما أدركنا أنّ به ندخل إلى السّعادة.
س ما حُمل قلم و كتب إلا و مسّ الروح عطب، إلى أي حد تعتقد الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" في سلامة هذا التعبير؟
ج لا أنسجم كثيراً مع هذا الاعتقاد، فالقلم والكتاب بابان منهما ندخل إلى اكتشاف غنى الروح، إذا ما أحسنّا استخدامهما. القلم سلاح نحارب به الجهل و نقتحم الموت الفكري والروحي، وأمّا الكتب فعوالم ندخلها و نكتسب منها خبرات عدّة. كلّما تناولنا كتاباً تعرّفنا إلى عالم جديد، و خبرة جديدة، و إن كانت نظريّة، و إنّما تساهم تدريجياً في بناء شخصيّتنا، و في تكوين فكرنا الشّخصيّ. القلم والكتاب هما الكنز الّذي يجب أن تنتازل عن تشبثنا بالكثير من الأشياء التافهة كي نمتلكه.
س انطلاقا من رأيك هذا هل نفهم أنك تجادلين رأي الأديب الألماني "فون غوته" عندما قال "لا نتعلّم إلا من الكتب التي لا نستطيع تقييمها، أما الكتاب الذي نستطيع تقييمه فعلى كاتبه أن يتعلّم منا"؟
ج مع الاحترام، و لست أدري إن كنت على قدر المجادلة، لكنّ أيّ كتاب بذل كاتبه جهداً في صياغته و إن كان هذا الجهد ضئيلاً، فلا بدّ أن نجد فيه قيمة معرفيّة. تتفاوت قيمة الكتب بلا شكّ، و قد نقرأ كتباً يمتصّها كياننا بشكل كامل وأخرى نكتفي بالإطلاع عليها، لكنّ لا بدّ أنها تحمل في حناياها و لو فكرة مهمّة. الكتب الّتي لا نستطيع تقييمها نتعلّم منها الكثير و ترسّخ في أعماقنا و مفاهيم عدّة تبني إنساننا، و الكتب التي نستطيع تقييمها تخبّئ بين صفحاتها جمالاً ما علينا أن نكتشفه.
س "إن قلوب الناس تميل إلى الصمت بعد تبادل الأفكار القيمة"، هذا ما تراه الأديبة و الشاعرة "مي زيادة"، فهل لك على هذا الزورق من ابحار؟
ج الصّمت هو اللّغة الّتي تشرح بدقة كل فكرة قيّمة، الأفكار القيّمة تستمدّ قيمتها من عظمة رقيّها و سموّها، و بقدر ما نرتفع و نسمو معها نفهمها و نستوعبها أكثر، و بالتّالي وحده الصمت الّذي لا تضاهيه لغة لأنه أبلغ الكلام يدعونا لفهمها بلغته. الصّمت هو التأمّل الذّهني و القلبي و الروحي، وعندها الكيان الإنساني بكلّه يصغي و يتأمّل. يبدأ الصّمت لحظة تعجز اللّغة عن التقييم.
س إذن أي نصح تضعينه قبالة من قال، ابحث عن ذاتك وسط الزحام، و أركض لعلّ الأقدام تعنيك، فالحياة تزخر بالخصام و الوئام، و الصمت للإقدام لن يهديك؟
ج الصّمت هو رؤى العين الثّالثة، و إصغاء الفكر والنّفس، فإن كان ولا بدّ من البحث عن الذّات فليكن بصمت و سكينة، ففي الزّحام نضيع في الضّوضاء و قد تلهينا الأنوار الباهتة عن نورنا الدّاخليّ الّذي يهدينا إلى عمق ذواتنا. الحياة زاخرة بالخصام و لا يعالجه إلّا الصّمت فيحوّله إلى وئام، كما أنّها زاخرة بالوئام و لا يحافظ عليه إلّا الصّمت. الصّمت هو غير السّكوت، فالسّكوت غالباً ما يكون ضعفاً أو تردداً، أو خوفاً أو قلّة معرفة، و أمّا الصّمت فهو اللّغة لأبلغ للبحث عن الحبّ والجمال.
س هل يؤلم الصمت؟
ج الصمت مؤلم و ليس موجع، لأن الفرق شاسع بين الاثنين، الألم هو غذاء حياتنا، و ما قيمة الحياة من دون ألم؟ و ما الذي يصقل أنفسنا و يمنحها ذلك الجمال البهي بدون الألم؟ أما الوجع فليس سوى مرحلة عابرة في حياتنا و يمكن معالجته بسرعة. الصّمت مؤلم لأنه تلمس للحقيقة، و شوق مستمرّ إليها، و سعي لعيشها بكل ما تحمل من قيم و جمال.
س يعتقد "فيكتور هوجو" بأن "الألم ثمرة و الله لا يضع ثمارا على غصن ضعيف لا يقدر على حملها"، الألم و المرأة "مي زيادة" بين البناء و الهدم أين مرتبته؟
ج الألم الكبير تطهير كبير، الألم محسن كبير لأنه يجرّدنا من الغرور و الدعوى، جبار هو ذاك الذي يكون شعاره في الحياة: " سأتألم، و لكني لن أغلب.
س اللبنانية "مادونا عسكر"، دواخل و أعماق حرص الألم على زيارتها و مجالستها، فكيف تتفاعل معه و أين نجدها من الثمرة و الغصن و حمل الشعار؟
ج عظيم هو من يطلب الألم، لأنّه بذلك وصل إلى درجة من الوعي الإنسانيّ الّذي يمكّنه من عيش هذه الحياة بقوّة القدّيسين، و أعني بذلك أنّ القوي و العظيم هو من فهم أنّ رحلة السّعادة تبدأ بالألم الذي يزيل عنّا كلّ شائبة، إنّه درب الفرح، الفرح من الألم.
س تقول الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" "ولدت في بلد، و أبي من بلد، و أمي من بلد، و سكني في بلد، و أشباح نفسي تتنقّل من بلد إلى بلد"، حملت هذه العبارة ألما تجذّر في نفسها، هل تعتقدين أن مثل هذا الألم قادرا دوما على البناء أو أن "مي زيادة" مجرّد استثناء؟
ج الألم سمة النّفوس العظيمة، و ميّ نفس عظيمة، قادها الألم إلى الإبداع الفكري و الروحي. كثيرون يتألمون و قليلون من يقدّرون ألمهم فيمنحونه رتبة القيمة الإنسانيّة و هنا عظمة ميّ. ميّ، ياسمينة النّهضة، تركت ألمها و إبداعها كنزاً لسنين عديدة نغرف منه و لا نكتفي.
س كتبت "مي زيادة" تقول " أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني و يستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص و الصدق و الحمية و التحمس لكل شيء حسن و صالح و جميل، لأنه كذلك، لا عن رغبة في الانتفاع به"، إلى أي حد تعتقدين أن قلم اليوم استطاع خوض عباب حرف الأمس و الإحاطة بأصوله و فروعه، و كيف تصنّفين ثقة الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" في زمننا الحاضر لتخلع البلاغة عليه زينتها؟
ج حروف الأمس هي كنز اليوم، وهي بمثابة رصيد معرفيّ كبير علينا أن نغرف منه كيما يتمكّن كتّاب اليوم من أن يكونوا مرجعاً للغد، كما هي مي اليوم مرجع مهم في الأدب والفكر، لا سيّما كلّ من عاصرها و ساهم في عصر النّهضة الأدبية. عاصرت مي زمناً ينطلق نحو نهضة جديدة ويحرّك النّفوس كيما تبحث عن ذواتها وعن جمالها، و وثقت مي بقدرتها على التّأثير في كلّ من سمع كلماتها أو قرأها، و بالتالي وثقت بجيل قادم سينهل من نبعها و يتأثّر و يكمل ما بدأته، لكني أخشى أن أقول أننا اليوم نعاصر جيلاً أضاع نفسه و إنسانيّته، ممّا يدفعنا للمثابرة على حثّه من جديد على اكتشاف جماله الإنساني.
س عندما يتخثّر الوقت في عروق الزمن، هل سنخشى العودة؟
ج الأمس رفيق دائم يرافقنا كلّ حين، و يبعث في داخلنا تارّة حنيناً إليه و طوراً خوفاً من تذكّره. هو لا يشبه اليوم لأن الحياة متقدّمة أبداً و متبدّلة، و إنما اليوم هو امتداد له، إذ إنّه جزء لا يتجزّأ من خبرتنا الإنسانية، و اليوم أو الحاضر هو الماضي القريب، إذ إنّ مفهوم الحاضر ملتبس، فهو يؤسّس للمستقبل، و لكنّه ماضٍ، فاللّحظة الّتي نحياها و تمضي، أصبحت من الماضي، و المستقبل مجهول، و مهما اجتهد الإنسان في معرفته، إلّا أنّه مبهم، وغير أكيد، وأحياناً يخيّب الظّنون. الحقيقة الوحيدة في الحياة الإنسانيّة هي الماضي، فالماضي صديق الإنسان، بكلّ ما يحمل من آلام و أوجاع، و أحزان و أفراح، و قسوة و ظلم، و سعادة و رخاء، إنّه الصّديق الأمين، المرافق الدّائم للإنسان في كلّ خطواته، و يستعيده و يستعين به في كلّ شيء، حتّى في لحظات النّضج الكامل، فالفضل في النّضج يعود إلى الماضي. هذا لا يعني أن نأسر نفوسنا في الماضي و إنّما أن نستشفّ ما كان سيّئاً فيه، لنبني إنساناً أفضل، و نمتّع أنفسنا بسعادة عشناها و لو لحين. و بين الماضي و الحاضر و المستقبل، نمتلك اللحظة، فالماضي وراءنا، و الحاضر يهرب منّا، و المستقبل بعيد. وحدها اللّحظة الحاضرة، و إن مرّت سريعاً، تمكّننا من خلق الفرح، فلنمتلك جمالها، و نحيا عذوبتها، و لا تضيعنّ فرصة واحدة باستنفاد كلّ الفرح منها، فنسرّبها إلى الماضي، لتضفي عليه جمالاً، يخطف منه الألم، و يبعثه سعادة لمستقبلنا.
س "مي زيادة بين الماضي و الحاضر، و "مادونا عسكر" بين الحاضر و المستقبل، ما الوصال، إلى متى الاتصال و ما ملامح الانفصال؟
ج "مي" زهرة النهضة التي لا تذبل، هي حاضر يتجدد كلّما نهلنا من حرفها البهيّ، هي أرزة لبنان التي لا تعرف الاصفرار أو اليأس. الكتّاب العظماء لا يمكن أسرهم في الماضي لأنّهم يتحوّلون إلى لغة حاضرة أبدا، ومادونا عسكر بين الحاضر و المستقبل جسر متواضع بين حرف " مي زيادة" المستنير و بين نفوس أرجو أن تحافظ على سرّ الكلمة.
س "و لا تستنيموا للزمان توكلا فالدهر نزّاء له و ثبات"، هكذا هو رأي الشاعر العراقي "معروف الرصافي" في الزمان، فهل تشاطره الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" في هذه الرؤية أم أنها تستعيض عنها بفكرة مغايرة؟
ج الزمان يتابع المسير فويلا لتربة تدوسها قدمه.
س كيف ترى الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" هذا الانسجام في تعريف الزمان، هل تعتبره حصافة أم تألّب نتاجه عجز في التكيّف و المجابهة؟
ج الزّمان أمثولة متنوّعة الفصول، تكتنف في حناياها كلّ ما زرع في النّفس، و الزّمان يسير قدماً بغير ثبات، و بالتالي وجب الاحتراز و الحذر منه، فما هو غير ثابت لا يدعو للثقة. الحصافة تكمن في أن تخطو في هذه الحياة مدركين أننا نحيا في عالم متقلّب، و بالتالي نحاول أن نكون ثابتين.
س هنا الزمان، الطرفان، الذاكرة و النسيان، على حلبة الكتابة يتباريان، كيف ترين مميّزات هذا التباري، و لمن تعتقدين الغلبة؟
ج الغلبة لمن ترك بصمة حبّ، و لا تخضع هذه البصمة للنّسيان، لقد اتّسع الزمان للكثير الكثير من الشّخصيات والعظماء والأقل عظمة، و خطّت أحداث على صفحاته حلوها و مرّها. من نقش الحبّ على صفحات الزمن خلّدته الذاكرة و الروح، و الحدث الّذي حرّك النفوس بالحبّ استحال لوحة جماليّة كلّما رنونا إليها تجرّعنا قطرات الحبّ و الجمال.
س يرى الكاتب المسرحي السويسري "ماكس فريش" بأنه " يمكنك التعبير عن أي شيء بالكلمات فيما عدا حياتك أنت"، في حين أنجبت حروف الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" كلمات جعلتنا نعبر من خلالها لنبلغ اكتشافا لأجزاء من حياتها التي عايشتها، بين كلمات "مي زيادة" و معتقد "ماكس فريش" أين تقبع قناعة الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر"؟
ج الكتابة أوّلاً هي تعبير عن الذّات، وعن القلق المعرفي و الوجودي، هي أن أغوص في نفسي لأتخطى نفسي فأحاول أن أفهم ذاتي و أحداث حياتي، و النّفس الإنسانيّة تخضع لذات الحالات باختلاف الأحداث، و تعاني من مشاعر متشابهة باختلاف المضمون فتأتي حروف الكاتب الصّادق لتعبّر عنا. الكاتب النّاجح هو من استطاع أن يجعل القارئ يعتقد أنّه يكتب عنه شخصيّاً، و ينقل حزنه و فرحه و قلقه و حيرته و كلّ ما يخالج فكره و نفسه و روحه...
س يقول الأديب و المؤرّخ العربي "ابن قتيبة الدينوري" "من أراد أن يكون عالما فليطلب فنا واحدا و من أراد أن يكون أديبا فليتفنن في العلوم"، هل تقرع وجهة النظر هذه مسمع الأديبة و الشاعرة "مي زيادة"؟
ج الأدب فن التعبير عن العواطف و الميول و التأثيرات نثرا و نظما، فالشعر فرع من الأدب، و الشرط الجوهري للكاتب الأدبي هو أن يكون ذا إحساس قوي يتأثّر بجميع الحوادث، فإن نقص هذا الشرط تلاشى الكاتب الأدبي. كيف يؤثر من لا يكون متأثرا، ألا إن الذكاء يتعب، و العلم يعذّب، و الحرية الفكرية تقلق النفس.
س بين "ابن قتيبة" و "مي زيادة"، بماذا يزيد و ينقص معتقد الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" حول الأدب و الكتابة الأدبية؟
ج ولئن كان الذكاء يتعب، و العلم يعذّب، و الحرية الفكرية تقلق النفس، أطلق الأديب العنان لقلبه في البحث عن الجمال، و تسليط الضّوء على جوانب الأمور باختلاف إيجابيّاتها و سلبيّاتها منقّحاً إيّاها بنفحة جماليّة. برأيي المتواضع، الكتابة الأدبيّة تستلزم بناء عالم الجمال، و هنا ليس المقصود معالجة المواضيع بكلمات خياليّة أو بعيدة عن الواقع الإنساني، و إنّما المقصود الإضاءة على جوانب الحياة المتعبة بأنوار إيجابيّة فتتضح الرؤية و يسهل التعامل معها. الأدب هو فنّ الغوص في الحياة و الذات الإنسانية.
س "الأدب هو فن الغوص في الحياة و الذات الإنسانية"، كيف تغوص الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" في ذاتها و هل تناصر الكاتب الفرنسي "أندرية جيد" عندما قال "أكبر درجات إثبات المرء لذاته تحدث عندما ينسى المرء ذاته"؟
ج الذّات الإنسانيّة قيمة مقدّسة لأنّ باريها مقدّس، و تستحقّ أن نتأمّلها و نرتقي بها حتّما تبلغ كمالها، نتامّلها لكلّ ما تحمل من تناقضات و إيجابيّات و سلبيّات، و نصدق في قبولها كما هي، ثمّ نجتهد في إعلاء جمالها حتّى يظهر جوهرها الحقيقي المفعم بالمحبة، و الغوص في الذات الإنسانية و الحياة الإنسانيّة ينطلق من شخصنا أولاً. أتأمل ذاتي ثم أنطلق نحو الآخر، و بالتالي إنّ أكبر درجات إثبات المرء لذاته تحدث عندما يتخطّى ذاته و لا يقف عندها و يعتبرها محور العالم. ليس الإنسان مجرّد تركيبة بيولوجيّة و إنّما هو قيمة وجوديّة وجب اكتشافها و السعي لكمالها.
س تقول الأديبة و الشاعرة "مي زيادة" "أول قواعد التهذيب معرفة الواجب، و شرط معرفة الواجب الشعور بالحرية"، هل تعتقدين أن الشعور بالحرية وحده كفيل لبلوغ هذا الشأو خاصة و قد قال السياسي و الزعيم الروحي الهندي "مهاتما غاندي" "الحرية غير ذات قيمة إذا لم تشمل حرية ارتكاب الأخطاء"؟
ج إنّ حرّيّة ارتكاب الأخطاء لا تتناقض مع معرفة الواجب، فمن خلال ارتكاب الأخطاء يختبر الإنسان قيمة الحرّيّة الحقيقيّة الّتي تمكّنه من التّمييز بين الخطأ والصّواب. حرّيّة ارتكاب الخطأ هي غير الفوضى و التّهاون، بل هي الاختبار الإنساني المقرون بمبدأ: ما لم نخطئ لن نتعلّم، وأمّا التّهذيب فهو العنصر أو العامل الّذي يعزز هذه المسؤوليّة فيتبيّن الإنسان صوابيّة الأمور، بالاعتراف بالخبرة الّتي منحه إيّاها ارتكاب الخطأ، و لكن كي نصل إلى الشّعور بالحرّيّة نحتاج إلى التّوجيه، كي لا تتحوّل الحرّيّة إلى فوضى و اضطراب يفقد الإنسان توازنه.
س هل تُعتَبر رؤيتك هذه تأييد لنظرة الشاعر و الروائي البنغالي "طاغور" عندما قال "إذا أغلقتم كل أبواب الأخطاء فإن الحقيقة ستظل خارجا"؟
ج بالتأكيد، بالدّرجة الأولى المسيرة نحو الحقيقة هي مسيرة بحث، و لا يمكن معرفة الحقيقة بشكل بديهي، ولئن كانت بحثاً وتنقيباً واكتشافاً فلا بدّ من سقطات ونجاحات، كما لا بدّ من أخطاء، و الإنسان بطبيعة الحال يخضع للنّقص و إن لم يخطئ لن يصيب، فالخطأ يعلّمه و يؤثّر فيه و يرسخ في ذاكرته، ليست الدّعوة هنا لفعل الخطأ بل لمواجهته بذكاء متى حصل و الاستفادة منه. إنسان لا يخطئ غير قادر على اختبار إنسانيّته و تطويرها و تحسين نموّها. لنكن بشريين و نقتنع أنّ الخطأ جزء من إنسانيّتنا، و كلّما واجهنا الخطأ و أصلحنا نتائجه، وصلنا إلى مرحلة قلّت فيها نسبة الأخطاء بشكل كبير، و متى وصلنا إلى هذه المرحلة فهذا يعني أّننا بدأنا نتلمّس شيئاً من الحقيقة و أمام هذا التّلمّس تنكشف للإنسان نفسه أكثر و كلّما اقترب منها ازداد سعياً إلى الكمال.
س في قوله "صدّق من يبحثون عن الحقيقة و ارتب في من وجدها"، هل تشدّ الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" على يد الكاتب الفرنسي "أندرية جيد"؟
ج من يبحث عن الحقيقة هو شخص يحمل في داخله الكثير من القلق والتّساؤلات و الحيرة، و هو صادق لأنّه لا يضحك على نفسه بقبول حقائق مختلفة متوارثة أو مفروضة عليه، أمّا من وجد الحقيقة ، في حال كان صادقاً فسيظهر ذلك من خلال سلوكه و أعماله دون الحاجة لأن يقول، و أعتقد أنّ من يجد الحقيقة و نادرون جداً من تلمّسونها، يخلد إلى الصّمت و يأسره التّواضع. الحقيقة نور و ما إن نقف أمامها حتى تتبيّن لنا جوانبنا المظلمة و يظهر لنا كم كنّا تعساء و نحن خارج هذه الحقيقة. أصدّق من يبحث عن الحقيقة و أخشع أمام من تلمّسها و أخاف ممن يقول أنّه امتلكها.
شكرا لك الأديبة و الشاعرة "مادونا عسكر" على رحابة قلمك و جميل قولك، شكرا للأديبة و الشاعرة "مي زيادة" لما تركته من روائع الموروث و بديع الحروف، فلن تنطفئ شعلة تحملها نزاهة الكلمة و بلاغة المعنى، شكرا لكفاءة زرعت عقول الأمس، لتزهرّ أفكار اليوم و تثمر آراء الغد.
شكراً لك على محبّتك وعلى هذا الإخراج الإبداعي، و لعلّ " مي زيادة" الحاضرة بروحها و كلمتها تشكرك أيضاً على إعادة نثر عطر حروفها و بهاء كلماتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.