بدأ قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة فى الأيام الأخيرة مرحلة نشاط واسعة شملت إقامة فاعليتان أعتبرهما شخصياً كناقدة من أهم الفاعليات التشكيلية على مدار العامين المنصرمين ، ولعلهما بداية جديدة لموسم ثقافى يسوده الهدوء والبعد عن الصخب السياسى ويتناسب مع ماتمر به البلاد من مرحلة عمل حقيقى تتميز بالتركيز والعمل الجاد لبناء مستقبل أكثر إستقراراً وإبداعاُ وبأقل الإمكانيات المادية نظراً لسوء الأحوال الإقتصادية للبلاد. وقد كانت البداية بصالون النسجيات الأول الذى أقيم بجهود ملحوظة من رئيس القطاع الدكتور صلاح المليجى ومن القوميسير العام للصالون المبدعة الدكتورة سهير عثمان التى تخلص فى عملها من أجل الإرتقاء بأقدم الفنون المصرية. والتى حاولت أن تثبت أن مصر بها فن راقى قد يغفل عنه الكثير من النقاد وأنا منهم وهو فن النسجيات بأنواعها المختلفة والتى خرجت من عباءة النسجيات المرسمة والتقليدية التى تحمل سمات حضارة قرى ومحافظات مصر لتصل إلى التكوينات النسجية الحداثية الجديدة . حيث جاء الصالون الأول ليلقى الضوء على فنون النسيج والطباعة وروادهما من أصحاب التجارب الجديرة بالإشادة من الفنانين المعاصرين فى مجالات تتشابك مع تخصص النسيج ولا تنفصل عنه مثل الجرافيك والتصميمات الفنية والزخرفية. وهذا ما تم إلقاء الضوء عليه فى فيلم تسجيلى طويل (لم ينل حظه أعلامياً ) يروى سيرة هؤلاء الرواد ومشوار صناعة وتطور النسيج فى مصر ، ومراكز صناعته سواء الخاصة أو التى تششرف عليها وزارة الثقافة. وفى هذا حياد يجب الإشاده به. أما ختام الصالون فهو ما يستحق ان نتوقف عنده قليلاً : وهو إقامة عرض أزياء يضم منتجات بعض الورش الفنية التى أقيمت فى تخصص الطباعة بأساليب العقد والربط والباتيك وغيرهما من أساليب الطباعة على المنسوجات ، فالفكرة مبهرة وتتم لأول مرة داخل أروقة وجدران وزارة الثقافة ككل وكذلك قطاع الفنون التشكيلية وهذا شئ محمود ، وقد كان من الواضح أن الهدف منه إيجاد عنصر جذب إعلامى للفاعلية ككل منذ بدايتها وحتى آخر لحظة بها. ولكن بما ان الحدث يتم لأول مرة فى قطاع الفنون التشكيلية كما أشرت من قبل فقد شابه بعض السلبيات أو المعوقات نتيجة لعدم وجود كوادر فنية مدربة على التعامل مع الأحداث والمعارض الدولية من جهة ، و لقيام غير المتخصصين لقيادة هذه الجزئية من المعارض وهى المعارض الدولية ، وأشير هنا إلى - سوء فهم وتقدير المقصود بالمعارض الدولية - حيث أنه من المتعارف للأسف عليه فى مصر أنها المعارض الخارجية التى تعقد خارج حدود الوطن أو التى تضم بين منظميها أو عارضيها أجانب وهذا مفهوم خاطئ فالعالمية مصطلح يضم بين جنباته تفسير واضح وهو خروج المنتج أو الحدث المحلى إلى العالم والإعلام والإعلان عن إقامته وتدشينه ومن ثم يتصف بالعالمية. فوجود حدث أو معرض جديد شديد الخصوصية يحمل ملامح الهوية المصرية يقام لأول مرة على أرض مصر هو حدث دولى فى طوره الأول (مانطلق عليه الدورة التأسيسية) من مهامه أن ينبثق عنه أحداث وفاعليات دولية أخرى تأتى مصاحبة له أو تابعه على حد السواء ، فهو النافذة الأولى التى كانت تستحق التركيز عليها من قبل إدارة المعرض الدولية إعلامياً ودولياً لتسويق الحدث وفتح آفاق جديدة للتعاون والمعارض العالمية وهذا للأسف كان من أهم السلبيات التى شابت هذا الحدث الهام.ولكن تظل الإيجابيات تحلق فى سماءه. وأتمنى أن يبدأ القطاع فى الإعداد فى الدورة الجديدة وتشكيل لجانها فوراُ ومن الآن لطرق الحديد وهو ساخن لرصد السلبيات فى الدوة الحالية ومحاولة تجنبها ، ولإتاحة الفرصة للمجتهدين فى الدورة الحالية أن يستمروا فى جهادهم للدورة الجديدة وتسويق هذا الحدث دولياً. أما الحدث الثانى فهو "الملتقي الدولي الأول للكاريكاتير" ذلك الفن الذى حرك ثورات شعوب ولم يأخذ حقه على المستوى الفنى والأكاديمى. فلجنة مقتنيات الدولة التى شرفت بعضويتها من قبل رفضت إقتناء أعمال الكاريكاتير بحجة أنها ليست من ضمن مقتنيات متحف الفن المصرى الحديث وهذه معلومة خاطئة حيث أنه ومتحف محمد محمود خليل وحرمه يضمان أعمالاً كارياتورية بالفعل. والأجدر بنا فى هذه البداية الجديدة لقطاع الفنون التشكيلية والتى تواكب إفتتاح وتطوير العديد من المتاحف المغلقة والمهملة أن يتم تحصيص قاعة بأحد هذه المتاحف لعرض مسيرة فن الكاريكاتير فى مصر ، بل وإقامة ورش العمل والمعارض الخاصة بهذا الفن ترصد دخوله كبطل أساسى فى عالم التواصل الإجتماعى ووسائل وشبكات التكنولوجيا المتطورة . ولدينا العديد من الكفاءات الشابة التى تستطيع أن تتحمس لهذا المشروع دون مقابل. أن هذا المعرض يُعد من اهم المعارض التى اقيمت فى مصر بعد معرض الكاريكاتير الأخير الذى أقيم عام 1998 ، ويمتاز بمشاركة معظم دول العالم في الملتقي من خلال أعمال تعبر عن مصر وتحمل رسالة سياسية بها قدر من الوعي والثقافة والهوية المصرية ، كما شارك به أجيال مختلفة من المبدعين من جيل الرواد والوسط والشباب من مدارس متنوعة مصرية و اوروبية . حيث شارك فى الملتقي64 دولة ب 500 عملاً فنيا بمشاركة 250 فناناً ، ومن الدول المشاركة الأرجنتين، البرازيل، أوكرانيا، روسيا، أسبانيا، اليونان، إيطاليا، رومانيا، تركيا، الهند، اليابان، الصين، المغرب، الكويت، السعودية، البحرين، الإمارات . أن أختيار النسيج والكاركاتير كمحور لفاعليات جديدة فى المرحلة الحالية هى خطوة هامة وعلامة على طريق الحركة التشكيلية المصرية. وفى النهاية أعتقد أننا فى حاجة ماسة للإشادة بالأعمال الجادة التى تقوم بها وزارة الثقافة فى ظل ظروف إقتصادية عصيبة ليظل الدافع النفسى والمعنوى هو المحرك الأساسى لدفع قافلة الثقافة والإبداع للأمام ومقاومة توقفها ، كما أن ما يكتبه النقاد من شأنه دعم قطاع الفنون التشكيلية لمواصلة التقدم للأمام ومقاومة ضعف الإمكانيات ومواصلة الكفاح.