عندما تصادمت عيناه مع عينيها للمرة الأولى ، بُهت الذي نظر ، وأصابه الوجع ، فقد دخلته الأنثى بعينيها .. لا يدري كم مر من الوقت وهو يبحلق مدهوشاً في هاتين العينين ..انشطر إلى نصفين عندما وجد كل من حوله يبحلق مثله وينظر إلى هذا الجمال القافز من هاتين العينين السوداوين المليحتين الجريئتين الحالمتين الغجريتين المشعتين بالرغبة . نصف لم يستطع مقاومة النظرة ، والنصف الثاني توارى غرقاً في احمرار الخجل . كل من حولها يبحلق في جمالهما . شباك الحجرة أطل بعينين فاجرتين اخترقتا جمالهما الفتان . باب الحجرة نظر بعينين تنطلق منهما الرغبة وقال : - هيت لك . حيطان الحجرة همست برقة دهانها اللامع وهي تأكلهما : - ما أجملهما . سقف الحجرة فضح نفسه وهو يفترش بعينيه عينيها . اللمبة التي تتوسط الحجرة تداعب بضوء عينيها أهداب العينين المشرعتين . المكتب الجالسة قبالته يبصبص عن قرب . أما الكرسي فيشعر بالاختناق وهو مقيد تحتها يريد أن ينطلق ، يقفز ليشاهدهما. حتى الأرض ببلاطها اللامع العاري من الفرش ، أخرجت عيونها من جفونها وراحت تتأمل الجمال القابع فوقها . شعر بالغيظ يأكله ،وهو يهمس لذاته : - لماذا يبحلقون فيها هكذا ؟! ، لماذا كل هذه العيون تحاصرها ، وتنظر -كل حسب وجعه -، من ينظر بشبق ، ومن ينظر بدهشة ، ومن ينظر بإعجاب ، ومن ينظر بحب ، ومن ينظر بوله ، ومن ينظر بعشق ، ومن ينظر ويسبح الله الخالق لهذا الجمال . لكن الكل يبحلق ، الكل نزع برقع الحياء ، ينظر ، يبحلق في عالمهما في أغوارهما ، في سوداهما الفاحم ، واتساعهما الذي يسع الأرض ومن عليها ، وكأن النظرة تخص الجميع ، وكأن العينين الواسعتين الحالمتين ، الغجريتين تنظران للجميع ، يبثان الوجع للجميع ، يطلقان سهام الهوى للجميع ، يدغدغان ببريقهما الجميع . أجال بصره في العيون وجدها سهاماً موجهة لا تعير له اهتماما ، الكل منشغل بالعينين ، لايرى أحد الآخر ، الكل مشغول بما يرى ، حتى المتقابلان لايرى كلاهما الآخر . فالسقف الناظر إلى الأرض لا يشاهد خليلته ، كما كانا من قبل يلتقيان ، يتسامران ، يصافح بعضهما الآخر ، تشكو الأرض وجعها من أفعال من فوقها من عباد الله من بشر وكائنات ، ويشكو السقف من نار الكهرباء في الشتاء وما يحمله على ظهره من أثاث معظمه ديكور لاقيمة له . أما الباب المقابل للشباك والناظر إليه فما عاد يهمه تيار الهواء القادم له من الشباك ولا عاد يزعجه تراب الشارع ، كل في بلواه ، كل في همه ، كله متجه ببصره وبصيرته إلى العينين ذاتا الأهداب المشرعة يغوص في ليلهما البهيم . شعر بالراحة ، وبنشوة تدغدغ جسده ، وبأنه عنتر زمانه ، عندما توغل في نظرتها الواعدة ووجد عينيها مشرعتين تجاهه ، تجاهه فقط ، تبتسمان له وحده ، تمنحانه الحنان وحده ، تخترقانه وحده ، تبثانه شعاعهما وحده ، فقط دون غيره ، فأغمض عينيه في نشوة ، وكأنه غير مصدق ما يدور حوله ، جال ببصره مرة أخرى ، وركز على شعاعهما فوجده مندفعا تجاهه فقط ، صرخ لذاته ، في أعماقه : - إنها تنظر لك ، لك وحدك !!.