تقارب أصوات المرشحين يتصدر المشهد في الدائرة الأولى بالشرقية    مدير تعليم العاصمة في زيارة تفقدية لمدارس إدارة المعادي التعليمية    بمناسبة إطلاقها.. نبذة عن حملة «16 يوم» لمناهضة العنف ضد المرأة    سعر الريال السعودى مقابل الجنيه اليوم الأربعاء 26-11-2025    منصة إلكترونية موحدة للصادرات لتعزيز النفاذ للأسواق العالمية    كامل الوزير يبحث مع وزيري الصناعة والنقل الجزائريين تعزيز التعاون في الصناعة والبنية التحتية    رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة يشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP30 بالبرازيل    «الوطني الفلسطيني» يدين مصادقة الكنيست على قانون شراء الأراضي بالضفة    الاتحاد الأوروبي يستعد لتقديم نص قانوني لإصدار قرض لأوكرانيا ب140 مليار يورو    بعثة بيراميدز تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلى زامبيا    موعد مباراة الأهلي والجيش الملكي والقنوات الناقلة في دوري أبطال إفريقيا 2025-2026    بدء تلقى الطعون على نتائج 73 دائرة ب13 محافظة بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    تأجيل محاكمة قاتل زميله بالمنشار إلى جلسة 2 ديسمبر    المؤبد لمتهمين بقتل شخص وإصابة 3 آخرين لخلافات على حد فاصل بقنا    منها «وننسى اللي كان».. مسلسلات رمضان 2026 في بلاتوهات التصوير    الناقد الذي كان يشبه الكلمة... وداعًا محمد عبد المطلب    شراكات حكومية واسعة في الملتقى الصحي السادس لتعزيز الاستدامة    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    البرهان: لا سلام في السودان إلا بتفكيك ميليشيا الدعم السريع    بعد انتشارها بين الناس، الأطباء يكشفون سر سلالة الإنفلونزا الجديدة ويحذرون من حقن الموت    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    «الإدارية العليا» تنظر 3 طعون جديدة على نتيجة المرحلة الأولى بانتخابات النواب    محافظ أسيوط يتفقد كليات جامعة سفنكس ويشيد بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    رئيس جامعة قناة السويس: قريبًا افتتاح مركز العلاج الطبيعي والتأهيل بكلية العلاج الطبيعي    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    وزير الخارجية من لبنان: المنطقة على شفا التصعيد.. ونتواصل مع جميع الأطراف دون استثناء    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    قرارات عاجلة من النيابة فى واقعة ضبط طن حشيش فى الرمل بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 23 درجة مئوية    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    قوات الاحتلال تفرض حظرًا للتجوال وحصارًا شاملًا على محافظة طوباس    شعبة الجلود بالقاهرة تبحث التعاون مع العربي للصناعات الجلدية بتركيا    رضا البحراوي يكشف حقيقة وفاة والدته    انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان المسرح بشرم الشيخ    حزب النور في المقدمة.. نتائج الحصر العددي الأولي عن الدائرة الأولى فردي بكفر الشيخ    قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    الرعاية الصحية تطلق الملتقى السنوي السادس تحت شعار "نرتقي للعالمية"    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    مقتل 8 أشخاص في إندونيسيا بفيضانات وانزلاقات تربة    حماية الثروة الحيوانية    موعد امتحان نصف العام لصفوف النقل وضوابط وضع الأسئلة    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار على البحر الأحمر وشمال سيناء    .. اديهم فرصة واصبر    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    الأمن يفحص منشور بتحرش سائق بطفلة بمدرسة خاصة في التجمع    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إندو ماندو.. لأن الإنسان يوجد في ماضيه ولا يعيش إلا بالذاكرة
نشر في الدستور الأصلي يوم 04 - 06 - 2010

بعض القضايا المهمة تفقد تعاطف البعض معها بسبب نشاز الصوت العالي الذي يدافع عنها، فيما تستطيع بعض السطور الناعمة والتفاصيل الإنسانية الرائقة، أن تجذب لذات القضية آلاف المتعاطفين والمريدين، قد ينطبق ذلك علي تهجير أهالي النوبة في الستينيات وقد لا ينطبق، لكن في كل الأحوال فإن صفحات المجموعة القصصية «إندو ماندو» للكاتب «يحيي مختار» تعيد بناء قري النوبة التي ابتلعها النيل من الذاكرة فتبدو متجسدة واضحة للقارئ الذي حتما بعد أن ينتهي من قراءة المجموعة أن ينتبه إلي أن الموضوع ليس مجرد بيوت وغرقت فحسب، وإنما أحلام وطموحات وأفراح وأحزان وذكريات صارت مدفونة في طين النيل وطميه.
لا يزيد عدد القصص في «إندو ماندو» علي أربع قصص فحسب، وتستوحذ القصة التي تحمل المجموعة اسمها علي أكثر من ثلثي عدد الصفحات تقريبًا، وفيها يعود المؤلف بصحبة أبطاله «يوسف» و«مريم» إلي قريتهم الأم بالنوبة «الجنينة والشباك» ليروا بعضًا من الحكايات التي ابتلعها النيل عام 1963 بعد التعلية الثانية لخزان أسوان وما استتبعه ذلك من تهجير لأهالي عدد من قري النوبة، وهي لحظة مفصلية وشديدة التأثير في تاريخ كل الأهالي النوبة. الحبيبان «يوسف» و«مريم» اختارا إحدي قري القليوبية، «القلج» أو «الألج» كما ينطقها أهلها، لتكون الوطن البديل لقريتهم النوبية «الجنينة والشباك» - لاحظ شاعرية وجمال اسم القرية الذي اندثر مع اندثارها-، يوسف روائي، ومريم ترسم لوحات، والأخيرة قررت أن تصنع من بيت الزوجية المنتظر دارًا نوبية من الداخل والخارج «نقشت الجدران ورسمت الجداريات التي اعتادت عليها منذ نعومة أظافرها هناك في دور القرية، وزينت أطر النوافذ والأبواب بالألوان الزاهية، وألصقت في واجهة الدار أطباق الصيني لتضوي تحت أشعة الشمس.. كما حرصت أن تكون «العنجريبات» بدلا من الأسرة، ووضعت عليها المراتب والفرش الحديثة.. «العليقات» في أسقف الغرف، الأبراش و«الكونتي» و«الكرج» وكل المشغولات التي صنعتها من سعف النخيل».
وكغيرهما من أهالي القرية التي تودع الحياة، قرر «يوسف» و«مريم» أن يكون حفل زفافهما في «الجنينة والشباك» والسبب في ذلك منطقي جدا «زفافهما هناك تبرك بتلك الأرض الطيبة.. أرض الوطن حاضن بذرة وجودهما، ولتكون ليلتهما بين عشرات ليالي الزفاف التي سيقيمها مثلهما العائدون للوداع، طعم الفرح في القرية غيره في أي من مدن المهجر في الشمال.. «الأراجيب» وخبطات الأكف وضربات «الطار» الموقعة.. الذبائح والأغاني بإيقاعاتها، أصوات المطربين «الشار» التي تترنم بأشهر الأغاني لترقص الفتيات والفتيان في صفوف متراصة مهتزة.. ليلة «الزرافة» حيث التباري في تقديم النقوط.. ليلة الحنة.. القرية كلها عن بكرة أبيها ترقص حتي الصباح.. ليالي متصلة.. زفة إثر زفة مضخمة بعطر «بنت السودان» و«المحلبية».. شجو الوداع الأخير كأنه لا وداع».
علي أن الوجع كله يتجسد في تلك السطور التي يصف فيها المؤلف ببراعة القرية في أيامها الأخيرة «عيناهما تجاوزت الحشد ناظرين للدور التي تقف خاوية كاسفة وحزينة.. فاغرة الأفواه.. نزعت شبابيكها وخلعت أبوابها ونزعت أسقفها.. بدت كأنما تصيح طلبًا للنجدة.. اغرورقت عيناهما بالدموع.. وهبطت عيناهما للحشد.. لا أحد منهم يحمل قصعات الحليب كالمعتاد ولا أطباق «الكونتي» المليئة بالتمر ليستقبلوا بها العائدين كما هي العادة.. هبط يوسف علي السقالة.. وعند دنوه من ماء النهر انحني وأخذ حفنة بكفه من الماء وشربها وغسل وجهه.. كان ماء النيل بديلاً لجرعات الحليب».
لكن حتي انتقالهما إلي «الألج» في بيتهم «النوبي» لن يجعلهم ينسون «الجنينة والشباك»، خاصة مع التحول الذي طال القرية وجعلها أقرب إلي طرف من أطراف القاهرة فدبت فيها العشوائية، يقرر الحبيبان الزوجان الانتقال إلي قرية أخري.. ما تكون لا يعرفان، لكنهما قبل الرحيل تنظم «مريم» معرضًا يستعرض قبسًا من روح النوبة وتسميه «إندو ماندو».. أي هناك وهناك بلهجتهم النوبية التي يحاولون الحفاظ عليها حتي لا تلحق بمصير بيوتهم في قاع النهر، متشبثون بذكرياتهم هناك ذلك لأن «كل إنسان يوجد في ماضيه.. الإنسان يعيش بالذاكرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.