«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن الحرف وصناعة الكلمة في الإسلوب الأدبي
نشر في شموس يوم 20 - 10 - 2013

، وجماع شتات ألفاظ اللغة العربية لتكوّن نصًا أدبيًا ممتعًا... يعلم الشعور والحواس....للشاعرة/ نعيمة خليفي وقصيدة : تجليك.... سطر هواي
تجليك .. سطر هواي
سأنتظرك سطرا يمشي كأقدام الشارع على ورقي
سأقتفيك ظلا لا تنازعه رياح الشك .. بأنك الأوحد في طريقي
رابض في دفاتري ,كموج البحر
ومخالبك مرشوقة على الصفحات...كحوافر الوقت لا تبرحني
سأقتفيك عطرا لا تخطئه فوضى الحواس ..بين كرنفال العطور
كيف تخطئه و أنت السادر في ارتجافة أرجوان الوتين ؟
كلما اهتاجت ريح الذكرى يزداد يقيني
أنك هناك في وميض ضباب المطر
أنك هناك..في لغة سعف النخل أتسمعك صوتا بلا ملامح
رغم أنك تتشاهق كالأبراج
وقطاف المستحيل يرصدك
أنت هناك ..شبيه بالرسومات ..في زعفران المحو
و أنت خارج الفصول أجابهك
معلنة للتخوم أنك لا شيء و لا شيء يشبهك !!؟
إن يستحيل تجليك ..أقيم قداسا لشهادة الغياب ,,إد يمجدك
في عدالة الاحتفال اعتبار توسمك بطبيعة الطير
وأمجدك اكثر حين يحل المساء
:لا تهزمني غير غرابتك القصوى في صمتك الكثيف
يهزم الوقت
فتهزم كل أشيائي
بداية أراني مدفوعًا من داخلي أن أتكلم عن النقد الأدبي وتعريفه بأبسط صورة له، لا لكي أعرف القارئ المحترم العزيز ما يجهله عن هذا العلم، ولكن لاحترامي له.. وهذا الاحترام يجعلني أدرك أنه حقه عليّ.. أن يعرفني جيدًا، ويعرف أن ما أكتبه هنا ينتمي وصاحبه للنقد الأدبي، وأني ليس جاهلا لهذا العلم، ولا أمتلكه كله حتى أتصوّر نفسي أني فريدًا في هذا المجال، وكما تعلمنا ممن أصّله الكتابة الأدبية وفنيتها، مثل ابن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب) تعلمنا أن لكل مقامٍ مقال، ولكل مناسبة قول يليق بها.. لا أكثر ولا نقصان.
أما أننا نجمتع هنا في محفل عالم الفيس بوك السريع الإيقاع، وجبر الجميع ممن يتعاملون معه على السرعة، ولا يطيق أغلبهم أن يقرأ موضوعًا يحوي أكثر من صفحة، فتعلمنا أن نتعامل مع الجميع ونخاطبهم على قدر طاقتهم والحالة النفسبة والسلوكية التي تتلبسهم على الفيس، وهذا أيضًا مما تعلمناه من الأدب، وحتى لا أطيل عليكم وأنا مجبور على هذه الإطالة لمناسبتها، فأنا لم أقل يومًا أني درست علم النقد، ومازلت، ولا يهمني، ولا يهم كل لبيب يستعمل عقله في كل أمر، وأعتقد أنه لا يهمكم أيضًا أن يقول أحد أنه حاصل على الدكتوراه في كذا وشهادات كذا حتى نجبر على الإيمان بكلامه، والأخذ برأيه، ولكن ما يهم المتلقي ما أنتجته هذه الشهادات والدراسات من علم نافع، أي ما أكتبه هو الحكم الوحيد على ما أكتب.. بعد دراسة ظروفه، ومناسبته، فكل العلوم الإنسانية والأدبية هي اجتهادات بشرية متطورة، وما زالت.
تعريف النقد في اللغة : تمييز الأشياء من حيث جيدها من رديئها، والنقد في النثر والشعر هو أن أظهر ما فيه من عيبٍ أو حُسن.
وفي النقد الأدبي الحديث نشأت طرق ومذاهب كثيرة لتفكيك النص الأدبي وتحليله، حتى نضع أيدينا على الرديء فيه والحسن.
أما هذه القصيدة التي نحن بصددها الآن.. لا طاقة لي ولا للمتلقي أن أنقدها نقدًا علميًا معمقًا، ولم يتح لي ذلك على الفيس بظروفه، ورغم ذلك سيشتمل ما أكتبه عن هذه القصيدة على نقدٍ لها مفيد للمتعلم والمتذوّق، وسأتناولها من خلال مذهب نقدي يعنى بالشكل والمضمون، وكما قرر النقاد الروس الذين آثروا هذا المذهب النقدي.. أن مذهب النقد الشكلي يركز على البنيوية الداخلية للعناصر الأدبية المكوّنة للنص الأدبي، وتأثيرها على السامعين.
أي عندما أتناول عناصر النص الأدبي وهي : الأفكار، والألفاظ، والعواطف، والأخيلة، والموسيقى، والصور البلاغية من تشبيه، ومجاز، وكناية، فنجمع لها الإجابيات والسلبيات، ولكني سأجملها كلها في (سندوتش) سريع يفيد ولا يخل للمهمة، بأسلوب يخصني أنا (أي أني لا أتكلم عن كل عنصر بالتفصيل تحت بند يخصه على حدى) وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا لإفادة مايريد أن يستفيد، ولكني لا أفيد، ولا أرضي أبدًا ماحاولت ولا استطعت، كل من يقرأ كي يتصيّد الأخطاء.
نعيمة خليفي... شاعرة من طراز حساس دقيق تتغنى في الوجود وتتغنى به، كما تتألم معه وتؤلمه، وتعيش في قصائدها كما الفراشة الحرة الفطرية... تهبط ما تشاء لتمتص كل أنواع الرحيق من كل زهور الدنيا لتستخرجه عسلا شافيا نقيا على كلمات قصائدها، أرى الشاعر بداخلها يقرض بحرية المجنون بلا ضابط، وهذا جنون الإبداع... أي أنه جنون به خصوصية الإتزان، فعندما تقرض لنا قصيدة بعنوان / تجليك.... سطر هواي، أي أنها ومن أول لحظة تقول للمتلقي : قف... قف عندي للحظات من فضلك، فأنا سأعلمك فن الحكي والسرد، وسأنشيك.
هنا العنوان يشير على أنها تتكلم عن حالة عشق خاصة جدًا لعشيق يحتلها، ولا تستطيع أن تعثر عليه، ولا أن تحتويه بالشكل المادي الملموس.
تجليك.... سطر هواي، فهنا تجسد التجلي للمحبوب على سطر هواها، كما أنها جسدت هواه الذي ظل بداخلها لا يبرحه، وجعلها على هذه الحالة التي بدت في القصيدة، وكأنه سطر من صفحات كتابها في الحياة، وليس لقلة الحب، ولكن لمقدار حبه الهائل الكبير، وعشقها به الذي لا يتحمله كتاب حياتها، ولِما لا وقد قال سيدنا جبريل لرسولنا الكريم محمد عليه أفصل الصلاة وأزكى السلام، في رحلة الإسراء والمعراج عندما عرجا عند سدرة المنتهى قال له : إلى هنا ينتهي دوري، إن شرعت في التقدم احترقت، وهي أيضا ستحترق وستتلاشى لو احتل منها أكثر، هذا هو العنوان الذي به نادت على المتلقي.
(سأنتظرك سطرا يمشي كأقدام الشارع على ورقي)
صوّرتِ حالة فراق ووحشة من حبيبة لحبيبها في أروع صورة للفقد والعشق الدائم رغم الهجر، فهو موجود بداخلها وطرح على كل ماتراه عيناها من جماليات التعبير في كونها حتى نرى الشاعرة تقول في اصرار الحبيبة على عودة الحبيب : سأنتظرك سطرا يمشي كأقدام الشارع على ورقي، هذه الصورة البطل (الماستر سين) الكلية المفروضة على أوراقها، عندما شخصت الشارع به كإنسان يمشي على ورقها، وتشبيه من تشبيه به جمال آخر وهي تصوره كأقدام الشارع، وهنا صورت خطوط الشارع الطويلة الممتدة كلها كلها كأقدام غير منتهية باقية، صورة بها قدرة متميزة من شاعرة ابتلعت الكون كله وأخرجته شعرا، ترجمت كل برعم في الحياة بمزيج ثقافاتها الخاصة وإحساسها الشاعر الفريد حتى رأت الكون كله بعينيها الخاصة بمذاق الشاعر بداخلها.
(سأقتفيك ظلا لا تنازعه رياح الشك بأنك الأوحد في طريقي).
(سأقتفيك) بدأ الفعل المضارع أيضًا بحرف السين لتعين الفعل المضارع على الإستقبال والتتبع.
(أقتفي) الأثر. تشخيص الظل على أنه إنسان (هو الحبيب) تقتفي أثره في طريق حياتها، وهو الأوحدفي هذا الطريق.. لا غيره، لا تنازعه رياح الشك.. وسر جمالها مافيها من تشخيص... تصوير جميل للملهوف لإستحضار غائب في ذكراه من خلال أثره المتشخص في الظل الذي تقتفيه، وكناية (إقتفاء الإثر باقتفاء الظل) كناية أقوى تعبيرًا... إستبدال أثر الأقدام بالظل أعطت إنسجامًا وضحته الشاعرة في المقطع الأول من خلال الصورة البديعية وهي تشخصه كإنسان يمشي على أوراقها كأقدام الشارع... أي على مشوار حياتها. متمثلة في المقطع الثاني بظل الإنسان استعارة مكنية الذي يلازمها ويمشي معها في هذا الطريق... مشوار الحياة...
(رابضٌ في دفاتري) رابض قائم.. لاصق كالأسد على فريسته وقع عليها وتمكن منها، جسدت الدفاتر بالفريسة، تشبيه يوحي بالقوة والبقاء والصمود، والدفاتر هنا تعنيها هي، ووقائع حياتها وتفاصيلها وأسرارها وهو رابض عليها... اقتنصها لا يبرحها.
(كموج البحر) أي مقيم ثابت بداخلها، كالبحر يلازمه الموج بصوره.. الصخب، القوة، العنفوان، والصد، والهجوم. تشبيه يشير على الرومانسية والعاطفية، يحدث مفارقة لها تحليلها المتأني، عندما قالت لفظ رابض كالأسد وهو يقبض على الفريسة ثم كموج البحر.. رغم أن الاثنين بهما قوة تختلف في شكلها غير أن البحر وموجه بما فيه من صخب وعنفوان غير أنه يؤثر في عاطفتنا، ويحيلنا إلى الرومانسية التي هي مكوّن رئيسي في العلاقة العشقية الوجدانية التي يتكلم عنها النص.
(ومخالبك مرشوقة على الصفحات) جسدت الوقت بحوافره بالحيوان المفترس صورة بديعية فيها الكلية والشمول... مستحوذة، تواصل تجسيدها بالمخالب المرشوقة على الصفحات.. على الثياب.. على الجسد.
(كحوافر الوقت لا تبرحني) وهنا شبهت الوقت بالوحش بحوافره، وقبلا شبهته بالحيوان المفترس بمخالبه، وهنا استبدلت المخالب بالحوافر، لأن كل منهما له فعل وأثر، فالمخالب ترشق وتنهش فتليق بالصفحات المشبهة بالثياب والجسد، أما الحوافر فهي تدق وترسم وتختم تنقش.. معنية بالأثر واقتفاءه ودليله على الجسد والحياة (حياتها) المرصعان بها...
وتجسيد الحوافر بالوقت صورت الوقت بالحيوان الثقيل ذات الحوافر الراسخة الثابتة كأنها توشم جسد الأرض وتختمه ختمها.
هي في الأصل معنية بالوقت وبرزت معاناتها معه ومدى شقائها بجملة سريعة من كلمتين (حوافر الوقت) الوقت الذي أصابه المرض العضال المزمن (قصة عشقه لها).. حبه أصاب الوقت وأمرضه لا يبرح ولا يبرحها.
(سأقتفيك عطرًا لا تخطئه فوضى الحواس) كلمة فوضى هنا بارعة خارقة هي لفظ في كون اللغة العربية ليس له أثرًا ولا وزنًا معينًا بأهميته المفردة... لفظ يكاد يكون مهلك في استعماله، ولكن عندما أردفت خلفه لفظ آخر (الحواس)، فأصبحت جملة مثيرة مرعبة لها وزن وتأثير حقيقي.
بدأت أيضًا المقطع بحرف السين قبل الفعل المضارع للتنوع في الإستقبال، وهي تدور وتلف وتبحث وتقتفي أثره في كونها وعالمها، وبعينيها الخاصة عندما تقول : سأقتفيك عطرًا لا تخطئه فوضى الحواس، وهنا عودة لكلمة فوضى وإكسابها القدرة والقوة والدلالة داخل المقطع، والمؤثر العاطفي لدى المتلقي.
فالنظر إلى الحواس نراها قد تخطئ أحيانًا... بقصد عدم التركيز لقلة الأهمية أو أن المشموم ليس له أثرًا أو بحجة الإستلذاذ في الشم فنتعمد الخطأ لنطيل عملية الشم لتبقى وقتًا أطول، ولكن عندما تكون في محفل عطور (كرنفال) هنا تتفاعل كل حواسنا مع حاسة الشم، وتتطاير كطيور متعددة حبست كلها في قفص واحد فتخرج دفعة واحدة فجأة تتخبط في فوضى..
ها أنا أقتفي أثرك مرة أخرى أقتفيك عطرًا هذا الفعل (اقتفى) استندت عليه الشاعرة إستنادًا بارعًا لتمطّه وتعدده، وتعطيه صورًا جديدة في اقتفاء أثر الحبيب (اقتفيك ظلا وليس خطوات) ( اقتفيك عطرًا وليس خطوات) بإمكانها أن تقعد على هذا الفعل مئة اقتفيك، وكل مرة بتنويع جديد وصورة جديدة حتى تؤكد على حالة المحبوبة وتأكيد وصولها للمتلقي.
اقتفيك عطرًا تؤكد على أن المحبوبة لا تشم رائحة حبيبها المميزة المعهودة التي تدل على وجوده الحقيقي، ولكن وجوده في داخلها يصنعه .. يجعل حاسة الشم عندها خبيرة في معملها الكيميائي لإستحضاره (أي استحضار عطره) وكأنها تستطيع أن تدخل كل هذه العطور الأقل من عطره في معادلات كيميائية في معملها لتقتفي عطره، وتحصل عليه في هذا الكرنفال...
وهنا فوضى الحواس أن تضع حاسة الشم في فوضى... عطر غريب على آخر أغرب منه. كما تتعجل حاسة النظر في البحث عنه، وحاسة اللمس للمس عشوائي لآخر لتجده فيه، والسمع تتسمعه في عشوائية التشوش، وتتذوق الأنفاس والكلمات لإستحضاره.. كل يتسابق في عجل وغوغائية فتسمى فوضى الحواس في كرنفال عطور، لأن كل الحواس سوف لا تخطئ وتعمل على تغيير ايدلوجيتها لتتحول إلى حاسة واحدة.. حاسة الشم وتحول كل مافيه وكل ما هناك إلى عطر تتشممه مرغمة مستلذة.
بين كرنفال احتفال : هنا (بين) أخلّت المعنى، لأن الحبيب لو كان موجودا وجود حقيقي في هذا الكرنفال كانت سوف تعثر عليه مختبئًا بين بين، ولكن كان الأجدر أن تستخدم حرف في.. (في كرنفال عطور)، في.. هنا لاتدل على أنه موجود بذاته، ولكنه متناثر فيهم جميعا وهي سوف تقتفي أثره وتستحضره.
(كيف تخطئه وأنت السادر في إرتجافة أرجوان الوتين؟)
هذا المقطع أعترض عليه اعتراضًا كاملًا، لقد خان الشاعرة جني الشعر، وجعل يقرض على لسانها طلاسم في اللغة غير قابلة للفهم، وتفتقد المعنى الواضح، فالسادر آتية من سَدَرَوسَدِرَ: أي تحيّر بصره من شدة الحر، ولم يهتم ولا يبالي ما صنع، فهو سادِر أي تكلم سادِرًا غير متثبت في كلامه، والأرجوان عنصر غازي عديم اللون والرائحة يستخدم عادة في ملء المصابيح الكهربائية، والوتين هو الشريان الرئيسي الذي يغذي الجسم بالدم النقي الخارج من القلب، فلهذا لم أصل للمعنى الذي تود أن تقوله الشاعرة في هذا المقطع، ربما أرادت أن تقول : كيف وأنت الثابت ثبوت اليقين في ارتجافة (رعشة) الأرجوان في مصباح شريان القلب الجاري في الجسم، ولكنها لم تقل شيئًا.
(كلي اهتاجت ريح الذكرى... يزداد يقيني أنك هناك.. في وميض ضباب المطر).
اهتاجت تصريف هذا اللفظ على هذا الوزن أعطى حركة وقوة واستمرار، والإستمرار أتى لفعل الهياج في الجسد والحواس،وأكدته بلفظ (كلي) تأكيد لفظي، كلي اهتاجت واشتعلت بالهياج، واحترقت بريح الذكرى... لم تقل رياح، لأن الرياح تأتي بتباشير الخير، بينما الريح تأتي بنذير الشر ، كما في (ريح صرصر) فريح الذكرى التي هبت عليها قدمت الخبر (اهتاجت) قبل المبتدأ للترويع والهول ، وأكدته بلفظ (كلي) للشدة والتواصل، فسيحضر الذهن باليقين أنك هناك... أين؟... أين؟...يالروعة والتجديد في تركيبات ألفاظ اللغة، في وميض ضباب المطر...يا الله. الوميض والضباب واجتماعهما على معزول غريب آخر لا يمس صفة كل منهما وروحه وهو المطر.
سنرى كيف خلقت الشاعرة هذه الصورة البلاغية البديعية؟ وهي تصور لنا الوميض اللمعان الخفيف كأسلاك البرق الخفيفة السريعة كي تتماثل مع غزلها لخيوط ماء المطر في حالة الإشتعال والحريق من الهياج، وريح الذكرى التي تسببت في صنع ذلك مع ضباب السحاب الخفيف كالدخان...
إذن هي صورة حالة مكتملة أجادت بإتقان في تصويرها.
(أنك هناك... في لغة سعف النخل أتسمعك صوتًا بلا ملامح.
رغم أنك تتشاهق كالأبراج وقطاف المستحيل يرصدك.
أنت هناك... شبيه بالرسومات في زعفران المحو).
تصور الشاعرة هنا روح المحبوبة هائمة في الكون.. مجنونة بيقين رؤية الحبيب في كل شيء من حولها، فهي تؤكد أنه هناك في لغة سعف النخل... تصور سعف النخل وعزفه وضرب ريشه في بعضه واحتكاكه على أنه لغة تمثل صوته في أذن المحبوبة... تصوير بديع ... بلا ملامح ... فقط صوتك، وذكر لفظ ملامح هنا يشير بعدم استخراج كلام يقيني مفهوم.. فقط صوت يدل عليه، والصورة بها موسيقى عالية الإيقاع، وكم هي تطرب .
(رغم) هنا غير مفيدة على الإطلاق، فهي تعلن وجوده هناك شاهقًا كالأبراج في علو يستحيل قطفك، وتحويل فعل يستحيل لاسم به قوة للتعظيم وتجميع كل الاستحالة أي المستحيل كله مضافًا إلى قطاف .. اسم من فعل (قطف) وهي مستمرة على هذه الحالة... اشتقاق الأسماء من الأفعال لتعطيها درجات متعددة في التأويل لتحولها لمعاني مؤثرة جديدة...يعجز قطاف المستحيل حتى أن يرصدك هناك.
(أنت هناك... شبيه بالرسومات في زعفران المحو)
أعترض على هذا المقطع... خانك فيه التعبير، ما معنى زعفران المحو؟ وماذا تعني بشبيه بالرسومات في زعفران المحو؟ لامعنى...
الزعفران هو نبات بصلي من الفصيلة السوسانية، ومنه نوع طبي صبغي مشهور، فما هو المعنى الموحي في هذا المقطع؟
(وأنت خارج الفصول أجابهك... معلنة للتخوّم أنك لا شيء ولا شيء يشبهك).
وهذا أيضًا بالغتي فيه حتى انكسر المعنى وضاع.
(إن) هنا جميلة جدًا.. إن يستحيل تجليك. استحضارك، وهذا محال بعد كل هذا أن يستحيل تجليك، إن يستحيل في ذات مرة أو في ذات لحظة تجليك عليّ بعد إدراكِ أنك غير موجود... أنك تلاشيت.. أن احترقت صور ذكرياتك... وحوافرك... ومخالبك.. وعطرك... وروحك في سعف النخل والكون.. أن استفيق منك ذات يوم... سأقيم
(أقيم لك قداسًا بشهادة وفاة.. شهادة غياب.. إذ يمجدك في عدالة الإحتفال بتوسمك طبيعة الطير المهاجر المفارق).
(وأمجدك أكثر حتى يحل المساء) هذا المقطع زائد ليس له ضرورة.
(وأخيرًا أدركت أن لا يهزمني غير غربتك القصوى).
غربتك.. أدركت أن الغربة شيء أساسي فيك طبيعي، فهي فقط التي هزمتني وصمتك الكثيف..
فنراها هنا جمعت جمعًا جديدًا للقصوى مع الغربة أعطتها شدة من القصوى ولا مبالاة تفسر الطبيعة، وأيضًا الكثافة مع الصمت.. غزل بديع، الكثافة هنا مدتها بمدى لا ينتهي لا يشف ولا يرق ولا يفنى ذلك الصمت الأبدي المماثل أيضًا للطبيعة.
(يهزمني الوقت فتنهزم كل أشيائي).
يهزمني الوقت لا تبرحني فتنهزم كل أشيائي.. كل كل أشيائي التي عانيت في تصويرها خلال القصيدة حتى وصلت بأشيائي هذه..
أن كلها هي سوف تنهزم وكأنه إعلان ختامي مروع أنها سلّمت، وأستلمت بالهزيمة لأنها كانت لا تدرك، بأنه هلامي خيالي خرافي بطبيعة الطير المهاجر المفارق في غربته وصمته الكثيف..
أكثر من رائعة نعيمة خليفي... شاعرة ملهمة من الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.