في آخر نشاط للجناح التونسي ضيف الشرف قبل انتهاء فعاليات معرض الكتاب أقيمت اليوم ندوة بعنوان "حول أدب السجون" قدمتها رشا التونسي، وشارك فيها سمير ساسي من تونس وسلوى بكر من مصر، دارت محاورها حول سجون النظام السابق وتجربة السجن السياسي والمؤلفات التي كتبت عن السجون وفيها، وقد حضر الندوة عدد كبير من الجمهور إلى جانب النوري عبيد رئيس اتحاد الناشرين التونسيين ود.خالد النامي مساعد الملحق الثقافي للمملكة العربية السعودية. بدأت الكاتبة رشأ التونسي بالتقديم لسمير ساسي صاحب رواية خيوط الظلام ومجموعة قصصية بعنوان سهر في ذاكرة المدينة، قالت إنه قضى 10سنوات سجنًا على خلفية اشتراكه بنشاط طلابي وقت دراسته بالجامعة بتهمة الانتماء لجمعية غير مرشح لها وكان وقتها ضمن الفصيل الطلابي التابع لجمعية النهضة، وأضافت أن روايته عن السجون اعتمدت الرواية بشكل سردي قديم يعتمد على تقسيم النص إلى أبواب ويستلهم نصوصًا فقهية، تفضح روايته سجون تونس زمن حكم بن علي ووصف أصناف التعذيببها. ثم تحدث سمير ساسي عن جزئين رئيسيين أولهما عن التجربة والثاني عن مستقبل أدب السجون وهل مازال من الممكن أن يكتب أديب حول السجن أم أن ذلك المعنى استهلك ولم يعد هناك بد من تكراره. عن تجربته حكى سمير ساسي قال: انطلقت التجربة حين ظهر بن علي على حقيقته ومارس الاستبداد في فترة التسعينات وتعرض كثير من الناشطين والمثقفين إلى جلادين وبوليس سياسي، وكنت ممن شملتهم المحنة 10سنوات متتالية،أتيحت لي عدة حلول متاحة أحدها الرضى بما يعرضه الجلاد،أو الصبر، والصبر نوعان سلبي وإيجابي، وأضاف قد اخترت الصبر الإيجابي وأملت أن أحوله إلى صبر جميل، فالانتقال من مرحلة المقاومة السلبية إلى الإبداع الجمالي يرقى بمرحلة الصبر إلى مقاومة خلاقة. وأضاف إن الشعب التونسي وغيره قد أظهر من الأنظمة الظالمة أسرار ما كان يقع خلف القضبان، حاولت أن أرسم الصبر بالشعر ولكن ضاقت بي القصائد عن الوصف من شدة الهول فكانت الرواية هي الخيار الأمثل لوصف ما رأينا من أهوال.. ثم تحدث عن بطل روايتهساكن الزنزانة الداخلية وملامح شخصيته. الجزء الآخر تحدث فيه سمير ساسي عن أدب السجون هل مازال له معنى؟ وأضاف إن ذلك هو دور النقاد غير أن الأديب يتساءل.. على مسئوليتهيقع كشف الحقيقة وبقلمه يكتبها، وأضاف أن على الأديب ومن عايشوا تجربة السجون أن يكتبوا لتكريس ثقافة الحرية والتعايش والمواطنة حتى لا يتكرر ذلك القمع من السلطة الظالمة. بعد ذلك تحدثت سلوى بكرالأديبة والروائية الناشطة عن ظاهرة أدب السجون التي كانت ومازالت تسيل الكثير من الحبر، قالت إن الكتابة عن السجون هي ظاهرة أدبية قديمة،فطالما وجد القهر الإنساني وجد الاستعباد،ونحن إزاء ظاهرة أدبية لها وجود منذ زمن طويل فأول ذكر لسجن كان في القرآن وهو سجن سيدنا يوسف عليه السلام الذي ظل موجودًا فيالذاكرة التاريخية، وأخذ عنه المقريزي قال في ذكرسجن يوسف إنه يقع في منف البدرشين جيزة وكان يجرى احتفال سنوي هناك يحتفل الناس بالذكرى ويجود عليهم بما يقيم الاحتفال، أما خلال العصر المملوكي فقد كان هناك سجن خزانة البنوك والمقشرة. وأضافت أن أول من كتب عن أدب السجون في مصر هو محمد شكري الخرباوي وكان كتابه بعنوان 55يوم في مخبأ، فقد كان ضمن مجموعة ممن حاولوا اغتيال السلطان حسين، فلما فشل الاغتيال هرب واختبأ هذه الفترة وكتب عنها، وهي على اختلافها عن السجن إلا أنها عندما كتبها ظهرت مثيرة إلى حد كبير. كما ذكرت أن معظم كبار الكتاب بمصر قد زج بهم إلى السجون، فقد سجن العقاد بتهمة سب الذات الملكية، وفي فترة الناصرية دخل أكثر الأدباء المصريون السجون وكتب كثير منهم عن تجربه السجن مثل صنع الله إبراهيم في "تلك الرائحة"، ومحمد البساطي ومجموعته "الطابق الثالث"، كما توجد أدبيات أخرى تتعلق بالسجون قد كتبها مناضلون مثل فخري لبيب "عريان بين الذئاب" عن تجربته في سجن الواحات، وغيرها، وقد وجد هذا التراث بفعل القمع والإهاب والسطوة السياسية. وعن تجربتها حكت د. سلوى أنها كانت في عام1989 ممن شاء القدر أن تكون ضمن من يكتب عن أدب السجون بعد تعرضها للاعتقال ضمن مجموعة من اليسارين والمثقفين والصحفيين بتهمة محاولة قلب نظام الحكم واتهامهم بتحريض العمال فيإضراب عمال الحديد والصلب، وهذا لم يحدث ولكن المباحث كانت تعد ملفات عن كل من شارك في مظاهرات طلابية في الجامعة قبلها بسنوات طويلة فأصدرت قرار الاعتقال الذي ظهرت فيه أسماء أشخاص هاجروا منذ سنوات خارج البلاد أو وافتهم المنية، وأضافت قائلة: ذهبت إلى سجن القناطر وهو سجن شهير للنساء وبه عدد كبير، كنت سجينة سياسية فانتهت التجربة على نحو جيد خاصة أنني لم أسجن سوى خمسة عشر يومًا، معاملة السجانين والسجناء للسياسيين تبدو أفضل من غيرهم، فقد كنت بمفردي في الزنزانة فأشفقت علي السجانة وتركتني أختلط بالسجينات الأخريات. وأضافت إن التقائي السجينات كان صدمة بالغة النسبة لي لأنني تعرفت على مشهد غير مرأي في المجتمع المصري، قابلت من قتلت زوجها ووضعته في أكياس،ومن قتلت والدها بمشاركة والدتها وتشعر بظلم وتطلب أن تكتب عريضة تقدمها لرئيس الجمهورية ووزير العدل تقول فيه إن قتل الأب أمر عائلي لا يجب أن تتدخل فيه الحكومة،كما كانت هناك نشالة من الغجر الذين يذهبون إلى الحج للسرقة ترغب في أن تغير مجال عملها في الجريمة وتترك النشل وتتجه إلى الدعارة لأن البوليس لا يضايق من يشتغلون بها، وأخرى مسجونة من 18سنة ومحكوم عليها بالمؤبد لأن زوجها قتل شقيقها، وحيث أنهما أولاد عم فقد ضغطت عليها الأسرة لتعترف أنها القاتلة حتى لا يحدث ثأر بين العائلة وتراق الدماء ثم تخلت عنها الأسرة بعدما سجنت ولم يعد لها أحد. ثم قالت إن هذه عوالم لا نراها ونحن في حياتنا اليومية المعتادة، فكرت أن أكتب عنهم كضحايا وأشكال تمييز ضد المجتمع، وما كتبته كان كتابة أدبية وليست عن السجن السياسي، هناك رواية الفراشة عن السجون الفرنسية والجزر الإفريقية بالأطلنطي، ما حاولت تبيانه من خلال رواية العربة الذهبية لا تصعد الى السماء أن القمع السياسي لا يستجيب من الوهلة الأولى. وأضافت عندما خرجت كان لدي عدد لا بأس به من الحكايات منها أن الضابط طوال الطريق كان يقول لي ما الذي يدخلك في مشاكل مع الحكومة ويلقي عليها بأقذع السباب ويقول إنها حكومة لا تستحق التعامل معها، وعندما أوهمته أنني حامل أجلسني بجوار السائق حفاظًا على صحتي حتى وصلنا إلى السجن، وعندما خرجت فكرت أن أكتب عن التجربة ولكني اكتشفت أن تجربتي كسجينة سياسية لا تقارن بالسجينات في جرائم عادية. وقالت إن أهمية أدب السجون تظهر في حفر حقيقة معاناة الإنسان في زمن ما، وفي سياق تاريخي معين حتى لا ننسى، حفر عميق في الذاكرة الاجتماعية الانسانية، قد نغفر للذين اضطهدونا وقمعونا لكننا نظل نذكر الأجيال المقبلة أن السجن هو أبشع ما يمكن أن يحدث للإنسان حين تنتفي الإرادة والفعل الإنساني. وأضافت أنه أدب يمثل ظاهرة في مجتمعاتنا العربية تتعلق بالقمع والاستبداد السياسي ورواده من جميع البلاد العربية فعبد الرحمن منيف مثلا والكتابات الحديثة من سوريا وسجون حافظ وبشار هي أدب مؤلم وضاغط على الروح لكنه يذكرنا أن ثمة سجون كانت بيننا وماتزال، علينا أن نقاومها حتى تنتفي من حياتنا. وبعد انتهاء المحاضرة قامت عدة مناقشات أجاب عنها المحاضرين كان أولها من رئيس اتحاد ناشري تونس النوري عبيد والذي قال: الحديث عن السجون اليوم ذو شجون، هي سجون الثورتين في بداية الطريق، كان أحمد العثماني تعرض للسجن لمدة 10سنوات ثم عمل بعد خروجه في معارك نضال كان أهمها جمعية إلغاء فكرة السجن وهي منظمة دولية للإصلاح الجنائي أسست منذ عام 89 فهل ذلك من الممكن؟؟ ثم سألت رشأ التونسي الروائي سمير ساسي قائلة: هل يمكن النسيان؟؟ فأجابها لا يمكن أن ينسى إنسان أن كرامته أهينت أو أن الجلاد أهان أهله أو لامس كل مالا ترضاه البشرية ويتنافى معها،هي أشياء أبدًا لا تنسى كجزء من الذاكرة لكنها لن تكون عائقًا أمام التجاوز، وأنا تجاوزت الأمر وأحاولبالفعل الاجتماعي ذلك، فالحل لا يكون بالقضاء على السجن لأنهضروري للعقاب ولكنه يجب أن يغير سياسته خاصة وأن أساس نظامها إدارة السجون والإصلاح، لكن لا يوجد إصلاح أبدًا بل بالعكس فإن القوانين تدفع للانحراف التام، فمن قضى 10 سنوات من عمره مع مساجين حق عام يشعر بمأساة ما يعيشه ويدفعه للعودة مرة أخرى، لذلك يجب أن يكون السجن كمؤسسة تعاقب المجرم وتؤهله وذلك ممكن ويتحقق بتظافر الجهود. وفي سؤال هل المرأة أضعف من تحمل السجن وهل يشبه سجن النساء الرجال؟ قالت د.بكر السجن لا ينظر إليه برجل وامرأة وإنما قدرة تحمل، فهناك من لديه وعي وجهاز عصبي أقوى، المسألة نسبية ليست نساء ورجال، وأضافت أن في عام 72 تم اعتقال مجموعة من الطالبات في سجن طرة كنت منهم وكانت روحنا المعنوية مرتفعة كان هناك العديد من الطالبات بعضهن مرهفات واجهن السجن بشجاعة طالبوا بالخروج ونحن رفضنا حتى لا يقبض على طالبات غيرنا. وعن إلغاء السجون قالت إن السجن مؤسسة عقابية تم اتباعها منذ عقود، ولكن ما يجب ألغاؤه هو السجن لعقيدة سياسية أو مواقف لأن ذلك غير مقبول على الإطلاق، يجب أن نتذكر أيضًا ما يحدث للفلسطينيينفي السجون الإسرائيلية،فمن يمر بتجربة السجنأبدًا لا ينسى أن كرامته أهينت وتعرضت لما وجب ألا تتعرض له،فالسجن هو أبغض ما يحدث للناس،وعلينا أن نناضل من أجل أن نحسن ظروف السجن والاعتقال حتى يصبح من يمرون بالسجن قادرين على تجاوز أخطائهم الإنسانية. وعن ضغط كتاب حقوق الإنسان على الحكومات قالت إن هل وحوش الرديكتالية هم الذين يستخدمون ما يحدث من حراك سياسي في الدول المتخلفة عندما يرغبون، غير أن الكاتب لا يستعمل كوسيلة، الذين يستطيعون الضغط بحقوق الانسان هم الذين يضغطون على الحكومات القادرة حتى لا تساعد الأنظمة الظالمة القاتلة لشعوبها، وأضافت أن الفرق بين قول الولاياتالمتحدة أن إيران ليس بها حقوق إنسان في الوقت الذي لا تقول ذلك عن السعودية مع أن الاستبداد السياسي في السعودية أكتر لأن العلاقات بينهما أفضل، الكاتب لا يستخدم بهذا المعنى ولكن الدول الغربية هي التي تتصرف بشكل متحيز فقط تجاه مصالحها.