من كثرة البنات زرعت فيهم حب المال وحب الولد لم تكن تعلم ان ألايام لا تسير بالرغبة أو بالشهية إليها، وإنما هو قدر يحاورنا ونحاوره وقد يُفرض علينا بلا تفكير ، هى الثالثة من بين تسع بنات وولد واحد أنتظرته بعد ثلاثة وتمنت أخ له فانجبت خمسة بنات فى انتظاره ولم يأت !، هنا توقف الزمن ودارت بها الدنيا ونظرت حولها فلا مال يعين ولا صحة تُرتجى ، لم تملك سوى محاربة الذات وتعليم البنات حتى يكون سلاحهن نحو المال ، وبجانب سلاح العلم يكون البحث عن زوج يمتلك المال أو يكون وسيلة لكسبه ، ولكنها تلك الصغيرة الثالثة فى الترتيب لم تملك سوى جمال وفطنة وذكاء ولم تهتم كثيرا بالتعليم فلم يبقى سوى البحث عن زوج يملك المال الذى حرمها نِعم الدنيا وزينتها ، وأى طارق يأتى سيحمل عن الأم حِملها ويساعد فى تحمل أعباء الآخرين سواء بعلمه أو بدونه، ولكن الطارق لم يكن يملك المال بيده ولم يكن يمتلك العقل الذكى ليتمكن من توفيره ، فتشبثت الأم بأن يأتى اليوم الذى يرث فيه وبذلك تكون قد حققت مأ ربها منه وان فقدت البنت معه روح الحياة نفسها ، فلم تملك الأم سوى حثها على التحمل والإنتظار أن يأتى الفرج ويموت حماها الطاعن فى السن حتى تنول العز والمال والمتعة التى حرمت منها ،متعة الحياة والزوج والتعليم ، أنجبت من الأبناء ثلاثة وبنت واحدة ، فكان ذلك حافزا جديدا على الاستمرار فهى تملك الولد والسند ، طالبت بحقها فى الميراث علنا ، أسرفت ببذخ وطالبت بسداد دينها مرارا ، وطالت السنوات ولم تفلح خطتها ، فالزوج اصبح لا حول له ولا قوة ، وكثرت المشاكل بينها وبين حماها وأهل زوجها جميعا ، فهم يحرمونها من حقها فى الميراث الذى تريده على أعين الاحياء ، ويبخسون مقدار ما تعانيه وما تتحمله من فقدها للحياة مع زوج فاقد للأهلية ، وسنوات تضيع هباء، وجمال يلوح من بين براثن الزمن ولكنه يأفل بحكم التقدم فى السن ، ويأفُل معه الرغبة فى كل شئ إلا رغبة تملك بعض المال الذى ضحت من أجله ولا زالت تضحى ، فهل يلوح لها عن قريب او يرشدها إلى مكمنه ، هل يكتسب الزمن بعض من حمرة الخجل ليرضى عنها ، ويلبى رغبتها الوحيدة قبل حرمانها من الحياة ، تساءلت كثيرا وبكت أكثر ، ولكن هذا الصباح يراودها الحلم ثم يتحول إلى حقيقة لقد ذاع الخبر الذى انتظرته كثيرا وافته المنية وتبسم الزمن لها وفردت جناحيها لتحمل من كنوز الارض الشاسعة المترامية الاطراف ، ولكن الزمن الذى خجل من طول صبرها وأراد مكافأتها ،والقدر الذى فتح لها ذراعيه لتنهل من متعتها الأولى ، لم يمهلها كثيرا فحياتها أفلت وتوارت فى لحظة شهقة لم تعيد زفيرها إلى جوفها وسلمت الروح إلى بارئها وغادرت هى الميراث الذى غادرها سنين طوال كحلم الحياة التى بارحت روحها .