جامعة النيل الأهلية تستقبل خريجي كلياتها خلال العشر سنوات الماضية    وزير التعليم يلتقى بممثلي هيئة كامبريدج الدولية لتعزيز التعاون    وزير الإسكان: 1.7 مليار جنيه استثمارات مدينة الفيوم الجديدة    القباج تفتتح ورشة عمل لتبادل الأقران بشأن توسيع نطاق التأمينات الاجتماعية الشاملة    محافظ دمياط تتابع الإيرادات في الوحدة المحلية في السنانية    عاجل.. وزارة التموين تتخذ قرار جرئ قبل عيد الاضحي    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على غزة إلى 35 ألفا و647    رسميا.. توني كروس يعتزل كرة القدم بعد يورو 2024    تقارير مغربية: كاف يستعين بمخرج إسباني لمباراة الأهلي والترجي    المواجهة الأولى مع حسام حسن.. موعد انضمام صلاح لمعسكر المنتخب    التشكيل المثالي للدوري الانجليزي 2023-24    أحمد حمدى يجرى أشعة اليوم لتحديد حجم إصابة نهائى الكونفدرالية    السجن 5 سنوات لسائق ببورسعيد تسبب في قتل 3 طلاب وسيدة بالخطأ    جنايات المنصورة تقضي بإعدام مدرس الفيزياء قاتل الطالب إيهاب أشرف    وزيرة التضامن تصرف مساعدات لأسر المتوفين والمصابين بميكروباص بالقناطر    السيطرة على مشاجرة بسبب خلافات الجيرة فى الطالبية    بعد تقطيعها 7 أجزاء.. الإعدام لشخص والمؤبد و10 أعوام لمعاونيه قتلوا سيدة بالإسكندرية    وزير الأوقاف: قارئ القرآن داعية بقراءته ومجاهد بها.. وانضمام 12 قارئ للإذاعة لأول مرة    بهجة واحتفال: فرحة المصريين بقدوم عيد الأضحى 2024 وتبادل التهاني    نقطة تحول ل برج الحوت والميزان.. تأثير الخسوف والكسوف على الأبراج في 2024    يجعلنا مركزًا إقليميًا.. رئيس هيئة الدواء من داخل أول مركز التبرع بالبلازما بمصر    الرعاية الصحية تدشن برنامج الاستجابة للإصابات الجماعية بحضور نائب السفير الياباني ووفد الصحة العالمية    في اليوم العالمي للشاي.. 6 أسباب تدفعك إلى شرب الشاي في الصيف    الجامعة العربية والحصاد المر!    مبادرات التخفيض "فشنك" ..الأسعار تواصل الارتفاع والمواطن لا يستطيع الحصول على احتياجاته الأساسية    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    تحقيق جديد في اتهام سائق بالتحرش.. وتوصيات برلمانية بمراقبة تطبيقات النقل الذكي    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35 ألفا و647 شهيدا    هيدي كرم تكشف عن البوستر الرسمي لمسلسل الوصفة السحرية.. يعرض قريبا    كيت بلانشيت بفستان مستوحى من علم فلسطين.. واحتفاء بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي العرب (صور)    دعاء النبي في الحر الشديد: كيفية الدعاء أثناء موجة الطقس الحار    150 هزة ارتدادية تضرب غرب نابولي.. وزلزال الأمس هو الأقوى خلال العشرين عامًا الماضية    بتهم القتل والبلطجة.. إحالة أوراق عاطل بالقليوبية لفضيلة المفتي (تفاصيل)    تأجيل 12 متهما ب «رشوة وزارة الرى» ل 25 يونيو    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    وزير الري: أكثر من 400 مليون أفريقي يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب    الخارجية الأردنية: الوضع في قطاع غزة كارثي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    «التضامن»: مغادرة أول أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة 29 مايو    أحمد الفيشاوي يحتفل بالعرض الأول لفيلمه «بنقدر ظروفك»    هل يصبح "خليفة صلاح" أول صفقات أرني سلوت مع ليفربول؟    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    الهجرة تعقد عددًا من الاجتماعات التنسيقية لوضع ضوابط السفر للفتيات المصريات    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مدحت شلبي يكشف العقوبات المنتظرة ضد الزمالك بسبب سوء تنظيم نهائي الكونفدرالية    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشواك الحب - المناعة ضد الألم
نشر في الجمهورية يوم 18 - 11 - 2010

لم يتوقف رنين جرس التليفون في بيته. ليس لتلقي التهاني بحلول عيد الأضحي المبارك إنما لمواساته في محنته. فقد أنجبت له زوجته بنتاً سادسة وكان ينتظر مولوداً ذكراً!
يذرع الصالة جيئة وذهابا يبكي سرا من عذاب لايمكن البوح به فقد سرق الحادث فرحة العيد وزوجته لاتزال في المستشفي وبناته الصغيرات لم ترتد إحداهن فستان العيد خوفا من الجدة التي أعلنت مراسم الحداد حزنا علي ابنها الذي خذلته زوجته وأنجبت له نصف دستة بنات ولن تسلم من معايرة الأهل والأقارب والأصدقاء. فقد مرت السنوات وليس في بيته ولد ذكر يرث ثروته ويحمل اسمه من بعده.
عادت مريم إلي البيت فاستقبلتها حماتها بفتور شديد بل راحت تكيل لها الاتهامات واللعنات مهددة إياها بأنها سوف تختار لابنها امرأة أخري تنجب له الولد. بينما اكتفت مريم بالصمت فصدرها لم يعد يتسع لمزيد من كلمات التأنيب والمواساة مثلما لاتملك غير الصلاة والدعاء بأن يخصلها الله من هذه المرأة الشرسة التي تعيش معهم في البيت وتتدخل دائما في حياتها فهي التي طالبتها بتكرار الانجاب لأجل الولد حتي اعتلت صحتها ولم تعد قادرة علي القيام بواجبات الزواج والأمومة وما يحتاجه البيت.
مساء ثالث أيام العيد توافد أهل مريم يحملون الهدايا احتفالا بالمولودة الجديدة. لكن أحدا من أهل الزوج لم يأت. وعندما همت شقيقة مريم بإضاءة الشموع وتوزيع أكياس السبوع علي أطفال العيلة رفضت أم الزوج وكادت تطردهم من البيت الذي تحول إلي شبه سرادق لتلقي العزاء لمجرد أن المولودة بنت.
يرتفع صوت المؤذن من المسجد المجاور فلا تقوي علي سماعه. فالأذان دعوة إلي عبادة ومن التعذيب أن يكون صوت صاحب الدعوة منفرا ومزعجا وكأنما اختفي أصحاب الأصوات العذبة مثلما اختفي الحب وغابت الرحمة. فها هو زوجها يعاملها كمجرمة تستحق العقاب وأمه تبيح الخيانة والغدر باسم الانتقام. وليس هناك دواء يكسبها مناعة ضد الألم والحزن والانكسار.
تتأمل وجهها في المرآة. المرايا لاتتغير لكن وجوهنا في المرايا هي التي تتغير ككل الأشياء الأخري التي يمر بها الزمان. وكالمشاعر والأحاسيس تصاب بالشيخوخة فيموت القلب قبل موت الجسد. فقد احتملت شهور الحمل الطويلة والولادة والرضاعة والتربية عسي أن يأتي الولد يتوجها ملكة علي عرش البيت. وفي كل مرة يلومها زوجها وتعنفها حماتها فتتأزم نفسيا وتنام باكية تتلهف علي ولد. وإذا بالمولود أنثي حتي كرهت البنات. تحيطهن بالحب والحنان والرعاية والاهتمام مثل كل الأمهات. وتؤمن بأن جنس المولد قدر من الله ونصيب عليها أن ترضي به. لكنها تشعر بالغيرة كلما سمعت أن إحداهن أنجبت ولداً. بل تشعر بالدونية والنقص لأن زوجها الذي يبلغ من العمر خمسين عاما هو الوحيد ضمن أخوته السبعة الذي لم يرزق بولد حتي الآن ومازال يفتقر إلي ولي العهد.
ومريم ليست حالة استثنائية. فمثلها كثيرات يعانين أزمة نفسية عنيفة لأنهن لم يرزقن بالولد في مجتمع ذكوري ينزعج فيه الرجل عندما يناديه أهله وأصدقاؤه "أبوالبنات" بل يغضب ويتقبل تعليقاتهم بضيق مكتوم. وقد يشعر بالعار لاعتقاده أن انجاب الأطفال والذكور دليل علي الفحولة والذكورة والقدرة الجنسية.
والغريب أن تصبح معتقدات المرأة أكثر ذكورية من الرجال فلا تزال تفضل انجاب الذكور علي الإناث خوفا من أن يتزوج زوجها بأخري. وتجنبا لتعليقات أهله الذين يستخدمون هذه المسألة لمعايرتها والسخرية من عدم قدرتها علي انجاب الولد.
والأكثر غرابة ومأساوية أن تعامل الأهل مع الميراث يكون مختلفا إذا لم ينجب الابن سوي بنات فيمنح عند توزيع الإرث الأراضي الأكثر سواء والعقارات الأقل سعرا. وقد يبيع الأب كل ممتلكاته ويبدد ثروته كي لا تذهب للغريب أي أزواج البنات في المستقبل.. بينما لا يجاهر بعض الرجال بهذه العقدة الدفينة ولكن تفضحهم تصرفاتهم فيتبني أحدهم أحد أبناء العائلة من الذكور ويغدق عليه المال والهدايا ويتحمل نفقات تعليمه وزواجه عن طيب خاطر. ويتعمد آخر اهمال بناته ومعاملتهن بقسوة وجفاء نكاية في الأم وعقابا لها فيقوم بتقبيل أطفال الجيران من الذكور ويخصهم بالاهتمام الزائد.
لا تزال معتقدات الجاهلية تحكم وتسود. فالذكور مازالوا مفضلين بدرجات علي الاناث. يتمتعون بالحرية المطلقة ومن حقهم الخروج والسهر والسفر والرحلات.. يمارسون الانحطاط باسم الغرام ويتاجرون بالعواطف والقيم والأخلاق ويقهرون العذاري والنساء. بينما تظل البنت سجينة تعاني الظلم والقهر والاضطهاد رغم ما يرفعه الرجل من شعارات جوفاء عن حقوق المرأة وتكافؤ الفرص والمساواة. ورغم الاحصائيات والأرقام الرسمية التي تحكي مآسي المرأة العاملة التي تركها الرجل تتولي مسئولية الانفاق علي البيت والأبناء. وحكايات درامية مخيفة عن الأبناء الذكور الذين يتزوجون ولا يعودون إلي بيت الأهل إلا لزيارة خاطفة أو لتقييم ثمن البيت لبيعه عند رحيل الوالدين. وهؤلاء الذين ينفصلون تماما عن أمهاتهم بعد رحيل الأب فيتركوهن وحيدات يعانين ذل الحاجة والمرض وآلام الوحدة والغربة والشيخوخة والعجز.
لاتزال معتقدات الجاهلية تحكم وتسود فلا تزال المرأة تتباهي بأبنائها الذكور.. تبارك اختيارهم العمل والزوجة وتبذل الغالي والرخيص لإسعادهم فتبيع مصوغاتها وممتلكاتها لتشتري شبكة العروس والشقة والأثاث. وتتفاني في اعداد الولائم والعزومات وارضاء زوجة الابن بعد الزواج والتي يجب أن تحظي بالتقدير والاحترام والمعاملة الطيبة من اخوته البنات وكأنما خلقهن الرب لخدمة الرجال وتقديم فروض الولاء والطاعة العمياء.
ولا يزال الولد يحظي بالتدليل الزائد والتعليم الجيد لاعتبارات اجتماعية زائفة وموروثات تقليدية متخلفة فالابن الذكر يعاون الأب ويهتم بشئون الأسرة مستقبلا ويحمي اخوته البنات ويكون امتدادا لوالده ولأسرته. بينما تذهب البنت إلي بيت الغريب الذي يثقل الأهل كاهله بفاتورة الزواج وقائمة الأثاث وايصالات أمانة بمؤخر الصداق. وكأن زواج البنت صفقة غير قابلة للتفاوض. وعندما تنشب الخلافات والمشاحنات يتخلي عنها الجميع. وتترك وحيدة تعاني القهر والعذاب والاحباط.. وعليها وحدها اتخاذ قرار الطلاق الذي غالبا ما تدفع ثمنه وحدها فتخرج من بيت الزوج بعد ابرائه من كافة حقوقها المادية والتخلي عن أطفالها الصغار بدلا من بهدلة المحاكم وأتعاب المحاماة ونفقة ضئيلة لا تكفي متطلباتهم واحتياجاتهم في ظل قوانين السوق العشوائية الضارية التي تحكم الأسعار والانفاق.
وربما ما لا يعرفه الرجل والمرأة أن كليهما ضحية مجتمع تخلي عن قيمه وموروثاته وتقاليده الأخلاقية والاجتماعية الأصيلة.. مجتمع أهدر آدمية الانسان الذي ابتعد عن الله وخالف تعاليمه ووصاياه وأحكام الشريعة والقرآن والانجيل والتوراة.. وسياسات تعليمية خاطئة أهملت البعد الديني والانساني والتربوي.. تفرخ أرقاما وليس أجيالا صالحة قادرة علي بناء أسرة متماسكة لا تؤمن بالتفرقة بين الذكور والاناث. أسرة متماسكة لديها مناعة ضد الألم والحزن والانكسار. حيث الحب والحنان والاحساس بالعدل والمساواة والطمأنينة والأمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.