على مر سنوات من الجهود التي حاولت فيها قوى الثقافة العراقية أن تنتظم في مجتمعها المخصوص بتنظيم أو جمعية أو برلمان، ظهرت صيغ عديدة لهذا اللقاء الثقافي وإن كانت مازالت تكافح في كثير من الأحيان ضد عثراتها وما يعترضها من مصاعب جمة، ومثالنا البرلمان الثقافي العراقي في المهجر وروابط الثقافة وجمعياتها. وكان من بين آخر ملتقيات المثقفين العراقيين "مؤتمر القمة الثقافي الأول" الذي انعقد في مدينة العمارة بمحافظة ميسان العراقية. والمبادرون يتجهون لعقد الدورة الثانية من هذا المؤتمر محاولين عبره توكيد أحد قراراتهم باتخاذ يوم للثقافة والمثقف العراقيين. إن اختيار يوم للثقافة والمثقف العراقيين، لا ينبع من فكرة التصدي للعقبات والأوصاب والمشكلات حسب ولكنه أيضا ينبثق قبل ذلك وبعده من عراقة التراث الإنساني والانتماء المكاني لخيمته السومرية أو العراقية القديمة التي تمتد لعشرة آلاف عام من العطاء. وينبع أيضا من هذا الحجم النوعي الكبير والعطاء المميز الثرّ لمثقفنا العراقي وقدراته الاستثنائية في الإنتاج الثقافي الإبداعي على الرغم مما يحيق به من مخاطر معروفة. إنَّ دعم انعقاد مؤتمر القمة الثقافي الثاني بمدينة العمارة الجنوبية سيكون له أكثر من دلالة وأعمق من حدث وأكبر منه. إذ أن هذا المؤتمر يتجسد بمحاور تتعلق بجملة من القضايا الرئيسة التي تشغل الثقافة العراقية، منها تأصيل الهوية العراقية والوقوف سدا منيعا لوجود العراق الفديرالي الجديد. ومن ثم تقديم الدراسات في ثقافة تحترم التعددية وتغتني بالتنوع سواء بالوجود الإنساني أم بالأطياف والمجموعات القومية والدينية والاجتماعية والفكرية، وهي كلها أسس تكاد تندحر بسبب ما تتعرض له من هجمات الخطاب السياسي والوضع العام المأزوم.. إنّ لقاء الصوتين العربي الكوردي في هذا المؤتمر يتجلى في الهيأة المشرفة وعضويتها التي تتناصف المهام والمسؤوليات وهي تحضر لجهود أبعد من لقاء عارض طارئ.. أي للقاء بحثي يحفر عميقا في وجودنا الجمعي سياسيا بالمصطلح الفديرالي وإنسانيا بمصطلحات التعددية والتنوع وبالهويات الفرعية التي تضفي وتمنح الوجود الاتحادي تفاعلات كبيرة الأثر في التالي من مراحل مسيرتنا المشتركة.. وأن ينعقد المؤتمر تلبية لمهام الحوار الثقافي في مدينة جنوبية له معاني كثيرة ليس أقلها شأنا إعلاء صوت الوحدة الوطنية والشراكة في عموم الوطن على أساس من وجودنا الإنساني الوطني المشترك. ويعني الدفاع عن التحالف الوطيد بين جناحي الوطن، العرب والكورد. كما يعني أن الجهود تمضي حثيثة من أجل تطمين تلك المسيرة الظافرة لتعزيز فعاليات البناء والتقدم. ومن دون شك ستكون عملية رعاية المؤتمر بالمشاركة فرصة لمنح الحيوية في مسار النسغ الصاعد للثقافة الوطنية الجديدة. وطبعا سيكون المؤتمر بوابة مشرعة للصوت الكوردي ورسالته المكتوبة بالعربية مثلما بغيرها من اللغات ومعروف كم هو الدور العظيم لكبار المفكرين والمبدعين الكورد الذين كتبوا ونطقوا شعرا بالعربية.. وهي مفردة مهمة للمعالجة في أجواء مؤتمر القمة الثقافي. أتمنى أن نجد اللقاء الأغنى حيث مبادرة مثقفينا من العرب والكورد تنفتح على كل الطيف العراقي قوميا دينيا فكريا.. وتتسع لكل الإبداعات ولقيم التسامح والتعايش السلمي والتآخي الأعمق بين شعوبنا ومجموعاتنا القومية والدينية.. ولعلها مفردة أخرى يعلو فيها الصوت الكوردي وهذه المرة ليس بين سفوح كوردستان الشامخة بل في وديان النهرين والشط ؛ هناك حيث الدفاع عن التنوع بوجود الأرمن والكلدان السريان والصابئة المندائيين والكورد الفيلية وغيرهم ممن طرز تاريخ المنطقة بنتاجه الثقافي العريق. وحتى نلتقي في الموعد، آمل أن يجد المؤتمر فرص دعمه والتفاعل معه من منطلقات ثقافية بحتة، منطلقات تعمّد مسار التعاضد والتلاحم والتآخي، منطلقات تنظر لآفاق استراتيجية بعيدة حيث الثقافي لا يقف عند محطات محدودة وعلامات ضيقة صغيرة بل يحمل بين الجوانح وجودا تاريخيا يمتد في عمق الماضي لينتقل بالحاضر إلى آفاق مستقبلية تحصى بالعقود والقرون لا بالسنوات.. ومن أجل يوم المثقف يتحقق فعليا عمليا أتطلع لجهات الدعم كيما تأخذ مسؤوليتها بما يتلاءم والمواعيد التي تم اختيارها حيث 25 الخامس والعشرين من نوفمبر هو موعدنا بيوم الثقافة والمثقف العراقيين؛ يساهم في احتفاليته جميع أبناء هذا الوطن، من أهواره حتى جبال كوردستانه الأبية.. ومثلما امتزجت التضحيات في قمم الجبال وخط مثقفونا بدمائهم كلمات الإخاء، سيخط كل منهم اليوم كلمته بمداد الفكر التنويري المتفتح وعبر بحوث غنية مهمة يعدها أساتذة الجامعات وأعلام الفكر والإبداع في بلادنا. فإلى ملتقى وموعدنا الخامس والعشرين من نوفمبر يوما للمثقف بمؤتمر يمكن أن يتحول لكرنفال فرح غامر بنجاحاته المهمة المؤملة