في الخامس والعشرون من تشرين الثاني من العام الماضي كان القاص الميساني محمد رشيد على موعد مع تحقيق حلمه الشخصي فقد افتتح مؤتمر القمة الثقافي الأول الذي نظمته دار القصة العراقية (التي أسسها قبل سقوط النظام ) وجامعة ابن رشد في هولندا وعدد من الكليات والمنظمات الثقافية برعاية مجلس محافظة فعبر وقتها عن سعادته في كلمة تلاها على الحاضرين (انا سعيد جدا بتحقيق هذا الحلم الذي رسمت له منذ عام 2006 وهاهو اليوم يتحقق بفضل الجميع وإصرارهم من اجل تحقيق أهداف المؤتمر التي ستناقش ما تعرض إليه المثقف والثقافة العراقية من هجمة شرسة منذ عام 1980 والى الآن وكيفية الخروج من هذا المأزق الخطير من خلال الدراسات والمقترحات الميدانية من اجل إعادة التوازن وإعلاء شأن المثقف العراقي ) وقد ناقش المؤتمر وقتها عددا من المحاور هي (الثقافة والسلطة ) و( الثقافة والمعطى الإنساني) و( حياة المثقف ومشكلاته) واقر عددا من التوصيات تمثلت ب ( الحفاظ على علاقة متوازنة بين المثقف والسياسي تحفظ لكل منهما دوره الجاد في ظل نظام ديمقراطي حقيقي ) و(المطالبة بإقرار قانون "المجلس الأعلى للثقافة" الذي نوقشت مسودته على أعلى المستويات الثقافية والقانونية عبر لجان متخصصة ) و(دعم الإبداع ورعاية المبدعين ودعم نتاجاتهم الفكرية والثقافية والفنية ورعاية الثقافة الشعبية الرصينة وايلاء بناء المسارح أهمية خاصة) و(ضرورة مشاركة مثقفي العراق في المؤتمرات والمهرجانات الثقافية العربية والدولية وتقديم جميع التسهيلات من أجل نشر الثقافة العراقية بأنواعها المختلفة) و (ضمان استقلالية الاتحادات والمنظمات والنقابات الثقافية والفنية وتوفير أنواع الدعم لها وضمان حرية التعبير دون وصاية من أحد) و( دعوة مجالس المحافظات لتخصيص ما لا يقل عن (1%) من موازناتها السنوية لدعم الثقافة والمثقفين في المحافظات ) و( تمتين الروابط بين مثقفي الداخل والمهجر لتعزيز الوجه المشرق للثقافة العراقية) و( دعم برلمان الطفل العراقي لثقافة الطفل وضمان حقوقه من خلال تفعيل الاتفاقيات والعهود الدولية والعربية والمحلية والتوصيات الأكاديمية في هذا الحقل) و(اختيار يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام يوما وطنيا للمثقف والثقافة العراقية ) و (عقد المؤتمر دوريا كل ثلاثة أشهر لأهميته ومن أجل استكمال بحوثه الخاصة بمحاوره المتعددة وطبعها في كتاب ) و(دعم المؤتمر من لدن الدولة بوصفه مؤتمرا وطنيا هدفه بناء الجانب الروحي والعقلي للإنسان) و(تكرم اللجنة الاستشارية والتحضيرية ومؤسس المؤتمر لأن المؤتمر فريد من نوعه ويعد التجربة الأولى في الوطن العربي بعد نجاح دورته الأولى) و(يشيد المشاركون في المؤتمر بالدعم والتسهيلات التي قدمها مجلس محافظة ميسان ورئيسه لإقامة هذا المؤتمر وإنجاحه وما يمثله من سابقة ثقافية رصينة تخدم مجتمعنا العراقي) ،لقاص محمد رشيد ان يكون يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام يوما للمثقف العراق وعيدا حقيقيا له وهذا لا يتحقق الا بدعم الحكومة للمثقف العراقي ورعاية جميع نشاطاته ، ولو توقفنا أمام توصيات المؤتمر سنجد ان هذا اليوم لم ولن يتحقق بفضل الإهمال الحكومي المتعمد للثقافة العراقية بشكل عام والمثقف العراقي بشكل خاص اذ أنها لا تزال تنظر اليه بوصفه بوقا من أبواق النظام السابق هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد ان المنظمة الثقافية التي أنشئت لرعايته والمتمثلة بالاتحاد العام للأدباء والكتاب ، هذه المنظمة الثقافية يمارس المسئولون عنها منذ سقوط النظام السابق والى يومنا سياسة الإقصاء والتهميش لأغلب أدباء العراق ، ومع ذلك يصر الصديق محمد رشيد على تحقيق ما هو خارج تغطية السياسيين من حملة الجنسيتين ، فدورة المؤتمر لهذا العام هي الأخرى قد تكون مهددة بعدم الانعقاد (للأسف الشديد وبعد جلسات عديدة من (غداء وعشاء العمل) وغيرها فوجئنا بانسحابه قبل يومين من انعقاده بعدما جاء بعض المدعوين من(السويدوهولندا والإمارات ولبنان) وسبب لنا (احراجات) عديدة و(خسارات مالية) والى الآن نجهل أسباب انسحابه ولهذا (إننا لا نؤمن بدور السلطة في التنفيذ بل نعتمد على بعض الأشخاص المحبين للثقافة وأصدقائنا المقربين جدا الذين أسهموا بشكل فاعل بانعقاد المؤتمر الأول وما تلاه) ، ليؤكد القاص محمد رشيد ( أنا اعتقد أن السلطة لم يعنها أمر المثقف أبدا وأكثر الذين يعملون في السلطة يعتبرون المثقف عدوا لهم ولكن في الواقع أن المثقف لا ينافس السياسي أبدا كونه المعني بجماليات الحياة وهو من ينظم الكون وفق تصوراته الأخلاقية والإنسانية بعدما يختنق العالم بالحروب والمجاعة والقتل بسب الساسة ) الأمر الذي يجعله يبحث عن جهة أخرى تدعم إقامة المؤتمر في دورته الثانية ولن تكون هذه الجهة الاتحاد العام للأدباء والكتاب طبعا اذ من غير المتوقع أصلا ان يمد الاتحاد يده بقوة لدعم المؤتمر ! ، ولكن لنتوقف امام توصيات المؤتمر ، لعلها حققت أمرا واقعا لإنقاذ الثقافة والمثقفين . ان المطلع على حال الثقافة العراقية يتلمس وبوضوح ان التوصيات بقيت حبرا على ورق شانها شأن بقية أحلام المثقفين العراقيين التي يقتلها السياسي العراقي الفاسد بفضل الأزمات السياسية التي يخلقها لصرف الأنظار عن جرائمه وفساده وانحطاطه الأخلاقي ، فالمثقف العراقي يعاني اليوم اشد مما كان يعانيه في سنوات ما قبل سقوط النظام ، فالإهمال واضح جدا لأدباء وكتاب يعانون من أزمات صحية تستدعي العلاج خارج العراق ، والتهميش صار سياسة حتى الأدباء المهيمنين على القرار في الاتحاد العام للأدباء والكتاب ، وصارت المهرجانات حكرا على وجوه معينة وكأن بقية الأدباء والمثقفين هم من حقبة النظام السابق ، في إلغاء واضح لكل الإبداع العراقي ليسود بالتالي ما هو رديء بشهادة الكثير من الأدباء الذين شاركوا في المهرجانات الشعرية التي أقيمت بعد السقوط وحتى يومنا هذا ، وكأن ما حصل لم يكن سقوطا لنظام سياسي بل كان سقوط وانهيارا لمنظومة أخلاقية كشفت ضحالة الكثير ممن يدعون الانتماء للعراق ، فهل سيعقد مهرجان القمة الثقافي في دورته الجديدة ام لا ؟ انه سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة وختاما لا تبتئس يا صديقي القاص محمد رشيد إذا لا يصح الا الصحيح في نهاية المطاف وعندها سيحين القطاف .