الجلاد: على مسؤوليتي.. تغيير 60 % من أعضاء "مستقبل وطن" بالبرلمان المقبل    بدء الجلسة العامة للشيوخ لمناقشة ملف التغيرات المناخية    إجازة عيد الأضحى المبارك 2025 في مصر للقطاعين الخاص والحكومي والبنوك    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    استعدادات مكثفة لمياه أسيوط والوادي الجديد لاستقبال عيد الأضحى    البنك الزراعي المصري يعيد افتتاح فرعه الاسلامي بالمهندسين بعد تطويره    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    وزيرا الاتصالات والتضامن الاجتماعي يشهدان توقيع مذكرة تفاهم وبروتوكولين لدعم الشمول الرقمي والمالي    النائب محمود القط يطالب الحكومة بتوضيح خطط التكيف الخاصة بالمناطق الساحلية    محافظ القاهرة: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    ضمن الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2025.. «فؤاد» تفتتح معرض «إعادة التدوير»    مصدر في الوفد الأوكراني إلى محادثات السلام في إسطنبول: كييف مستعدّة لاتخاذ "خطوات كبيرة نحو السلام"    وزير الخارجية: التصعيد العسكري لا يخدم استقرار المنطقة    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    محمد سيحا: الانضمام إلى الأهلي لا يحتاج للتفكير.. وأتمنى حصد ميدالية بكأس العالم للأندية    "غصبًا عن الرابطة".. جدو يوجه رسالة بعد فوز بيراميدز بدوري الأبطال    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    كواليس تسريب امتحان الجبر للشهادة الإعدادية في أسيوط.. وقرارات التعليم كاملة    قيمتها 190 مليون جنيه.. القوات البحرية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة عبر سواحل البحر الأحمر    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة أبوتيج فى أسيوط    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    الحكم على المنتجة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف الفنانة هند عاكف 23 يونيو    في ذكرى ميلاده.. محمود ياسين أشهر جندي بالسينما المصرية    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    قبل طرحه.. ماذا قال محمود حجازي عن فيلم "في عز الضهر"؟    "الإغاثة الطبية" بغزة: الاحتلال يستهدف كل شىء بلا تمييز ولا مكان آمن بالقطاع    الأربعاء.. قناة الوثائقية تعرض الجزء الثاني من فيلم «الزعيم.. رحلة عادل إمام»    دعاء للأم المتوفية في العشر الأوائل من ذي الحجة «ردده الآن» ل تضىيء قبرها    بعد عقود من "الرعب".. وزير الصحة يتحدث عن إنجاز السيطرة على الفيروسات الكبدية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    "الكورة اللي بيلعبوها اختفت".. مالك وادي دجلة ينتقد طريقة لعب بيراميدز    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    قرار جديد من الزمالك بشأن المدرب الجديد.. مدحت شلبي يكشف    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص نثرية من فلسطين
نشر في شموس يوم 12 - 04 - 2021


فريدا كالو: الغزالة المرشوقة بالسهام
في داخل كل امرأة فريدا كالو نقية.. وفيَّة.. صابرة.. عاشقة.. ومخلصة.. وفي داخل كل رجل دييغو ريفيرا.. عاهر.. خائن.. متهتك.. ونذل. معادلة صعبة وظالمة ولكنها إرادة الحياة.. أو نصيب الأنوثةِ من لعنة الذكورة.. في البدايات كتبتُ قصيدة لفريدا.. الغزالة المرشوقة بالسهام في لوحتها ذات البعد الأسطوري.. قصيدة كان الدافع لكتابتها فيلم وثائقي عن حياتها.. لم أسبر في القصيدة غور هذه الفنانة الجامحة والمرأة اللغز.. كانت محاولة لتتبع نداءات فريدا وأحلامها السريَّة في كلِّ أنثى، فيما بعد تكشَّفت لي عوالم هذا الكائن الجريح، بالغ الرهافة والحساسية.. المقهور كعصفورة وحيدة أو حمامة سطت أفعى ضخمة على فراخها. لاحقا قرأت الكثير عنها وعن علاقاتها العاطفية المرتبكة والغامضة، وأشفقت على فريدا الطاهرة.. النبيلة.. العاشقة.. المتمردة والمبدعة، التي أعطت حبيبها النذل أقصى ما يبحث عنه رجل لدى امرأة.. لنستمع إلى نبض قلبها المنتفض غضبا وحزنا وعشقا ومرارة وهي تخاطبه في احدى رسائلها "لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلك جيداً، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائماً، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيراً عندما خُنتني، في كُل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف أنخدعوا بك؟ أنت تعتقد بأنني غاضبة بشأن كريستينا ولكنني أعترف بأن ذلِك لم يكن بسببها، بل كان بسببي أنا وأنت .أولاً بسببي لأنني لم أستطع أن أفهم ما كُنت تبحث عنه لدى الأخريات، وما هو الشيئ الذي كانوا قادرين على إعطائك إياه ولم أستطع أنا. دعنا لا نخدع أنفُسنا يا عزيزي دييغو، فلقد أعطيتك كُل ما يُمكن أن يقدمه إنسان، وكلانا يعرف ذلِك جيداً.كيف بحق الجحيم تمكنت من إغواء هذا الكم من النساء بينما أنت إبن عاهرة قبيح".
*
مريد البرغوثي: حارس ظلِّ الأنهار
أهيَ صدفة أن يرحل شاعرُ الحبِّ والمنافي في يوم الحبِّ..؟!
وانفرطت سُبحة القلب والقصائد يا مريد...مريد البرغوثي ليس آخر ناطحة لسحابنا الشعري فحسب، هو سليلُ سندياننا السماوي المقدَّس وحارسُ ظلِّ الأنهار وأزهار فلسطين.
هو من قالَ محمود درويش أنه أحبَّ مرحلته الأخيرة..
وأنا أحببتُ مرحلته الأخيرة وما قبلها.. شاعر من طراز خاص.. أحد أهم الأصوات الشعرية الفلسطينية، وصاحب تجربة من أجمل تجارب الشعر الفلسطيني وأقربها إلى المكاشفة المفتوحة على المختلف واليومي. مبدع متفرد.. ذو نفس عالية.. يمتلك لغة شعريَّة طازجة.. بالغة الرهافة والخصوصية، ومخيِّلة جامحة فيها ما فيها من الآلام والآمال والجراح والعذابات. مسكون بفضاءات بريَّة وطنه وهو بعيد في منافي أوروبا أو في القاهرة التي أحب، ولكنه يعرف ما يريد من الشِعر، كيفَ يشذِّب قصيدته بعناية ودقة بستاني عاشق، وكيفَ ينحت عبارته بإزميل الماء والضوء، شاقاً لقصيدته الطريق الأصعب والأجمل في زحمة الأصواتِ الكبيرة.. المتمردة والممتدة، من غير أن يكون قالبا جاهزاً لنوع شعري معيَّن أو صدى مجاوراً لتجارب مجايليه. كأنه نجم شعري بعيد، يصلنا ضوؤه بعد ملايين السنين الضوئية، أو أرض مجاز بكر، تنبت السهل الممتنع وبروق الأحلام المكتوبة، وقصب الحنين إلى النبع.استيقظ يا صاحبي كي ترى رام الله أو كي تحلم.. أو كي تكمل قصيدتك المضمَّخة بعطر البن على شرفةِ الأبديَّة..
فها هيَ قصائدُ الشهوات الجميلة بعدكَ ينقصها ملح الأنوثة "شهوةٌ لتلاوين نشوتنا
فهيَ خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا / حبيسينِ فى واسع من فضاء النوايا / سجينينِ مثل العصافير فى ريشها / وهىَ تلهو وتلعب فى الجو هابطة صاعدة
شهوة لتلاوين لذتنا / وهيَ دائرة من بداياتها لبداياتها عائدة / وهيَ زرقاء فضيةٌ حين تلمع رعشاتها فى العظام / وتغدو أنيناً وتغدو رنينا"
آخر طيور فلسطين النادرة وآخر شعراء السلسلة الذهبية الكبار وداعا.
*
رمادُ عذابات الشعر
على الشاعر أن يرمي بخيباته من نافذةِ الأمل أو يدرِّب نفسه على الانكساراتِ والخسران.. فما قيمة بطولات الكلام في زمن حروب المادة وجشع البشر؟! ولكن خسارات الشعر على ما فيها من قسوة وجودية لا تخلو من العذوبة ومن اللذة والفرح.. سأكتب.. لقارئة أو لقارئ في البال.. ولن يعني لي شيئا أن أستثنى من لوائح الجوائز والمسابقات.. لن يضيرني ذلك بشيء.. فلم أعد أعلِّق أملاً على اكتمال المشاريع فلا شيءَ كاملاً كما قال الرائع حسين البرغوثي بغصَّة وبحزن وهو يودِّع هذه الحياة.. لن يعني لي شيئا أن أستبعد من لوائح سلاسل الشعر في خمسة دور نشر عربيَّة، ولن يجعلني بالضرورة أستسلم لبيات شعري أو صمت خصب أو يأس مورق.. في السنوات القليلة الماضية نشرتُ سبعة كتب ما بين شعريَّة ونثرية على نفقتي الخاصَّة في مصر.. ليست هي بالطبع كل المحصول.. ولكنها كتب لو لم أنشرها شخصيَّا وعلي نفقتي، لما تخلَّصتُ من تبعات عبئها الوجودي ومن همِّ نشرها حتى هذه اللحظة. لم يكن أمامي خيار حينها لأساوم دور النشر على رماد عذاباتي.. الشاعر هو دونكيشوت عصري يتجاهل عن قصد قوانين لعبة الحياة المعاصرة.. يركبُ فرساً من ريحِ خيالاته ويطاردُ فرساناً وهميين في ذاكرة الزمان المعطوبة.. ويبارز طواحين هواء لا تتجلَّى إلا لعينيه هو. دونكيشوت محكوم بوهمه وانكساراته وانسلاخه عن سيرِ الحياة السريع والمحموم وعن رقصِ الأيام الصاخب.. يكتبُ لقرَّاء وهميين ويصارعُ طواحين هواء محايدة وخفيَّة عن أنظار الآخرين. لن أكون ضمن دوائر المسابقات وسلاسل نشر الشعر المجانيَّة.. لكم سلاسلكم ولي سلاسلي.. أنا الذي نأيتُ بنفسي في الماضي والحاضر عن حبائل التدجين وغواياتهِ. وطالما ألحَّ عليَّ الكثير من الأصدقاء الشعراء أن أتقبل منحة هنا أو هبة هناك في مجال التفرغ للكتابة الإبداعية، وكانوا شبه أوصياء عليَّ.. وخيَّبت أملهم واحدا واحدا واختلقتُ لهم الأعذار التي لا تحصى.. مع الشكر والتقدير والمحبة الحقيقية لهم جميعا.. ولكن ماذا أفعل..؟ وأنا ضد تدجين الأدب والشعر والإبداع.. نعم قد أكون في حاجة لعزلة في مكتبة.. ولتبادل الثقافات والكتابة.. لكن أنا لم ألزم نفسي مرة أن تكتب في أوقات معيَّنة أو مواضيع مقرَّرة كمنهاج مدرسي، أو تغنِّي في أقصى حالات صمتها الفادح.. ولم أكبح شوقها الطفولي الحقيقي للحنين والعودة الى البيت من مسافات بعيدة وفي ساعات متأخرة من الليل. فضاء الإبداع الحر هو ما عودت روحي على السباحة والرقص الوجداني فيه.
في نصي هذا كان الوجع الحقيقي ملموسا ومسموعا.. لكنه وجع مشوب بالفرح المؤجَّل الخفي باقتراب صدور ديواني الجديد عن وزارة الثقافة الفلسطينيَّة "نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهار".. الفرح الذي أخفيته عن قصد وأرجأته إلى حين صدور الديوان بشكل فعلي.. وقلت في نفسي "الله كبير".. لا بدَّ أنه سينصفني.. فمشقة طريق الشعر تكفي.. ولا وقت لندب قلة الحظ في جداول وقوائم واستراتيجيات دور النشر التجارية.. ما دامَ الآتي أجمل.. ويسندُ روحي مبدعون حقيقيون كثر.. ولا يجدي النظر إلى الحياة من ثقب إبرة.. وشمس فلسطين لا يحجبها غربال رثٌّ قديم. والدنيا تتسع للأصدقاء الرائعين.. للأوفياء والمريدين الصادقين.. كما أنها تفيض بالزائفين والمتطفلين والأنبياء الكذبة.
فريدا كالو: الغزالة المرشوقة بالسهام
في داخل كل امرأة فريدا كالو نقية.. وفيَّة.. صابرة.. عاشقة.. ومخلصة.. وفي داخل كل رجل دييغو ريفيرا.. عاهر.. خائن.. متهتك.. ونذل. معادلة صعبة وظالمة ولكنها إرادة الحياة.. أو نصيب الأنوثةِ من لعنة الذكورة.. في البدايات كتبتُ قصيدة لفريدا.. الغزالة المرشوقة بالسهام في لوحتها ذات البعد الأسطوري.. قصيدة كان الدافع لكتابتها فيلم وثائقي عن حياتها.. لم أسبر في القصيدة غور هذه الفنانة الجامحة والمرأة اللغز.. كانت محاولة لتتبع نداءات فريدا وأحلامها السريَّة في كلِّ أنثى، فيما بعد تكشَّفت لي عوالم هذا الكائن الجريح، بالغ الرهافة والحساسية.. المقهور كعصفورة وحيدة أو حمامة سطت أفعى ضخمة على فراخها. لاحقا قرأت الكثير عنها وعن علاقاتها العاطفية المرتبكة والغامضة، وأشفقت على فريدا الطاهرة.. النبيلة.. العاشقة.. المتمردة والمبدعة، التي أعطت حبيبها النذل أقصى ما يبحث عنه رجل لدى امرأة.. لنستمع إلى نبض قلبها المنتفض غضبا وحزنا وعشقا ومرارة وهي تخاطبه في احدى رسائلها "لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلك جيداً، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائماً، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيراً عندما خُنتني، في كُل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف أنخدعوا بك؟ أنت تعتقد بأنني غاضبة بشأن كريستينا ولكنني أعترف بأن ذلِك لم يكن بسببها، بل كان بسببي أنا وأنت .أولاً بسببي لأنني لم أستطع أن أفهم ما كُنت تبحث عنه لدى الأخريات، وما هو الشيئ الذي كانوا قادرين على إعطائك إياه ولم أستطع أنا. دعنا لا نخدع أنفُسنا يا عزيزي دييغو، فلقد أعطيتك كُل ما يُمكن أن يقدمه إنسان، وكلانا يعرف ذلِك جيداً.كيف بحق الجحيم تمكنت من إغواء هذا الكم من النساء بينما أنت إبن عاهرة قبيح".
*
مريد البرغوثي: حارس ظلِّ الأنهار
أهيَ صدفة أن يرحل شاعرُ الحبِّ والمنافي في يوم الحبِّ..؟!
وانفرطت سُبحة القلب والقصائد يا مريد...مريد البرغوثي ليس آخر ناطحة لسحابنا الشعري فحسب، هو سليلُ سندياننا السماوي المقدَّس وحارسُ ظلِّ الأنهار وأزهار فلسطين.
هو من قالَ محمود درويش أنه أحبَّ مرحلته الأخيرة..
وأنا أحببتُ مرحلته الأخيرة وما قبلها.. شاعر من طراز خاص.. أحد أهم الأصوات الشعرية الفلسطينية، وصاحب تجربة من أجمل تجارب الشعر الفلسطيني وأقربها إلى المكاشفة المفتوحة على المختلف واليومي. مبدع متفرد.. ذو نفس عالية.. يمتلك لغة شعريَّة طازجة.. بالغة الرهافة والخصوصية، ومخيِّلة جامحة فيها ما فيها من الآلام والآمال والجراح والعذابات. مسكون بفضاءات بريَّة وطنه وهو بعيد في منافي أوروبا أو في القاهرة التي أحب، ولكنه يعرف ما يريد من الشِعر، كيفَ يشذِّب قصيدته بعناية ودقة بستاني عاشق، وكيفَ ينحت عبارته بإزميل الماء والضوء، شاقاً لقصيدته الطريق الأصعب والأجمل في زحمة الأصواتِ الكبيرة.. المتمردة والممتدة، من غير أن يكون قالبا جاهزاً لنوع شعري معيَّن أو صدى مجاوراً لتجارب مجايليه. كأنه نجم شعري بعيد، يصلنا ضوؤه بعد ملايين السنين الضوئية، أو أرض مجاز بكر، تنبت السهل الممتنع وبروق الأحلام المكتوبة، وقصب الحنين إلى النبع.استيقظ يا صاحبي كي ترى رام الله أو كي تحلم.. أو كي تكمل قصيدتك المضمَّخة بعطر البن على شرفةِ الأبديَّة..
فها هيَ قصائدُ الشهوات الجميلة بعدكَ ينقصها ملح الأنوثة "شهوةٌ لتلاوين نشوتنا
فهيَ خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا / حبيسينِ فى واسع من فضاء النوايا / سجينينِ مثل العصافير فى ريشها / وهىَ تلهو وتلعب فى الجو هابطة صاعدة
شهوة لتلاوين لذتنا / وهيَ دائرة من بداياتها لبداياتها عائدة / وهيَ زرقاء فضيةٌ حين تلمع رعشاتها فى العظام / وتغدو أنيناً وتغدو رنينا"
آخر طيور فلسطين النادرة وآخر شعراء السلسلة الذهبية الكبار وداعا.
*
رمادُ عذابات الشعر
على الشاعر أن يرمي بخيباته من نافذةِ الأمل أو يدرِّب نفسه على الانكساراتِ والخسران.. فما قيمة بطولات الكلام في زمن حروب المادة وجشع البشر؟! ولكن خسارات الشعر على ما فيها من قسوة وجودية لا تخلو من العذوبة ومن اللذة والفرح.. سأكتب.. لقارئة أو لقارئ في البال.. ولن يعني لي شيئا أن أستثنى من لوائح الجوائز والمسابقات.. لن يضيرني ذلك بشيء.. فلم أعد أعلِّق أملاً على اكتمال المشاريع فلا شيءَ كاملاً كما قال الرائع حسين البرغوثي بغصَّة وبحزن وهو يودِّع هذه الحياة.. لن يعني لي شيئا أن أستبعد من لوائح سلاسل الشعر في خمسة دور نشر عربيَّة، ولن يجعلني بالضرورة أستسلم لبيات شعري أو صمت خصب أو يأس مورق.. في السنوات القليلة الماضية نشرتُ سبعة كتب ما بين شعريَّة ونثرية على نفقتي الخاصَّة في مصر.. ليست هي بالطبع كل المحصول.. ولكنها كتب لو لم أنشرها شخصيَّا وعلي نفقتي، لما تخلَّصتُ من تبعات عبئها الوجودي ومن همِّ نشرها حتى هذه اللحظة. لم يكن أمامي خيار حينها لأساوم دور النشر على رماد عذاباتي.. الشاعر هو دونكيشوت عصري يتجاهل عن قصد قوانين لعبة الحياة المعاصرة.. يركبُ فرساً من ريحِ خيالاته ويطاردُ فرساناً وهميين في ذاكرة الزمان المعطوبة.. ويبارز طواحين هواء لا تتجلَّى إلا لعينيه هو. دونكيشوت محكوم بوهمه وانكساراته وانسلاخه عن سيرِ الحياة السريع والمحموم وعن رقصِ الأيام الصاخب.. يكتبُ لقرَّاء وهميين ويصارعُ طواحين هواء محايدة وخفيَّة عن أنظار الآخرين. لن أكون ضمن دوائر المسابقات وسلاسل نشر الشعر المجانيَّة.. لكم سلاسلكم ولي سلاسلي.. أنا الذي نأيتُ بنفسي في الماضي والحاضر عن حبائل التدجين وغواياتهِ. وطالما ألحَّ عليَّ الكثير من الأصدقاء الشعراء أن أتقبل منحة هنا أو هبة هناك في مجال التفرغ للكتابة الإبداعية، وكانوا شبه أوصياء عليَّ.. وخيَّبت أملهم واحدا واحدا واختلقتُ لهم الأعذار التي لا تحصى.. مع الشكر والتقدير والمحبة الحقيقية لهم جميعا.. ولكن ماذا أفعل..؟ وأنا ضد تدجين الأدب والشعر والإبداع.. نعم قد أكون في حاجة لعزلة في مكتبة.. ولتبادل الثقافات والكتابة.. لكن أنا لم ألزم نفسي مرة أن تكتب في أوقات معيَّنة أو مواضيع مقرَّرة كمنهاج مدرسي، أو تغنِّي في أقصى حالات صمتها الفادح.. ولم أكبح شوقها الطفولي الحقيقي للحنين والعودة الى البيت من مسافات بعيدة وفي ساعات متأخرة من الليل. فضاء الإبداع الحر هو ما عودت روحي على السباحة والرقص الوجداني فيه.
في نصي هذا كان الوجع الحقيقي ملموسا ومسموعا.. لكنه وجع مشوب بالفرح المؤجَّل الخفي باقتراب صدور ديواني الجديد عن وزارة الثقافة الفلسطينيَّة "نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهار".. الفرح الذي أخفيته عن قصد وأرجأته إلى حين صدور الديوان بشكل فعلي.. وقلت في نفسي "الله كبير".. لا بدَّ أنه سينصفني.. فمشقة طريق الشعر تكفي.. ولا وقت لندب قلة الحظ في جداول وقوائم واستراتيجيات دور النشر التجارية.. ما دامَ الآتي أجمل.. ويسندُ روحي مبدعون حقيقيون كثر.. ولا يجدي النظر إلى الحياة من ثقب إبرة.. وشمس فلسطين لا يحجبها غربال رثٌّ قديم. والدنيا تتسع للأصدقاء الرائعين.. للأوفياء والمريدين الصادقين.. كما أنها تفيض بالزائفين والمتطفلين والأنبياء الكذبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.