عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص نثرية من فلسطين
نشر في شموس يوم 12 - 04 - 2021


فريدا كالو: الغزالة المرشوقة بالسهام
في داخل كل امرأة فريدا كالو نقية.. وفيَّة.. صابرة.. عاشقة.. ومخلصة.. وفي داخل كل رجل دييغو ريفيرا.. عاهر.. خائن.. متهتك.. ونذل. معادلة صعبة وظالمة ولكنها إرادة الحياة.. أو نصيب الأنوثةِ من لعنة الذكورة.. في البدايات كتبتُ قصيدة لفريدا.. الغزالة المرشوقة بالسهام في لوحتها ذات البعد الأسطوري.. قصيدة كان الدافع لكتابتها فيلم وثائقي عن حياتها.. لم أسبر في القصيدة غور هذه الفنانة الجامحة والمرأة اللغز.. كانت محاولة لتتبع نداءات فريدا وأحلامها السريَّة في كلِّ أنثى، فيما بعد تكشَّفت لي عوالم هذا الكائن الجريح، بالغ الرهافة والحساسية.. المقهور كعصفورة وحيدة أو حمامة سطت أفعى ضخمة على فراخها. لاحقا قرأت الكثير عنها وعن علاقاتها العاطفية المرتبكة والغامضة، وأشفقت على فريدا الطاهرة.. النبيلة.. العاشقة.. المتمردة والمبدعة، التي أعطت حبيبها النذل أقصى ما يبحث عنه رجل لدى امرأة.. لنستمع إلى نبض قلبها المنتفض غضبا وحزنا وعشقا ومرارة وهي تخاطبه في احدى رسائلها "لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلك جيداً، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائماً، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيراً عندما خُنتني، في كُل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف أنخدعوا بك؟ أنت تعتقد بأنني غاضبة بشأن كريستينا ولكنني أعترف بأن ذلِك لم يكن بسببها، بل كان بسببي أنا وأنت .أولاً بسببي لأنني لم أستطع أن أفهم ما كُنت تبحث عنه لدى الأخريات، وما هو الشيئ الذي كانوا قادرين على إعطائك إياه ولم أستطع أنا. دعنا لا نخدع أنفُسنا يا عزيزي دييغو، فلقد أعطيتك كُل ما يُمكن أن يقدمه إنسان، وكلانا يعرف ذلِك جيداً.كيف بحق الجحيم تمكنت من إغواء هذا الكم من النساء بينما أنت إبن عاهرة قبيح".
*
مريد البرغوثي: حارس ظلِّ الأنهار
أهيَ صدفة أن يرحل شاعرُ الحبِّ والمنافي في يوم الحبِّ..؟!
وانفرطت سُبحة القلب والقصائد يا مريد...مريد البرغوثي ليس آخر ناطحة لسحابنا الشعري فحسب، هو سليلُ سندياننا السماوي المقدَّس وحارسُ ظلِّ الأنهار وأزهار فلسطين.
هو من قالَ محمود درويش أنه أحبَّ مرحلته الأخيرة..
وأنا أحببتُ مرحلته الأخيرة وما قبلها.. شاعر من طراز خاص.. أحد أهم الأصوات الشعرية الفلسطينية، وصاحب تجربة من أجمل تجارب الشعر الفلسطيني وأقربها إلى المكاشفة المفتوحة على المختلف واليومي. مبدع متفرد.. ذو نفس عالية.. يمتلك لغة شعريَّة طازجة.. بالغة الرهافة والخصوصية، ومخيِّلة جامحة فيها ما فيها من الآلام والآمال والجراح والعذابات. مسكون بفضاءات بريَّة وطنه وهو بعيد في منافي أوروبا أو في القاهرة التي أحب، ولكنه يعرف ما يريد من الشِعر، كيفَ يشذِّب قصيدته بعناية ودقة بستاني عاشق، وكيفَ ينحت عبارته بإزميل الماء والضوء، شاقاً لقصيدته الطريق الأصعب والأجمل في زحمة الأصواتِ الكبيرة.. المتمردة والممتدة، من غير أن يكون قالبا جاهزاً لنوع شعري معيَّن أو صدى مجاوراً لتجارب مجايليه. كأنه نجم شعري بعيد، يصلنا ضوؤه بعد ملايين السنين الضوئية، أو أرض مجاز بكر، تنبت السهل الممتنع وبروق الأحلام المكتوبة، وقصب الحنين إلى النبع.استيقظ يا صاحبي كي ترى رام الله أو كي تحلم.. أو كي تكمل قصيدتك المضمَّخة بعطر البن على شرفةِ الأبديَّة..
فها هيَ قصائدُ الشهوات الجميلة بعدكَ ينقصها ملح الأنوثة "شهوةٌ لتلاوين نشوتنا
فهيَ خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا / حبيسينِ فى واسع من فضاء النوايا / سجينينِ مثل العصافير فى ريشها / وهىَ تلهو وتلعب فى الجو هابطة صاعدة
شهوة لتلاوين لذتنا / وهيَ دائرة من بداياتها لبداياتها عائدة / وهيَ زرقاء فضيةٌ حين تلمع رعشاتها فى العظام / وتغدو أنيناً وتغدو رنينا"
آخر طيور فلسطين النادرة وآخر شعراء السلسلة الذهبية الكبار وداعا.
*
رمادُ عذابات الشعر
على الشاعر أن يرمي بخيباته من نافذةِ الأمل أو يدرِّب نفسه على الانكساراتِ والخسران.. فما قيمة بطولات الكلام في زمن حروب المادة وجشع البشر؟! ولكن خسارات الشعر على ما فيها من قسوة وجودية لا تخلو من العذوبة ومن اللذة والفرح.. سأكتب.. لقارئة أو لقارئ في البال.. ولن يعني لي شيئا أن أستثنى من لوائح الجوائز والمسابقات.. لن يضيرني ذلك بشيء.. فلم أعد أعلِّق أملاً على اكتمال المشاريع فلا شيءَ كاملاً كما قال الرائع حسين البرغوثي بغصَّة وبحزن وهو يودِّع هذه الحياة.. لن يعني لي شيئا أن أستبعد من لوائح سلاسل الشعر في خمسة دور نشر عربيَّة، ولن يجعلني بالضرورة أستسلم لبيات شعري أو صمت خصب أو يأس مورق.. في السنوات القليلة الماضية نشرتُ سبعة كتب ما بين شعريَّة ونثرية على نفقتي الخاصَّة في مصر.. ليست هي بالطبع كل المحصول.. ولكنها كتب لو لم أنشرها شخصيَّا وعلي نفقتي، لما تخلَّصتُ من تبعات عبئها الوجودي ومن همِّ نشرها حتى هذه اللحظة. لم يكن أمامي خيار حينها لأساوم دور النشر على رماد عذاباتي.. الشاعر هو دونكيشوت عصري يتجاهل عن قصد قوانين لعبة الحياة المعاصرة.. يركبُ فرساً من ريحِ خيالاته ويطاردُ فرساناً وهميين في ذاكرة الزمان المعطوبة.. ويبارز طواحين هواء لا تتجلَّى إلا لعينيه هو. دونكيشوت محكوم بوهمه وانكساراته وانسلاخه عن سيرِ الحياة السريع والمحموم وعن رقصِ الأيام الصاخب.. يكتبُ لقرَّاء وهميين ويصارعُ طواحين هواء محايدة وخفيَّة عن أنظار الآخرين. لن أكون ضمن دوائر المسابقات وسلاسل نشر الشعر المجانيَّة.. لكم سلاسلكم ولي سلاسلي.. أنا الذي نأيتُ بنفسي في الماضي والحاضر عن حبائل التدجين وغواياتهِ. وطالما ألحَّ عليَّ الكثير من الأصدقاء الشعراء أن أتقبل منحة هنا أو هبة هناك في مجال التفرغ للكتابة الإبداعية، وكانوا شبه أوصياء عليَّ.. وخيَّبت أملهم واحدا واحدا واختلقتُ لهم الأعذار التي لا تحصى.. مع الشكر والتقدير والمحبة الحقيقية لهم جميعا.. ولكن ماذا أفعل..؟ وأنا ضد تدجين الأدب والشعر والإبداع.. نعم قد أكون في حاجة لعزلة في مكتبة.. ولتبادل الثقافات والكتابة.. لكن أنا لم ألزم نفسي مرة أن تكتب في أوقات معيَّنة أو مواضيع مقرَّرة كمنهاج مدرسي، أو تغنِّي في أقصى حالات صمتها الفادح.. ولم أكبح شوقها الطفولي الحقيقي للحنين والعودة الى البيت من مسافات بعيدة وفي ساعات متأخرة من الليل. فضاء الإبداع الحر هو ما عودت روحي على السباحة والرقص الوجداني فيه.
في نصي هذا كان الوجع الحقيقي ملموسا ومسموعا.. لكنه وجع مشوب بالفرح المؤجَّل الخفي باقتراب صدور ديواني الجديد عن وزارة الثقافة الفلسطينيَّة "نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهار".. الفرح الذي أخفيته عن قصد وأرجأته إلى حين صدور الديوان بشكل فعلي.. وقلت في نفسي "الله كبير".. لا بدَّ أنه سينصفني.. فمشقة طريق الشعر تكفي.. ولا وقت لندب قلة الحظ في جداول وقوائم واستراتيجيات دور النشر التجارية.. ما دامَ الآتي أجمل.. ويسندُ روحي مبدعون حقيقيون كثر.. ولا يجدي النظر إلى الحياة من ثقب إبرة.. وشمس فلسطين لا يحجبها غربال رثٌّ قديم. والدنيا تتسع للأصدقاء الرائعين.. للأوفياء والمريدين الصادقين.. كما أنها تفيض بالزائفين والمتطفلين والأنبياء الكذبة.
فريدا كالو: الغزالة المرشوقة بالسهام
في داخل كل امرأة فريدا كالو نقية.. وفيَّة.. صابرة.. عاشقة.. ومخلصة.. وفي داخل كل رجل دييغو ريفيرا.. عاهر.. خائن.. متهتك.. ونذل. معادلة صعبة وظالمة ولكنها إرادة الحياة.. أو نصيب الأنوثةِ من لعنة الذكورة.. في البدايات كتبتُ قصيدة لفريدا.. الغزالة المرشوقة بالسهام في لوحتها ذات البعد الأسطوري.. قصيدة كان الدافع لكتابتها فيلم وثائقي عن حياتها.. لم أسبر في القصيدة غور هذه الفنانة الجامحة والمرأة اللغز.. كانت محاولة لتتبع نداءات فريدا وأحلامها السريَّة في كلِّ أنثى، فيما بعد تكشَّفت لي عوالم هذا الكائن الجريح، بالغ الرهافة والحساسية.. المقهور كعصفورة وحيدة أو حمامة سطت أفعى ضخمة على فراخها. لاحقا قرأت الكثير عنها وعن علاقاتها العاطفية المرتبكة والغامضة، وأشفقت على فريدا الطاهرة.. النبيلة.. العاشقة.. المتمردة والمبدعة، التي أعطت حبيبها النذل أقصى ما يبحث عنه رجل لدى امرأة.. لنستمع إلى نبض قلبها المنتفض غضبا وحزنا وعشقا ومرارة وهي تخاطبه في احدى رسائلها "لا أخشي الألم وأنت تعلم ذلك جيداً، فالألم كما تعلم مُقترن بي دائماً، وعلى الرغم من أعترافي بأنني عانيت كثيراً عندما خُنتني، في كُل مرة فعلت فيها ذلك، وليس فقط عندما خنتني مع أختي ولكن مع العديد من النساء الأخريات. أسأل نفسي كيف أنخدعوا بك؟ أنت تعتقد بأنني غاضبة بشأن كريستينا ولكنني أعترف بأن ذلِك لم يكن بسببها، بل كان بسببي أنا وأنت .أولاً بسببي لأنني لم أستطع أن أفهم ما كُنت تبحث عنه لدى الأخريات، وما هو الشيئ الذي كانوا قادرين على إعطائك إياه ولم أستطع أنا. دعنا لا نخدع أنفُسنا يا عزيزي دييغو، فلقد أعطيتك كُل ما يُمكن أن يقدمه إنسان، وكلانا يعرف ذلِك جيداً.كيف بحق الجحيم تمكنت من إغواء هذا الكم من النساء بينما أنت إبن عاهرة قبيح".
*
مريد البرغوثي: حارس ظلِّ الأنهار
أهيَ صدفة أن يرحل شاعرُ الحبِّ والمنافي في يوم الحبِّ..؟!
وانفرطت سُبحة القلب والقصائد يا مريد...مريد البرغوثي ليس آخر ناطحة لسحابنا الشعري فحسب، هو سليلُ سندياننا السماوي المقدَّس وحارسُ ظلِّ الأنهار وأزهار فلسطين.
هو من قالَ محمود درويش أنه أحبَّ مرحلته الأخيرة..
وأنا أحببتُ مرحلته الأخيرة وما قبلها.. شاعر من طراز خاص.. أحد أهم الأصوات الشعرية الفلسطينية، وصاحب تجربة من أجمل تجارب الشعر الفلسطيني وأقربها إلى المكاشفة المفتوحة على المختلف واليومي. مبدع متفرد.. ذو نفس عالية.. يمتلك لغة شعريَّة طازجة.. بالغة الرهافة والخصوصية، ومخيِّلة جامحة فيها ما فيها من الآلام والآمال والجراح والعذابات. مسكون بفضاءات بريَّة وطنه وهو بعيد في منافي أوروبا أو في القاهرة التي أحب، ولكنه يعرف ما يريد من الشِعر، كيفَ يشذِّب قصيدته بعناية ودقة بستاني عاشق، وكيفَ ينحت عبارته بإزميل الماء والضوء، شاقاً لقصيدته الطريق الأصعب والأجمل في زحمة الأصواتِ الكبيرة.. المتمردة والممتدة، من غير أن يكون قالبا جاهزاً لنوع شعري معيَّن أو صدى مجاوراً لتجارب مجايليه. كأنه نجم شعري بعيد، يصلنا ضوؤه بعد ملايين السنين الضوئية، أو أرض مجاز بكر، تنبت السهل الممتنع وبروق الأحلام المكتوبة، وقصب الحنين إلى النبع.استيقظ يا صاحبي كي ترى رام الله أو كي تحلم.. أو كي تكمل قصيدتك المضمَّخة بعطر البن على شرفةِ الأبديَّة..
فها هيَ قصائدُ الشهوات الجميلة بعدكَ ينقصها ملح الأنوثة "شهوةٌ لتلاوين نشوتنا
فهيَ خضراء غابيَّةٌ فى ذراعيكِ عند انغلاق العناق علينا / حبيسينِ فى واسع من فضاء النوايا / سجينينِ مثل العصافير فى ريشها / وهىَ تلهو وتلعب فى الجو هابطة صاعدة
شهوة لتلاوين لذتنا / وهيَ دائرة من بداياتها لبداياتها عائدة / وهيَ زرقاء فضيةٌ حين تلمع رعشاتها فى العظام / وتغدو أنيناً وتغدو رنينا"
آخر طيور فلسطين النادرة وآخر شعراء السلسلة الذهبية الكبار وداعا.
*
رمادُ عذابات الشعر
على الشاعر أن يرمي بخيباته من نافذةِ الأمل أو يدرِّب نفسه على الانكساراتِ والخسران.. فما قيمة بطولات الكلام في زمن حروب المادة وجشع البشر؟! ولكن خسارات الشعر على ما فيها من قسوة وجودية لا تخلو من العذوبة ومن اللذة والفرح.. سأكتب.. لقارئة أو لقارئ في البال.. ولن يعني لي شيئا أن أستثنى من لوائح الجوائز والمسابقات.. لن يضيرني ذلك بشيء.. فلم أعد أعلِّق أملاً على اكتمال المشاريع فلا شيءَ كاملاً كما قال الرائع حسين البرغوثي بغصَّة وبحزن وهو يودِّع هذه الحياة.. لن يعني لي شيئا أن أستبعد من لوائح سلاسل الشعر في خمسة دور نشر عربيَّة، ولن يجعلني بالضرورة أستسلم لبيات شعري أو صمت خصب أو يأس مورق.. في السنوات القليلة الماضية نشرتُ سبعة كتب ما بين شعريَّة ونثرية على نفقتي الخاصَّة في مصر.. ليست هي بالطبع كل المحصول.. ولكنها كتب لو لم أنشرها شخصيَّا وعلي نفقتي، لما تخلَّصتُ من تبعات عبئها الوجودي ومن همِّ نشرها حتى هذه اللحظة. لم يكن أمامي خيار حينها لأساوم دور النشر على رماد عذاباتي.. الشاعر هو دونكيشوت عصري يتجاهل عن قصد قوانين لعبة الحياة المعاصرة.. يركبُ فرساً من ريحِ خيالاته ويطاردُ فرساناً وهميين في ذاكرة الزمان المعطوبة.. ويبارز طواحين هواء لا تتجلَّى إلا لعينيه هو. دونكيشوت محكوم بوهمه وانكساراته وانسلاخه عن سيرِ الحياة السريع والمحموم وعن رقصِ الأيام الصاخب.. يكتبُ لقرَّاء وهميين ويصارعُ طواحين هواء محايدة وخفيَّة عن أنظار الآخرين. لن أكون ضمن دوائر المسابقات وسلاسل نشر الشعر المجانيَّة.. لكم سلاسلكم ولي سلاسلي.. أنا الذي نأيتُ بنفسي في الماضي والحاضر عن حبائل التدجين وغواياتهِ. وطالما ألحَّ عليَّ الكثير من الأصدقاء الشعراء أن أتقبل منحة هنا أو هبة هناك في مجال التفرغ للكتابة الإبداعية، وكانوا شبه أوصياء عليَّ.. وخيَّبت أملهم واحدا واحدا واختلقتُ لهم الأعذار التي لا تحصى.. مع الشكر والتقدير والمحبة الحقيقية لهم جميعا.. ولكن ماذا أفعل..؟ وأنا ضد تدجين الأدب والشعر والإبداع.. نعم قد أكون في حاجة لعزلة في مكتبة.. ولتبادل الثقافات والكتابة.. لكن أنا لم ألزم نفسي مرة أن تكتب في أوقات معيَّنة أو مواضيع مقرَّرة كمنهاج مدرسي، أو تغنِّي في أقصى حالات صمتها الفادح.. ولم أكبح شوقها الطفولي الحقيقي للحنين والعودة الى البيت من مسافات بعيدة وفي ساعات متأخرة من الليل. فضاء الإبداع الحر هو ما عودت روحي على السباحة والرقص الوجداني فيه.
في نصي هذا كان الوجع الحقيقي ملموسا ومسموعا.. لكنه وجع مشوب بالفرح المؤجَّل الخفي باقتراب صدور ديواني الجديد عن وزارة الثقافة الفلسطينيَّة "نساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهار".. الفرح الذي أخفيته عن قصد وأرجأته إلى حين صدور الديوان بشكل فعلي.. وقلت في نفسي "الله كبير".. لا بدَّ أنه سينصفني.. فمشقة طريق الشعر تكفي.. ولا وقت لندب قلة الحظ في جداول وقوائم واستراتيجيات دور النشر التجارية.. ما دامَ الآتي أجمل.. ويسندُ روحي مبدعون حقيقيون كثر.. ولا يجدي النظر إلى الحياة من ثقب إبرة.. وشمس فلسطين لا يحجبها غربال رثٌّ قديم. والدنيا تتسع للأصدقاء الرائعين.. للأوفياء والمريدين الصادقين.. كما أنها تفيض بالزائفين والمتطفلين والأنبياء الكذبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.