بمناسبة يوم المرأة العالمي وأعياد الام اردت ان القي الضوء علي مكانة المرأة في النوبة .. بداية ومن الامور التي تدعو للعجب والدهشة معا ان المساواة بين الرجل والمرأة تبدأ من اللغة التي نحكي بها ونتعامل بها ونتفاهم بها حيث ليس هناك تذكير وتأنيث في اللغة النوبية كما هو في معظم اللغات الحية التي نعرفها . المرأة النوبية كانت عماد الاقتصاد في النوبة الغريقة وكانت تقوم بأعمال شاقة اذا ذكرناها لن تصدقنا نساء اليوم !! .. ومن بيتنا وكما كان يحدث تقريبا في كل البيوت النوبية ألقي الضوء علي ما كانت تقوم بها المرأة النوبية . كانت جدتي لأمي منيرة محمد خليل التي ساهمت بشكل مباشر في تربيتي حيث عشت معهم في القرية ووالدتي مع والدي في القاهرة !! كانت جدتي تستيقظ مع أذان الفجر وتقوم بتحضير الشاي بلبن الماعز التي تقوم بحلبه وأحيانا كنت اساعدها في حلب الماعز !! كانت توقد نار الحطب وتنفخ فيه حتي تستعر وتعاني من الدخان ثم بعد ذلك مع نساء النجع أقاربنا تنزل إلى النيل حيث كان يبتعد عن البيوت اكثر من نصف كيلو في الصيف كي تقوم بملئ الأزيار وسقي المواشي وما يلزم للغسيل .. ثم تقوم بافطار الدواجن والحمام .. واتذكر حينما تري الحمام جدتي في حوش المنزل تتجمع بسرعة غريبة وتنزل الي ساحة الحوش وهي ترش لهم حبوب الذرة العويجة (الرفيعة) ثم تقوم بعد ذلك بحلب البقرة وعلمتني كيفية حلب البقرة وكنت اساعدها تحتفظ ببعض اللبن بغليها وتخمر البقية حتي تستخلص الزبدة فيما بعد بواسطة الدلو المخصص لذلك ..وتطلب مني ان انزل بالبقرة الي النهر كي تشرب ثم عقلها في المروج .. ثم تقوم باعداد الافطار لنا ثم تنزل الي المزارع لتنظيف أحواض الزراعة من الحشائش الضارة وجلب العلف للمواشي ..ثم تعود وتخبز للغذاء علي (الدوكة) والطبخ اليومي للغداء حيث لم يكن هناك ثلاجات !! وكان ضيوف جدي الشيخ امام كثر كانوا يتقاطرون من أقصي شمال القرية وأقصي جنوب القرية يجتمعون في مضيفته بجوار محله التجاري يتناقشون في امور القرية وبطبيعة الحال ذلك الجمع كان يحتاج واجب الضيافة فجدتي تقوم بها علي احسن ما يكون .. وفي العصرية كانت تنزل النهر ايضا لجلب الماء وجلب العلف للمواشي ثم تقوم عند المغرب بحلب البقرة مرة اخري وهكذا يوميا لذا لم تشتكي المرأة النوبية من هشاشة العظام ولا من السمنة المفرطة فقد كانت رشيقة ..وأتذكر احداهن جاءها المخاض وهي تعمل في المزرعة ووضعت طفلتها تحت كبري الترعة التي كانت جافا !!.. وكان الاحترام متبادل بين المرأة والرجل حتي لو كان هناك تعدد فمعظم البيوت لم تخلو من التعدد اثنتان او ثلاثة .. أما الآن وبعد ان اقتحمت المدنية ببعض موبقاتها حدث ولا حرج .