في النوبة الغريقة كانت المرأة رشيقة خفيفة الحركة ممشوقة القوام ولا اتذكر احدا اختزنت الدهون واللحم حتي اولئك اللائي تقدمن في العمر كن رشيقات .. وكان قوام البيت الاقتصادي والنظامي تحمله المرأة علي عاتقها .. فقد كانت جدتي لأمي رحمها الله (وهي المثال لكل سيدات القرية) تصحي مبكرا من النوم تقوم بتسخين المياه كي تتوضأ حيث ماء الازيار في الشتاء كان يقترب من التجمد ثم تقوم باعداد الشاي علي حطب شجر السنط (سينتي)وهناك شعراء تغنوا بالشاي المعد بواسطة (سنتي ايغ ) وتقوم بحلب الماعز لإضافة لبنها الي الشاي في ابريق الشاي مباشرة ..وقبل ان ترسل الشمس اشعتها الذهبية من وراء الجبال تكون قد حملت الوعاء التي تأتي به الماء من النيل (كوبيه او ليغين ) بصحبة زوجة خالي وجداتنا الجارات وقبل ان تهم الشمس بلملمة خيوطها الرقيقة وتستعد للتوهج تكون قد اكملت اربعة ادوار تمتلئ بهم الازيار وتسقي المواشي والطيوراما البقرة فقد كنت اقوم بسحبها الي حيث المروج واقوم بربطها بواسطة وتد (فيندي) ثم تنزل جدتي الي الحقل حيث تقوم بتنظيف المزرعة من الحشائش الضارة التي تضر وفي نفس الوقت التي تكون علفا للماشية وتعود كي تحضر لنا وجبة الافطار ثم تعود مرة اخري الي الحقل كي تستكمل ما بدأتها وقبل ان تصل الشمس الي المنتصف تكون قد رجعت الي البيت كي تكرم ضيوف جدي الذين يتواجدون يوميا في مضيفته اما بعمل الشاي في الشتاء او عمل (الابريه) في الصيف ثم تطبخ وتخبز للغداء وبعد اذان العصر مباشرة كانت تعد لنا شاي العصر ثم تتجه الي النيل لحمل الماء الي الازيار ثم تعود الي الحقل وحتي المغرب ..هكذا كانت تعمل جدتي في النوبة الغريقة وكذلك كل نساء القرية ..كن يعشقن العمل ..كن يعشقن بيوتهن وتعملن في صمت وبلا ملل .. لم اسمع من احدهن شكوي لتعبهن وكدهن ..كن يذهبن الي الحقول مترجلات والرجال علي الحمير ..ورغم انهن كن يقمن ببعض اعمال الرجال ايضا مثل العمل بالفأس الا انهن كن يعملن ويتقنون عملهن بعشق غريب ..ولم اسمع صوتا منهن علا علي صوت الرجال ولاشكوي منهم وكن ينصحن اولادهن باحترام الكبار فكان الهدؤ يعم القرية ..لان الصراخ والعويل دائما من صنع النساء.المبارك من الرجال…#يحيي_صابر