وزير الاتصالات يبحث مع محافظ الدقهلية جهود تطوير البنية التحتية الرقمية    المرحلة النهائية للمبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»: قبول مبدئي ل9 تحالفات استعدادًا لتوقيع البروتوكولات التنفيذية    وزير الخارجية: مصر لن تحكم غزة    رئيس وزراء قطر: غياب المساءلة فاقم أزمات العالم وأخل بالنظام الدولي    أحمد الشرع: مستمرون في المفاوضات مع إسرائيل.. وأي اتفاق يجب أن يضمن مصالح سوريا    بركات: أتمنى أن يتعلم المنتخب من درس مباراة الكويت    الضباب يربك برشلونة قبل مواجهة ريال بيتيس    تساقط أمطار غزيرة على طابا ونويبع وسانت كاترين.. ومحافظ جنوب سيناء يوجه برفع درجة الاستعداد    وزير التربية والتعليم: 90% من طلاب المرحلة الأولى التحقوا بنظام البكالوريا هذا العام    السفيرة الأمريكية وزوجة السفير البريطاني تلتقطان «سيلفي» داخل معبد إسنا    إنفوجراف|حصاد منظومة الشكاوى الحكومية خلال نوفمبر 2025    فيتو الرئيس    آخر تطورات أسعار سبائك الذهب في الصاغة    خبير: 4 خطوط حمراء روسية تعرقل تسوية الحرب.. وأوروبا تتحدى خطة ترامب    وزير الخارجية يكشف تفاصيل العلاقات مع قطر والصفقات الاقتصادية    إنجي كيوان نواصل تصوير مشاهدها في "وننسى اللي كان"    عمرو دياب يتألق في الدوحة بحفل استثنائي وحضور جماهيري غفير    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مفتي الديار المصرية: «دولة التلاوة» يعيد إحياء مدرسة التلاوة المصرية بأكتشاف المواهب الشابة ورعايتها    وزير الصحة يعقد مؤتمراً صحفيًا غداً الأحد للإعلان عن الوضع الوبائي والإصابات التنفسية    أول تعليق من بيطري الشرقية على ظهور تماسيح صغيرة داخل مصرف مائي بالزوامل    رئيس مصلحة الجمارك: لا رسوم جديدة على المستوردين مع تطبيق نظام ACI على الشحنات الجوية يناير المقبل    "الداخلية" تواصل فعاليات المرحلة ال 27 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير مستلزمات الأسرة بأسعار مخفضة    اللجنة القضائية تتفقد لجان التصويت في الجمعية العمومية لنقابة المحامين    مدرب سوريا: مباراة فلسطين صعبة وتركيزنا على حسم التأهل فى كأس العرب    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    "الإسكندرية" تحصل على لقب الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا لعام 2025    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    سعر جرام الفضة في مصر، هذا العيار وصل ل 82.62 جنيها    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    رانيا المشاط: الالتزام بسقف الاستثمارات عند تريليون جنيه العام الماضي فتح المجال لمزيد من استثمارات القطاع الخاص    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    الأوقاف تعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل وظائف بالشئون القانونية    وكيل طب قصر العيني: اللقاءات العلمية بين التخصصات المتداخلة محور أساسي في خدمة المرضى    دراسة أمريكية توضح.. لماذا لم يتم إدراج البطاطس في النظام الغذائي الصحي؟    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    شهر و 5 أيام إجازة نصف العام لهؤلاء الطلاب.. اعرف التفاصيل    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    الجيش الباكستاني: مقتل 9 مسلحين خلال عمليتين أمنيتين بإقليم "خيبر بختونخوا"    بعد الهجوم على منى زكي.. حمزة العيلي يوجه رسالة للجمهور: أنتم سندنا ومحدش فينا خالِ من العيوب    القومي للمرأة ينظم فعالية «المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء» بحديقة الأزهر    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    استشهاد فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال الإسرائيلي لبيت لاهيا    مواعيد مباريات اليوم السبت 6- 12- 2025 والقنوات الناقلة    أدوار متنوعة ومركبة.. محمد فراج يحقق نجاحا مختلفا في 2025    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    وزير الري يتابع أعمال حماية الشواطئ المصرية للتعامل مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعوبُ العربيةُ بينَ الاستقرارِ الآمنِ والربيعِ القاتلِ
نشر في شموس يوم 21 - 12 - 2020

في الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع موجة الربيع العربي، التي بدأت في تونس يوم أن أقدم المواطن التونسي محمد البوعزيزي على إشعال النار في نفسه يوم السابع عشر من شهر ديسمبر/كانون أول عام 2010، ومنها انتقلت شرارتها الملتهبة إلى مصر وليبيا، واليمن وسوريا، وبدرجةٍ أقل إلى المغرب والبحرين، وأخيراً إلى لبنان والسودان، التي تعلم المتأخرون فيها كيفية التعامل مع الجمهور بحكمةٍ وحذرٍ، وامتصاص نقمته والتخفيف من غلواء غضبه، والاستجابة السريعة إلى بعض مطالبه، الأمر الذي جنب بعضهم ويلات الربيع المدمرة ونتائجه الكارثية، التي ربما ما توقعها المشاركون فيه، ولعلهم لو كانوا يعلمون خواتيم حراكهم ونتائج ثوراتهم ما كانوا ليخرجوا إلى الشوارع والميادين متظاهرين، مطالبين بالحرية والديمقراطية والإصلاح ومحاربة الفساد، ثم بتغيير الأنظمة ومحاكمة الرؤساء ومساءلة الحكومات.
بعد عشرة سنواتٍ من بداية الحراك الشعبي، وانطلاق شرارة الربيع العربي، يقف المواطنون العرب من مختلف الأقطار، يتساءلون بحيرةٍ واضطرابٍ وخوفٍ وقلق، عن أحوالهم التي وصلوا إليها، وأوضاعهم التي صاروا فيها، وعن المآلات التي ما كانوا يتمنونها أو يحلمون بها، فحراكهم لم ينجح، وثوراتهم لم تكتمل، وتضحياتهم لم تقدس، وشعارتهم لم تطبق، ومطالبهم لم تلبَ، ولا شيء مما كانوا ينادون به قد تحقق، ولو أن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه قبل الحراك لربما سكتوا ورضوا.
ذلك أن الربيع العربي أورثهم خراباً ودماراً، ودماً وحروباً، وهجرةً وشتاتاً، وضياعاً ولجوءً، وذلاً وهواناً، وعسفاً وظلماً، وقهراً واستبداداً، وكبتاً وسجناً، وعذاباً وحرماناً، وفقراً وجوعاً وحاجةً وسؤالاً، وأخيراً ردةً وخيانةً، وتطبيعاً واعترافاً، واتفاقاً مع العدو وتسليماً له، وانقلاباً على القيم وتخلياً عن الثوابت، وكفراً بالحقوق العربية وعدواناً على المقاومة الفلسطينية.
تعترف الشعوب العربية بسلامة مقاصدها، وحسن نواياها، وصدق حراكها، ووطنية ثوراتها، وولاء أبنائها، وإخلاص أهلها، فقد كانت تتطلع إلى بعض الحرية والرخاء، وإلى السترة والكرامة، وإلى الأمان والاستقرار، وإلى الشفافية والنزاهة، والديمقراطية والحوكمة، وقد شهد لها العالم بحقها في الثورة، وصادق على شرعية مطالبها وعدالة مضامينها.
لكنها وبعد عشرة سنواتٍ من الحروب الدامية، والفتن المستعرة، والخراب المتواصل، والمستقبل المجهول، والشتات المستمر واللجوء المذل، وجدت نفسها تحط في محطاتٍ أخرى، وتصل إلى مرافئ غير التي كانت تخطط أن ترسو فيها، بل إن حريتها النسبية التي كانت قد سلبت، وكرامتها المحفوظة التي سادت قد هدرت، ورزقها البسيط الذي كان مكفولاً قد ضاع، ومستواها المعيشي الميسور الذي عاشت فيه ردحاً من الزمن قد تدنى وانهار.
يتساءل أبناء الشعوب العربية جميعاً، أيهما أولى وأهم، الحرية أم السلامة، لقمة العيش أو الجوع، الوطن أو الشتات، البيت أو الخيمة، البناء أو الخراب، السلام أو الحرب، الأمن أو الخوف، فقد أجبرتهم نتائج الربيع العربي على التفكير بهذه الطريقة، لا يأساً من مقاصد الربيع العربي وأهدافه، ولكن يقيناً من سلوك السلطات وردود فعل الأنظمة، وتدخلات الأجنبي، وتعمد تلويث الحراك وتغيير مساره، وحقنه بأمصالٍ غريبةٍ مشبوهةٍ، وتبديل هويته الوطنية بأخرى أجنبية، واستبدال أجندته المشروعة بأخرى ارهابية، وتدخل القوى الدولية وأجهزة المخابرات العالمية في جسم الحراك وأوساط المتظاهرين، لتمرير متطلباتهم وتحقيق أهدافهم، التي تتناقض بالكلية مع أهداف الوطن وغايات المتظاهرين المطالبين بالحرية والإصلاح والديمقراطية.
لكننا لو سألنا الشعوب العربية اليوم بعد عشرة سنواتٍ من النكبة التي أصابتها، والزلزال الذي حل بأوطانها، والخسارة التي منيت بها في الأرواح والممتلكات، والطامة الكبرى التي زعزعت استقرارها، وقضت على طمأنينة البال لديها، ودمرت مستقبلهم وقضت على آمال الأجيال القادمة فيهم، هل تعودون إلى الثورة على أنظمتكم، وتطالبون بإسقاطها وتغييرها، وتصرون على الحرية والعدالة، وعلى الإصلاح والمحاسبة، سنجد أن أغلبهم يصر على صوابية حراكهم الأول، وشرعية مطالبهم الوطنية، وأنهم على استعداد لخوض التجربة من جديد، ولكن بعد أن يتخلصوا من كل العيوب التي شابت، والأخطاء التي وقعت، وفي المقدمة منها التدخلات الخارجية والمؤامرات الأجنبية المكشوفة.
وفي الجانب الآخر من الأزمة فإن الأنظمة العربية التي صمدت وقاومت، وتلك التي راوغت واحتالت، أو خضعت واستجابت، أو استبدلت وتغيرت، فإنها تدرك أنها لن تقوى أبداً على مواجهة شعوبها، ولن تستطيع قهرها وكبت حريتها ومصادرة حقوقها، وهي وإن استقرت أنظمتها، ودانت لها بلادها، وخضعت لحكمها شعوبها، فإن المستقبل لن يدوم لها، ولن تقبل الشعوب أبداً باستمرار حكمها واستبداد أنظمتها وتغول أجهزتها وعمق دولتها.
فقد تغير العالم كله وتبدل، وطغت وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرت، وتعولمت المعلومات وفتح الفضاء، فلم يعد من السهل على الأنظمة حجب الحقائق ومنع تسلل الوقائع، كما لم تعد قادرة على إغلاق الحدود وكم الأفواه وسمل العيون وصم الأذان، فالثورات كما أمواج البحر تتابع وتتتالى، وتستمر وتواصل في كل الظروف والأوقات، ولن تنتهي أبداً ما بقي الزمان واستمرت الحياة.
لن تقبل الشعوب العربية بواقع الذل والهوان وإن شبعت، ولن تسكت على الظلم والعدوان وإن أمنت، ولن تفرط في الحقوق والمكتسبات وإن اكتفت، بل ستبقى تواصل ثورتها وتصر على حراكها، وإن بأساليب أخرى وأشكالٍ مختلفة، قد لا يكون العنف أحدها أو القوة أداتها، ولكنها لن تقبل أن تستنوق أو تخدع، أو تقاد وتوجه، ولا أن تكون حصان طروادة لمتآمرين على أوطاننا وشعوبنا، وأعداء لأمتنا وديننا، يمررون من خلال مطالب الشعوب المحقة ما يريدون.
فما يريده المتآمرون على أمتنا ليس فيه الخير لنا ولا المنفعة لشعوبنا، فعيونهم وقلوبهم على الكيان الإسرائيلي، يبحثون عن أمنه واستقراره، ويتطلعون إلى تشريعه وبقائه، وأمتنا العربية الحرة لا تقبل بحراكٍ يقود إلى اعترافٍ بالعدو وتعاونٍ معه، وتشريعٍ له وبقبولٍ به، ولا تقبل بحراكٍ يخلق أنظمةً جديدة الشكل مكررة الرؤية والفلسفة، مرتهنة للغير وأجيرةً عند الأجنبي، تعمل له وتخدم أهدافه، لتسدد له فاتورة البقاء وثمن التثبيت والاستقرار، بل يتطلعون إلى وطنٍ حرٍ كريمٍ، مقدرٍ محترمٍ، يعيش أبناؤه بعزةٍ ويتمتعون فيه بالكرامة.
بيروت في 21/12/2020


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.