أصدر قطاع الفنون التشكيلية فى مصر برئاسة الدكتور صلاح المليجى كتاب تذكاري توثيقي ونقدي، عن الفنان المصري محمد رياض سعيد (1937 – 2008)، من يتضمن مجموعة من الدراسات والمقالات المهمة عن الفنان وأسلوبه وأعماله، من بينها دراسة للفنان والناقد التشكيلى الدكتور ياسر منجى، وكتابات أخرى بأقلام مجموعة من النقاد والباحثين والصحفيين المصريين البارزين، إضافة لعدد من الصور النادرة لأعماله وسيرته الذاتية. وحول سريالية رياض سعيد قال رئيس قطاع الفنون التشكيلية الدكتور صلاح الميلجي: أستطاع الفنان محمد رياض سعيد - أحد رواد السريالية في الحركة الفنية المصرية - على مدار أكثر من 40 عاماً ، أن يخط لنفسه نهجاً مختلفاً في مساره السريالي، فقد كانت أعماله تهتم بالشكل والمضمون معاً مما جعل منه أحد الفنانين الكبار القلائل الذين نجحوا في سبر أغوار الخيال وإقتحام المجهول وتصوير الفانتازيا والجموح في عالمه اللاشعوري لينقل المتُلقي إلى عوالم لم يرتادها من قبل .. وأضاف: لقد كانت مدرسة رياض سعيد لا تنفصل عن الواقع الأصيل في قضاياه وهمومه مما أكسبها وجوداً قوياً في ضمير ووجدان جمهور الحركة الفنية التشكيلية المصرية مكنته من إبراز رسالته والوصول بها بإيجابية لجمهوره .. رحم الله فناننا العظيم الرائع محمد رياض سعيد أحد المبدعين المصريين الذين أسهموا بفيض عطاءهم في الإرتقاء بمكانة الحركة الفنية المصرية والحفاظ على ريادتها . وأضاف رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض الفنان أحمد عبد الفتاح : ما أعظم أن تُتاح الفرصة لإنسانٍ أن يوفى من يُحب قدره وقيمته لديه ، ولم أكن أتخيل أن أكون هذا الشخص الذى يُنعم عليه القدر بهذه الفرصة العظيمة لرد ولو جزء يسير من فضل واحد من عظماء الفنانين المصريين الذين شرُفت بالتتلمُذ على يديهم أمثال حامد ندا، زكريا الزينى، أحمد نبيل... وبالطبع الفنان الكبير محمد رياض سعيد.. حيث كان لى عظيم الشرف فى مُشاركة أسرة الراحل الكبير محمد رياض سعيد للإعداد لهذا المعرض الخاص به والذى كان فى طور التجهيز له فى أواخر لحظات حياته ولم يمهله القدر، ولعل هذا ما سيجعلنا نشاهد بعض الأعمال غير المكتملة أو غير الموقعة... وكم تتملكنى مشاعر السعادة لكونى اليوم بموقع المسئولية التى ومن منطلقها تجاه الحركة الفنية وفنانيها العظام ومن هم فى حجم الفنان محمد رياض سعيد قد مكنتنى من الوفاء ولو بجزء بسيط تجاه أستاذى الكبير وعظيم عطاءه لى ولآخرين كُثر.. أستاذية عارمة خارج حسابات الشهرة: أشار الدكتور ياسر منجي إلى أن الفنان محمد رياض سعيد وُلِد في 28 أكتوبر عام 1937 بالقاهرة، وتوفي في 7 مايو من عام 2008 . وخلال فترة الواحد والسبعين عاماً الحافلة التي عاشها «رياض سعيد »، شهدت حياته الفنية الثرية عدداً من المحطات المهمة، التي يؤدي الإلمام بها إلى استكمال سيرته الفنية والحياتية على نحوٍ لا انفصام فيه. وقال: في مستهل حياته الفنية تقدم «رياض سعيد » لاختبارات القبول بالمعهد العالي للتربية الفنية للمعلمين بالروضة، وذلك في أكتوبر من عام 1959 ، حيث قضى فيه 3 أشهر، قبل أن يُقبَل دارساً بقسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، التي حصل منها على درجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف عام 1964 .. وخلال فترة دراسته بالكلية تتلمذ «رياض » على عدد من أبرز المصورين المصريين؛ كان من أقربهم إلى قلبه كل من: حسني البناني 1912 - 1988 ، وحسين بيكار 1913 - 2002 ، وعبد العزيز درويش 1918 – 1981 ، وعز الدين حمودة 1919 – 1990 ، وممدوح عمار من مواليد عام 1928 ، الذين استفاد من خبراتهم استفادة كبيرة، وبخاصة «بيكار » و «حمودة »؛ إذ ظهر تأثير أسلوبيهما جلياً في طابع أسلوبه التصويري المتأنق، الذي يُعنى عناية فائقة بدقة التفاصيل وكمال التنفيذ ومهارة الصنعة التصويرية، ويعتمد في المقام الأول على التمكن الاحترافي من أساليب الرسم والتلوين، وفق أصول النهج الأكاديمي، وهو ما استمر معه ليشتهر به طوال حياته الفنية، مطوعاً إياه لمقتضيات جموح الخيال السريالي، في خلطة شديدة الخصوصية، صارت شفرته البصرية السرية، وطابعه الذي ميّزه عمن عداه من أساطين السريالية في المحترَف المصري. وقد بدا عمق تأثير «عز الدين حمودة » على «رياض » في بداياته المبكرة، وبخاصة في مشروع تخرجه، الذي دار حول فكرةٍ سَبَق وأن عالجها الرائد أحمد صبري 1889 – 1955، من خلال لوحته الشهيرة «الراهبة »، التي عرضها في معرض باريس الدولي عام 1929 ، والمفقودة حالياً في خضم سلسلة من الوقائع الملتبسة وعلى الرغم من استعادته لموضوع لوحة «صبري » في مشروع تخرجه، لم يتعدّ تأثُر «رياض » بأستاذ أساتذته حدود الفكرة المجردة، في الوقت الذي أتى فيه انشغاله بتجويد الأداء ناضحاً بافتتانه بأسلوب أستاذه «حمودة »، ففي حين تبدو راهبة «صبري » متشحة بوقار التقشف الزاهد، تأتي راهبة «رياض » مزدهية برونق التأنق الذي سبق وأن اشتهر به «حمودة »، غير أنها تُظهِر – من جانب آخر – اتجاهاً مبكراً ل «رياض » صوب السريالية؛ من خلال معالجته لخلفيات اللوحات التي تتكون منها مجموعة المشروع، فظهرت في إحداها خلفية لأرضية منظورية، استفاد فيها ولا شك من شيوع مثيلاتها في أعمال كثير من أساطين السريالية الغربية، تبدو فيها بلاطات الأرضية وكأنها طافية في الفراغ، بفعل قوة غير منظورة تشدها صوب الأعلى، لتغيب في غياهب ظُلمة لا تعبأ بوحشتها الراهبة المغمورة في بؤرةٍ من ضوءٍ رفيقٍ ناعم.