حسنا ً فعل الرئيس مرسي عندما توجه فى أولى رحلاته الخارجية إلى كل من الصين وإيران .. هو بهذا أنهى عهد التبعية المصرية للولايات المتحدةالأمريكية ودشن سياستنا الخارجية المستقلة التى تهدف إلى التوازن فى علاقاتنا بكل من الشرق والغرب متوخية تحقيق مصالح مصر فى جميع الإتجاهات .. تختلف هذه السياسة بالطبع عن سياسة المخلوع / حسنى مبارك التى حصرت العالم – من وجهة نظره – فى كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا .. كان المخلوع يصر على حصر علاقاتنا الخارجية بهذه الدول الخمسة فقط حتى لو كان ذلك ضارا ومدمرا بمصالح مصر الخارجية التى قد تتحقق فى أماكن أخرى من العالم . بدأ مرسي خطابه فى إيران بالتأكيد على أنه مسلم سنى .. صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رغم انزعاج الإيرانيين البالغ من ذكر إسم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه .. أكد على الحقوق المشروعة للشعب السورى المسلم الشقيق فى إسقاط نظام بشار الأسد الطاغية وإختيار حكامه بحرية وديمقراطية دون إرهاب ولا ترهيب .. كما أكد على حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة فى الحصول على دولته المستقلة وجلاء المحتل الإسرائيلى عن أراضيه التى ضمنتها له قرارات الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية .. أظهر خطاب مرسي ضعفا ً خطيراً لدى النظام الإيرانى الذى اضطر لتغيير كلمات الرئيس مرسي عند الترجمة مما فضح النظام أمام شعبه .. فإذا كان النظام بهذا الضعف أمام كلمات رئيس ضيف لن يجلس فى البلد أكثر من ست ساعات .. فماذا يستطيع أن يفعل النظام أمام المطالبات والإستحقاقات الحقيقية من شعبه عندما يثور ضد الظلم ؟ على أن الرئيس مرسي لم يكن (عدائيا ً) أمام المصالح المشروعة للنظام الإيرانى .. بل لقد دافع عن الحقوق الإيرانية المشروعة فى الحصول على الطاقة النووية ذات الإستخدام السلمى .. مشددا على أن التحول فى إستخدام هذه الطاقة من الإستخدام السلمى إلى الإستخدام العسكرى يعد تهديداً مباشراً لأمن الخليج الذى يعد جزءا ً رئيسيا ً من المصالح الإستراتيجية العليا لأمن مصر القومى . اختلط الأمر على البعض وظنوا ما فعله الرئيس مرسي مقدمة لصراع سنى / شيعى فى الشرق الأوسط ، ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق .. فمصر فى النهاية سنية المذهب شيعية الهوى كما يقال .. بل إن الإيرانيين يصرون على فتح أبواب السياحة الدينية لهم فى مصر لإشتياق الإيرانيين الجامح لزيارة أضرحة آل البيت المدفونين فى مصر .. بل إن مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة فى العالم السنى التى أقرت تدريس المذهب الجعفرى الإثنا عشرى جنبا ً إلى جنب مع مذاهبها السنية الأربعة الرئيسية (الشافعى والمالكى والحنفى والحنبلى) فى أزهرها الشريف . إن ما حققه الرئيس مرسي من هذه الزيارة إلى إيران هو تدشين "سياسة خارجية أخلاقية" جديدة فى الشرق الأوسط .. سياسة تقوم على المبادىء والأخلاق لا على المنافع والمصالح .. بهذا فهو قد ناصر الإيرانيين فيما يراه حقا ً مشروعاً لهم (أقصد بهذا الطاقة النووية السلمية) .. أما عندما يتخذ الإيرانيون موقفا ً عدائيا ً ضد الحقوق والمصالح العربية المشروعة ، فقد وقف لهم الرئيس مرسي بالمرصاد وأراد أن يردهم عن سلوكهم الخاطىء (وأقصد هنا موقف النظام الإيرانى المساند لنظام الطاغية السوري بشار الأسد) .. وكأنى بموقف الرئيس مرسي يمثل تطبيقا مباشرا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يأمرنا فيه أن ننصر أخانا ظالما ً أو مظلوما ً .. فسأل الناس عن معنى نصرة الأخ وهو ظالم .. فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ننهاه عن الظلم . كل ما نريده من الرئيس مرسي هو سياسة خارجية جديدة قادرة على إحداث التوازن فى علاقاتنا بالشرق والغرب وتحقيق المصالح المصرية وحمايتها فى منطقة حوض وادى النيل وفى كافة المناطق الأخرى من العالم .. وأعتقد أن الرئيس مرسي – بما فعله فى إيران – قادر على تحقيق مثل هذه السياسة الخارجية المنشودة .