الأغنيات المرافقة: فيروزيات هي جيوس في بلدتي جيوس أصحو من نومي مبكراً أبكر من المعتاد، فليس هناك أجمل من صحو مبكر على صوت هديل الحمام وزقزقة العصافير، صياح الديكة وثغاء الأغنام في ريفنا الجميل وبلدتي الخضراء جيوس، وإن كان نهيق الحمير يشوش سمفونية العزف الطبيعية، وفي كل يوم جولة سريعة بين أشجار الزيتون التي تملأ المنطقة، وبين أشجار الليمون والبومل والحمضيات وغيرها في البستان الجميل، تزيل من الذهن أي تشويش وتنعش الروح بالجمال والصدر بالهواء النقي، وأحيانا عند ابنة عمتي أم عزمي أتناول إفطاراً طيباً من خبز الطابون مباشرة من الطابون للمائدة، مع حبات الزيتون والجبنة البيضاء الشهية والزعتر، وكأس من حليب النعاج الطازج، ويفوح علينا عبق زهر الليمون. https://youtu.be/5MG2WyRkO4I هي جيوس بلدتي الجميلة والتي لم أراها أول مرة إلا عام 1965 حين كنت في العاشرة من عمري، وبعدها حصلت هزيمة حزيران وغادرنا رام الله إلى عمَّان مكرهين بحكم الاحتلال، فتمكنت من زيارتها مرة أخرى في عام 1995 بعد ثلاثون عاما من المرة الأولى، وصرت أتردد عليها كلما سمح لي الوقت بعد أن عدت لرام الله وسمح لي الوقت في 1998 حتى انتفاضة الأقصى، حيث بقيت في رام الله مكرها بسبب الاحتلال ولم يتاح لي معانقة جيوس حتى صيف 2008م، ومنذ 2017 اعتدت أن أقضي فيها موسم الشتاء وبعض من الربيع كل عام بعد أن رممت وكن مع حديقة غنّاء أقيم فيها فترات حضوري. هذا العام قضيت فيها الشهر الأول من العام وغادرتها أربعون يوما وعدت من جديد ولم أتمكن من السفر بسبب إغلاق المعابر بسبب ظروف الجائحة العالمية، فقضيت الوقت ولم أزل في جيوس أجول بها كل يوم متمتعا بالمشي السريع والعدسة ترافقني كل يوم تقريبا في الهواء النقي بين حقول الزيتون وسحر الأرض والطبيعة، مرات لوحدي ومرات مع صديقي الأستاذ سامح سمحة في الأراضي الزراعية حيث الجمال وجهود السواعد السمراء وبيارات حوت كل ما لذ وطاب ومتعة للناظرين. إضافة لهذا الجمال الباهر والساحر كنت أتمتع بمأكولات تراثية بعضها كنت أعرفه من قبل وبعضه تعرفت إليه من جديد، فجاراتي الرائعات كما المربية بوران خالد “أم العبد” عرفتني على “الجعجورة” وأساسها نبتة اللوف التي كنت لأول مرة أتذوقها، وكذلك اللوف المطبوخ بالحوس بالزيت والبندورة، كما تناولت من تحت أياديها وأيادي العزيزة سحر ” أم فراس” وأيادي ابنة عمتي الحاجة أم عزمي أرغفة الزعتر الأخضر بالزيت البلدي، وأبدعت اختنا العزيزة أم سامح بوجبات الرشتة وكما يسميها البعض “رقاق عجين وعدس” فالتهمتها مرتين بمعنى كلمة التهام، فهذه الوجبة أصبحت نادرة وذكرتني بأمي وبجدتي لأمي سارة رحمهما الله وذكريات طفولة حلوة لا تنسى، إضافة لوجبات أرغفة الزلابية على الحطب والتي كنت أحضر إعدادها لأول مرة على أيادي الحاجات بنات عمتي عزية أم مروان ونعيمة أم عزمي والمرحومة نظمية أم محمد رحمها الله و”كراديش” الطحين والعدس الشهية والتي لانعرفها بالمدن، فتمتعت بين تصوير الإعداد عبر مرتين وبين الأكل بشهية، وتمتعت بالتعرف على نباتات برية لم أكن اعرفها من قبل مثل السيبعة والخس البري وغيرها. هذه جيوس البهاء والسناء والحكايات التي لو تفرغت لكتابتها سأحتاج لمجلدات وليس مقالات عابرة حيث شعرت كم فاتني بغربتي الطويلة الاجبارية عنها من جمال وبهاء، فيكفي حجم التكاتف الاجتماعي فيها في ظل الظروف الحالية، وتطوع الشباب عبر ساعات اليوم كاملة بلا مقابل لحماية البلدة ورعايتها فكانوا كما قلت عنهم أسود جيوس وحراسها، ويكفي مداعبتي لأصدقائي الأطفال بكل الحب محمد ورفيف ولين أبناء الفنان جهاد الجيوسي، وفراس وتيماء أبناء ابن ابنة عمتي مروان. وللحديث بقية…