التراث ثروة حضارية وثقافية تراكمت عبر القرون لأي حضارة و يعتبر التراث العمراني الشاهد المادي على تلك الحضارة ومحصلة لتراكم الأفكار والخبرات وتضاعفت في الآونة الأخيرة الجهود حول أهمية الاستثمار المستدام بشكل عام وأهمية الاستثمار المستدام في التراث العمراني بشكل خاص، لذا يهدف هذا البحث إلي إلقاء الضوء على دراسة العلاقة بين الاستثمار المستدام والتراث العمراني والوصول إلي استراتيجيات التعامل معه .التراث العمراني يعد الجانب المادي من التراث الحضاري الذي يعد شاهدًا حيًا على العمران وارتباطه الوثيق بالبيئة المحلية والعادات والتقاليد المتوازنة وهو يعبر بصدق عن الإرث الاجتماعي والثقافي والحضاري ويعكس عمق التفاعل الإيجابي مع الظروف المناخية والبيئة السائدة ومواد البناء المحلية . ويعبر مفهوم التراث العمراني عن مجموعة المباني والمنشآت التي نتجت من العلاقة بين المباني والمحتوي والبيئة التي استمرت وأثبتت أصالتها وقيمتها في مواجهة التغير المستمر عبر العصور إلى أن أصبحت هي السجل الحي والمرجع البصري الذي يجسد مجموعة القيم والعلاقات في المجتمع ،فالتراث العمراني هو تتابع لتجربة وقيم حضارية واجتماعية ودينية بين الأجيال وتولدت عنها معان وقيم وهوية عمرانية ،أو هو مجموع المباني والتشكيلات والتكوينات العمرانية التي استمرت وأثبتت أصالتها وقيمتها في مواجهة التغير المستمر وتوفر لها نتيجة لهذا القبول العام والاحترام. فشواهد ومعالم التراث المعمارية المتجسدة في المباني والمدن التاريخية والمواقع الأثرية تمثل الرمز المادي الذي يجسد تاريخ الأمم وتراثها الحضاري وعمرانه بأبعاده التاريخية والثقافية والجمالية والفنية المؤثرة في الشعوب التي تستقي منه الأجيال ثقافتها وخصائصها وانتمائها الحضاري مما يعزز هويتها الثقافية . فللاستثمار المستدام مفهومه ليس بالمفهوم الحديث فقط ظهر الاهتمام بهذا المفهوم في الحضارات القديمة وذلك من خلال الأعمال التجارية التي تهتم بالنواحي الاجتماعية والبيئية ،وبشكل عام لا يوجد تعريف واضح وثابت لهذا المفهوم ،وذلك بسبب اختلاف وجهات النظر على مر العصور،ويمكن الوصول إلي تعريف شامل لمفهوم الاستثمار المستدام من خلال التطرق إلي تعريف مفهوم الاستدامة من جهة والاستثمار من جهة أخري ثم التطرق إلي تعريف مفهوم الاستثمار المستدام وتطوره عبر الزمن. نماذج للبيوت الأثرية بمدينة القاهرة التي طبقت مناهج مختلفة للاستثمار المستدام في التراث العمراني منها بيت “زينب خاتون” هو بيت أثري قديم يقع خلف الجامع الأزهر،وكانت “زينب خاتون” أحدي خادمات “محمد بك الألفي” الذي أعتقها فتحررت وتزوجت أميًرا يدعي “الشريف حمزة الخربوطلي” ولأن “زينب “تزوجت أميرًا فقد أصبحت أميرة مثله وأضيف لقبًا إلي أسمها وهو خاتون أي المرأة الشريفة لذا أصبح اسمها “زينب خاتون”وهذا البيت كانت قد شيدته الأميرة “شقراء هانم حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون “أحد سلاطين المماليك واشتراه منها “الشريف حمزة “لزوجته “زينب خاتون “لذا عرف باسمها وكانت آخر من سكنته قبل أن يضم إلي وزارة الأوقاف المصرية والتي قامت بتأجيره للعديد من الشخصيات كان آخرهم قائد عسكري بريطاني إبان فترة الاحتلال البريطاني لمصر وحاليًا يستخدم كمزار أثري. ومن تلك النماذج أيضًا “بيت السنا ري”وهو بيت أثري يقع في نهاية “حارة مونج “ب”السيدة زينب” أنشأه “إبراهيم كتخدا السنا ري” أحد أثرياء القاهرة وهو من أهالي “دنقلة “ب “السودان “وجهزته ” مكتبة الإسكندرية” ليكون مركزًا ثقافيًا كبيرًا وبيتًا للعلوم والثقافة والفنون ،ويهدف المشروع إلي إحياء المجمع العلمي المصري القديم الذي أسسه “نابليون بونابرت” في هذا المنزل حيث أنجز فيه مائتي عالم فرنسي “موسوعة وصف مصر” الشهيرة. ومن تلك النماذج أيضًا “بيت الهراوي” أحد البيوت الأثرية القديمة يطل على منزل “زينب خاتون” بشارع “محمد عبده” بالأزهر ويجاوره منزل “وقف الست وسيلة” أنشئ على يد “أحمد ابن يوسف الصيرفي” وينسب إلي الطبيب “عبد الرحمن باشا الهراوي” وهو آخر من آلت إليه ملكية هذا البيت ،ويستخدم البيت الآن كمزار أثري تنطلق منه الاحتفالات الثقافية والفنية.