( الغزل الجاهلي ) بسم الله الرحمن الرحيم . الحب عاطفة انسانية ثابت في القلوب والانفس مالئ الارواح والافئدة لا يغادر قلوب البشرية بل يشغلها ويمليها حبا وشوقا ويعتبر اساس العلاقة الروحية بين الذكر والانثى قال تعالى : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) سورة الروم الاية \ 21 . وهذه المودة هي السبيل الى المحبة والرحمة التي جعلها الله تعالى اساسا للعلاقة الزوجية . والغزل هو الحب ذاته و الانسان العربي عرفه منذ فجر تاريخه مثل بقية الاقوام في العالم بل هو اشد عاطفة وشوقا فقد كان شغوفا لطيفا، سمحا كريما، والشعراء اكثر الناس احساسا وشوقا وحسا وتاثرا لذلك فقد ظهر ذلك فيما وصلنا من الشعر الجاهلي، حيث شفَّت مقدمات قصائد الشعراء عن لوحات فنية غزلية عذبة شذية، فيها من الرقة والانس ما يوحي ان العرب وضعوا المرأة في مكان متميز ومرموق على الرغم مما كان من شأنهم من الوأد ( لاحظ كتابي في الادب الفن – المرأة في الشعرالجاهلي ) فالوأد – مع قلته- يعود لاسباب كثيرة منها :خوفهم الفقر او العار. الا ان ما ورد في شعرهم، وفصيح قولهم، يدلل على أن القوم تجاوز شعراؤهم هذه النقيصة وتغنوا بالحب الشوق و ذاقوا لوعة العشق وعرفوا مرارة العشق،وتشربت أفئدتهم شذى نسيم الهوى، فبكوا في حبهم وغرامهم واطالوا المكوث على الاطلال ، حتى كان الوقوف عليها عندهم لازمة من لوازم ابداعهم الشعري . شعر الغزل تربع على عرش الفنون الشعرية في كل العصور فقد بدء في العصر الجاهلي او قبله وتكاد لا تخلو قصيدة من الغزل حتى وإن لم يكن الغزل الغرض الأساس فيها فلا بد للشاعر ان يذكر الغزل في مطلع قصيدته، واقتصرت أغلب القصائد الغزلية على وصف الجمال الخارجي للمرأة كجمال الوجه ومفاتن الجسم وكانوا يتفننون بوصف هذا الجمال لكنهم قلما تطرقوا إلى وصف ما يترك هذا الجمال من اثر في عواطفهم ونفوسهم . وقد نشأ من هذا التاريخ الطويل الحب للمرأة والتشوق بمحاسنها، ووصف نفسيتها، ورصد ملامحها ومداراتها ما بين صد ووصل وبذل وبخل، وجرأة وحياء ، فن من فنون الشعر العربي، هو الغزل. ولقد نما هذا الفن وترعرع، لأنه وجد بيئة خصبة لنضج الإبداع، فالعرب في تلك العصور كانوا يبيحون أن يتحدث الرجال للنساء والنساء للرجال، وكانت أماكن اختلاط الرجل بالمرأة كثيرة ومتعددة، فهما يلتقيان في المرعى والسهر، وفي التزاور والاستسقاء وفي الحج والمعارض، وفي أسواق الأدب، فتنة درج العواطف بينهما من الإعجاب، إلى الحب و الغرام. هناك تشابه كبير بين تعاريف الغزل والنسيب والتشبيب وتمازج وتقارب حتّى أنّ المؤرخين وكذلك النقاد اختلفوا على تعاريفها فمنهم من قال إنّها بمعنى واحد، ومنهم من اقر باختلافها مع صعوبة التفريق بينها. وقد جعل الغزل في العصر – في الاغلب – خاصّاً بذكر الأعضاء الظاهرة في المحبوب، ثمّ في وصفها وفي مدحها أيضاً، بينما جعل النسيب خاصّاً ببثّ الشوق والهوى وتذكّر ماضي الأيّام الخلية بهم ، وتمنّي التمتّع السائق الى اللهو. أمّا التشبيب فقد توقفوا عنده لما فيه من اضطراب في المعالم؛ ففي تاج العروس عُرّف التشبيب أنّه ذكر أيّام الشباب واللهو والغزل و الغزل في الشعر الجاهليّ يكاد يكون قليلا لو قارنا بينه وبين ما قيل في الفخر والمدح وامور الحياة الاخرى ، وتعود قلّته لأسباب كثيرة منها: اولا – وجود الحجاب : فقد كانت المرأة محتجبة في الجاهلية لا يظهر منها إلا وجهها وأجزاء قليلة من جسمها، كما كانت متسترة دائماً داخل خدرها، لا تخالط الرجال الأجانب. ويستدل على ذلك بقول امرئ القيس: وبيضة خدر لا يرام خباؤها. وقول الأعشى: لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ولا ترى الشمس إلا دونها الكلل ( والكلل : ستر ينصب على الهودج) منها الى الان تستعمل الكلل – واحدتها ( كلة ) ستر لا تزال تستخدم اثناء النوم فوق أسطح المنازل في المناطق الريفية لحماية النائم من الناموس وغيره او للستر فيه ليلا . وقول عنترة: رفعوا القباب على وجوه أشرقت . . فيها فغيب السّهى في الفرقد القبة: غرفة مستورة السّهى: نجم ضئيل النور جدا الفرقد: نجم القطب الشمالي شديد النور وبهذا يكون قليل من الرجال ينعمون برؤية النساء من غير أقاربهم وهذا احد اسباب قلّة الغزل في الشعر الجاهليّ اما السبب الثاني فهو تضايق العرب في الجاهلية ( وحتى الان ) ونفورهم من ذكر أوصاف نسائهم في الشعر التي تتناقلها الألسن والرواة. يتبع امير البيان العربي د. فالح نصيف الحجية الكيلاني (عن كتاب- الغزل في الشعر العربي عدد صفحاته\ 486 صفحة طبع ونشر دار دجلة ناشرون وموزعون عمان- الاردن