“البوح العاشر” ما أن أنهينا المرور من أطراف حارة الحبلة حتى كنا نزور صبانة النمر برفقة د. لينا شخشير منسقة برنامج جولتي في نابلس والسيدة د. مها النمر مضيفتنا في جولتنا في مصبنة النمر وقصر آغا النمر وحارة الحبلة، ومرافق رحلتي الأستاذ سامح سمحة الذي رافقني من جيوس في أكثر من جولة في الوطن بسيارته الخاصة، وما أن أطللنا على صبانة النمر حتى وقفت أتأمل المبنى العريق من الخارج، وأستذكر صابونة النمر في طفولتي والتي كانت الوالدة تفضلها مع صابونة الجمل للاستحمام قبل أن نعرف الكهرباء وكنا أطفالا نستحم بما كنا نسميه (لجن) الغسيل على مقعد خشبي صغير كنا نسميه (المفرمة أو اللوح) والمياه تسخن في صفيحة على (بابور الكاز)، فكان الاستحمام عقوبة أسبوعية لنا الأطفال وخاصة حين يتسلل الصابون لأعيننا. https://youtu.be/GL8vaNcpEK0?list=UU1kkkjaSfY8r6eeVncNj4kQ مبنى مصبنة النمر مكون من طابقين من الحجر الصلب، وهو يعتبر حديث نسبيا كما حارة الحبلة نسبة لحارات ومباني نابلس التراثية التي تعود لمئات الأعوام، ولهذا نلاحظ أن المصبنة تقع في زاوية حارة الحبلة، وحين دخلناها كانت المصبنة تحت الصيانة في الطابق الثاني الذي يتم فيه سكب الصابون بعد طبخه على الأرض ليجف ويقطع ويختم بخاتم المصبنة، وفي الطابق الأول الذي ما زال يحافظ على ذاكرة التاريخ شاهدنا الجرن الكبير الذي كانت تشعل النار تحته في غرفة سفلية تعرف باسم بيت النار حيث يتم طبخ الزيت مع نبتة (القلي) حتى يصبح صابونا لزجا فيتم فرشه في الطابق الثاني حتى يجمد ويتم تقطيعه وتغليفه. الطابق الأول مبني على نظام العقود المتصالبة ذات القواعد الضخمة كما مباني نابلس التراثية، وهو بُنيَ كي يكون صبّانة لآل النمر وما زالت وقفا لهم، فالصبّانات بشكل عام كانت صفة اجتماعية للعائلات الثرية إضافة إلى أن الصابون النابلس هو صناعة تعود لقرون عدة وحسب المصادر التاريخية بين 800 إلى 1000 عام، وقد تحدث شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري “المقدسي” الذي عاش في القرن العاشر الميلادي عن صناعة الصابون النابلسي، ولكن لا بد من الإشارة أن نابلس كانت تشتهر بالنسيج من ضمن 3 مدن فلسطينية، وأن الصابون تألق كثيراً بصناعته بعد أن أَفَلتْ صناعة النسيج، ولكن هذه الصناعة بدأت بالتراجع بعد زلزال 1927 والضرائب التي فرضت عليها فيما بعد حتى قل عدد الصبانات العاملة والمنتجة من أكثر من 30 صبانة إلى 3 مصابن حسبما علمت أثناء جولاتي في نابلس، وكما كل الصبانات التي زرتها سواء العاملة أو التي توقفت عن الإنتاج فقد شاهدت الأوعية الضخمة التي كان يصنع الصابون فيها فوق بيت النار الذي كانت تشعل النيران فيه، إضافة للأدوات التي كانت تستخدم في عملية الإنتاج إضافة لبئر الزيت الذي كان يحتفظ فيه بزيت الزيتون النقي لكي يصنع الصابون الأبيض الذي تميزت به نابلس.