تعتبر صناعة الصابون من أقدم وأعرق الصناعات التي تشتهر بها مدينة نابلس، الواقعة بشمال الضفة الغربية، ذات التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي المؤثر والفعال في حياة الشعب الفلسطينيوالمدينة الأشهر في العديد من الصناعات الوطنية الفلسطينية التي لاتزال تحتفظ بمكانتها برغم كل الظروف القهرية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على هذه المدينة تحديدا كونها مدينة صناعية في المقام الأول منذ بداية تاريخ دولة فلسطين . وتشتهر مدينة نابلس بوجود مساحات واسعة من أراضيها، حيث تنتشر أشجار الزيتون ويوجد بها أيضا معاصر عتيقة للزيتون والذي يستخدم مختلف المواد الناتجة عنه في صناعات عدة ومن بينها صناعة الصابون النابلسي الذي ينتج في مكان تصنيع يعرف باسم “,”المصبنة“,”، ويرجع تاريخ بعضها إلى أواخر القرن التاسع عشر . فعندما تسمع كلمة النابلسي، يرد في ذهنك شيئين؛ مدينة نابلس الشهيرة بفلسطين، والصابون الذي عرفته أجيال متعاقبة داخل فلسطين وخارجها وكان تصر على استخدامه برغم التطور الكبير في صناعة مواد العناية الشخصية والجمال، فمع اختلاط الحابل بالنابل في صناعات المواد التجميلية الحديثة، التي لا يمكن معرفة المكونات التي تدخل في صناعتها ومدى تأثيرها على جسم الإنسان وتكون في الاغلب منتجة من شحوم حيوانية أو زيوت صناعية، ينصح الكثيرون من أهالي فلسطين وخاصة السيدات باستخدام هذا الصابون، حيث يؤكدون أنه الأفضل على الإطلاق في علاج مشاكل البشرة وتحسين مظهرها وكذا تجميلها . ويتم تصنيع الصابون النابلسي من زيت الزيتون والماء والملح ورماد نبات “,”الشيح“,” (كمادة قلوية)، وقد استبدل استخدام المادة القلوية فيما بعد بمادة هيدروكسيد الصوديوم، ومن ثم يتم خلط المزيج في أوعية نحاسية سمكية وعلى درجات حرارة عالية لتتم عملية التصبن . وبعد اكتمال عملية التصبن، يترك هذا المزيج المتصبن لتخف حرارته ومن ثم يتم فرده على مساحات واسعة على الأرض حتى يتماسك للغاية وبعدها يتم تقطيعه يدويا في شكل قطع الصابون المعروفة، ولا تزال هذه الصناعة حتى الآن تتم بطريقة تقليدية ويدوية بحتة بدون تدخل أي ماكينات حديثة في عملية التصنيع، وبالإضافة إلى ذلك تتم عملية التغليف أيضا بطريقة يدوية وهو الأمر العجيب للغاية الذي يمكن مشاهدته في إحدى مصانع أو شركات الصابون الشهيرة بمدينة نابلس وهو “,”مصنع حافظ وعبدالفتاح طوقان“,”، حيث يقوم العامل بعملية تغليف ل 1000 قطعة صابون تقريبا في الساعة . وهناك أربعة أنواع مختلفة في الشكل واللون والاستعمال، ففي البداية أنتج الصابون الأبيض المصنوع من زيت الزيتون الصافي، ثم أنتج فيما بعد النوع الأخضر الذي يتم فيه استعمال المواد الناتجة عن عصر الزيتون، والنوع الثالث وهو الصابون الناعم الذي ينتج عن طحن الفتات المتبقي من جوانب الصابون بعد عملية التقطيع، أما النوع الرابع وهو الصابون المعطر ويصنع من بقايا الصابون الأبيض الناتجة عن عملية التقطيع، حيث يتم بشره وإضافة أصباغ وزيوت عطرية وإعادة عجنه وتصنيعه في شكل كرات باليد . وقد تناقلت المرأة الفلسطينية عبر العصور استخدام الصابون النابلسي لتحافظ على جمال بشرتها، ورغم اختلاف الأزمنة، إلا أن المرأة الفلسطينية لا تزال تضع الصابون النابلسي على قمة هرم مواد التجميل والتي نقلته بدورها إلى العالم العربي . ومن المعروف جيدا أن المرأة في فلسطين تحب وتفضل استخدام الصابون النابلسي الأصلي لأنه ينعم الشعر ويفتح البشرة ويرطبها، وتجد النساء المتقدمات في العمر يفضلن استخدامه عن أي منتجات أخرى حديثة يتم تداولها في الأسواق حاليا . ويعد مصنع طوقان من أشهر واقدم مصانع الصابون بنابلس، حيث تم تسجيل هذا المصنع لإنتاج الصابون شكل قانوني في السجلات الفلسطينية عام 1929 على أطراف مدينة نابلس القديمة التي أصبحت الآن وسط مدينة نابلس، وهو مملوك الآن لورثة الأخوين حافظ وعبدالفتاح طوقان، ولكن العمل الفعلي بهذا المصنع بدأ منذ عام 1872 أي أن تاريخه يعود إلى ما يقرب من 140 عاما . ويقول مدير المصنع نائل القبج “,”إن الصابون الذي نقوم بتصنيعه، وهو النوع ذو اللون الأبيض المصنوع من زيت الزيتون 100 بالمائة، يستخدم في أغراض الاستحمام والغسيل معا وكان الأطباء منذ بداية انتشاره ينصحون به المرضى لعلاج بعض الأمراض الجلدية وتجميل البشرة “,”. ويضيف “,”إن منتجات هذا المصنع كان يتم تصديرها إلى العديد من الدول العربية كالأردن ومصر ولبنان وغيرها منذ فترة السبعينات، بالإضافة أيضا إلى أننا نقوم بالتصدير إلى دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وسويسرا“,” .. مشيرا إلى أن المصنع بصدد التصدير إلى الولاياتالمتحدة قريبا، ومن أشهر الماركات التي يقوم بإنتاجها هذا المصنع هي “,”صابون المفتاحين“,” و“,”صابون السيفين“,” و“,”صابون الشاكوشين “,”. ويقول القبج “,”إن تصنيع الصابون النابلسي في هذا المصنع يتم وفق معايير معتمدة لدى مؤسسة المواصفات القياسية الفلسطينية، وكذلك الجمعية العلمية الملكية الأردنية، ولذلك حصلت منتجاتنا على شهادات جودة وهو أمر غير معهود وعلامة فارقة بالنسبة لتاريخ الصناعات التقليدية. ويشير القبج الى أن أنتاج المصنع في السابق وصل الى 650 طنا سنويا، ولكن بعد الانتفاضة الأولى والثانية وفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي لقيود على التحركات من خلال الحواجز وتفتيش الشاحنات وتعرض البضاعة للتلف، انخفض الإنتاج بمقدار النصف تقريبا ليصل إلى 300 طن سنويا ويتم تصدير ثلثي الكمية إلى الأردن والباقي يسوق محليا . وأعرب عن مخاوفه من اندثار هذه الصناعة، حيث تفتقر إلى الدعم الحكومي الذي يقلل من قدرتها التنافسية مع السلع الأخرى، ناهيك عن عملية الاستيراد غير المضبوطة والتي تكون بجودة أقل من الذى ينتج محليا . وطالب مدير المصنع، الحكومة الفلسطينية بتحمل مسئوليتها تجاه تلك الصناعة وحمايتها من الصناعات الأجنبية المنافسة لها، وفرض قوانين على استيراد الصابون أو أي صناعة أخرى من الخارج من أجل حماية ودعم الصناعة المحلية، وعليها منح أي صناعة حوافز معينة سواء ضريبية أو غيرها، أو حتى إعفاءها من اجل دعمها واستمرار وجودها . ويقول أحد العاملين بمصبنة أخرى تدعى مصبنة “,”كنعان“,” إن صناعة الصابون في فلسطين وفي مدينة نابلس بالذات التي تشتهر به مهدد بالاندثار، فعلى سبيل المثال، نابلس كانت تصدر قبل 15 سنة للأردن ومنها إلى الخارج ما بين 3-4 آلاف طن سنويا، واليوم حوالي ثلث تلك الكمية لا يصدر للخارج، بالإضافة إلى اضمحلال مصانع الصابون في المدينة . وعلى مدار تاريخها، ضمت مدينة نابلس وحدها أكثر من 30 مصبنة بعدها قل العدد إلى 12 مصبنة ومن ثم إلى خمس مصابن واليوم بقيت ثلاث مصابن فقط، وهو إشارة خطيرة إلى اندثار هذه المهنة العريقة والتاريخية والصحية من المدينة، بالإضافة إلى قلة الإقبال عليه رغم أن الدول الأوروبية حاليا تتجه إلى استخدام المواد الطبيعية البعيدة عن مكونات شحوم الحيوانات والزيوت الصناعية . ولذلك، فالمعوقات المادية المتمثلة في قلة أرباح هذه الصناعة نتيجة قلة الإقبال عليها، والمعوقات الاقتصادية الناتجة عن فقر التسويق لهذه الصناعة وعدم القدرة على دعمها من جانب الحكومة، بالإضافة إلى المعوقات السياسية الكثيرة وأهمها الحواجز وعدم حرية التنقل والحركة سواء بين المدن أو لتصديرها إلى الخارج يهدد بانقراض هذه الصناعة العتيدة التي كان من شأنها أن تكون أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني . / أ ش أ /