الطابور كان وسط السيارات.. سور متحرك يحل أزمة فناء مدرسة ورورة بالقليوبية    فقرة إنشادية خلال فاعليات الإطلاق الرسمي لمبادرة "صحح مفاهيمك" بالعاصمة الإدارية    75 شهيدًا و304 مصابًا خلال يوم واحد    الكرملين: بريطانيا من أبرز الداعمين لاستمرار الحرب في أوكرانيا    الشرع يتوجه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة    استمرار غياب مرموش.. تشكيل مانشستر سيتي المتوقع امام ارسنال بالدوري الإنجليزي    "الاتفاق تم مع منصور".. شوبير يكشف تطورات مفاجئة حول ترشح الخطيب للانتخابات    إجراءات جديدة من السكة الحديد مع بدء العام الدراسي    جولات ميدانية واستعدادات موسعة بالمنيا لانطلاق المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل    "أكرو مصر" تبرر أسباب رغبتها في الشطب الاختياري من البورصة    مصطفى جاد: أدوات المائدة المصنوعة من الستانلس ستيل تتحول من الاستيراد إلى التصدير    وزير الاتصالات يتوجه إلى الولايات المتحدة لبحث توسيع آفاق التعاون    وزير الإسكان يُصدر 7 قرارات إزالة لمخالفات بناء بمدينة السادات والساحل الشمالي الغربي    وكيل «تعليم بورسعيد» يشهد أول طابور صباحي بالعام الدراسي الجديد (فيديو)    «بونبوني وهدايا تذكارية».. وكيل «تعليم دمياط» يشارك التلاميذ فرحة أول أيام العام الدراسي الجديد    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين للجيش (المستندات المطلوبة)    وزير الإنتاج الحربي يستقبل السفير الباكستاني للتعاون في مجال التصنيع العسكري والمدني    فرنسا تؤكد: أندورا ستعترف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة غدا الاثنين    وزيرة خارجية فلسطين: لا سيادة لإسرائيل على أرض دولتنا ويجب إنهاء الإحتلال    وكيل تعليم الشرقية يمازح مدير مدرسة النصر بالقنايات بسبب تأخر تسليم الكتب    أعز من الولد ولد الولد.. جدة تصطحب حفيدها للحضانة بأول أيام العام الدراسي بكفر الشيخ    فيريرا يدرس منح المغربي معالي فرصة المشاركة أساسيا في تشكيل الزمالك    مانشستر سيتي ضد أرسنال.. كل ما تريد معرفته موعد والقنوات الناقلة وتاريخ المواجهات    "الغضب يزداد من هلال".. الغندور يفجر مفاجأة حول مدرب الأهلي الجديد    مشتريات المصريين والأجانب تدعم ارتفاع مؤشرات البورصة في المنتصف    الداخلية: إجراء قانوني ضد سائح صيني ادعى طلب شرطي بمطار القاهرة رشوة لإنهاء إجراءات سفره (فيديو)    السجن 5 سنوات لمتهم باستعراض القوة وإحراز سلاح ناري بسوهاج    «سرقوها وسيحوها».. قرار جديد بحق المتهمين بسرقة الأسورة الذهبية من المتحف المصري    مبادرات الداخلية تكرّس الثقة.. خدمات رسمية للمرضى فى مواقعهم    من اليوم.. الداخلية تعدل اشتراطات الحصول على رخصة قيادة السيارة - مستند    في دورة الثامنة.. مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما يُكرِّم عبدالعزيز مخيون    مي كمال الدين تكشف لأول مرة تفاصيل زواجها من أحمد مكي: استمر 3 سنوات ولم يكن سرًا (فيديو)    محاولة صلح فاشلة.. قرار عاجل من المحكمة بشأن مدربة الأسود أنوسة كوتة    ختام الورش المجانية في كتابة السيناريو بمهرجان بورسعيد السينمائي    ياسمينا العبد تصل إلى الأقصر لتصوير فيلمها كان ياما كان مع نور النبوي    طريقة صلاة كسوف الشمس 2025 كما ورد عن النبي.. موعدها وعدد ركعاتها    المدرسة القرآنية بقرية البعيرات تحتفل بتوثيق ختام القرآن الكريم.. فيديو وصور    انطلاق معرض تراثنا 4 أكتوبر القادم بمركز مصر للمعارض الدولية    وزير الصحة يلتقي ممثلي مركز «نينغبو» للباثولوجيا الإكلينيكية التشخيصي بالصين    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: مدينة الدواء «جيبتو فارما» أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن    صور | مشروعات خدمية وحملات موسعة بالوادي الجديد    موعد مباراة أولمبيك مارسيليا ضد باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي والقنوات الناقلة    مواقيت الصلاة في المنيا اليوم 21 سبتمبر 2025.. كيف تعرف أوقات الصلاة بدقة    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس| هل يظهر في مصر؟.. خبير يوضح    طالبان: الاتفاق على إعادة قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان إلى الولايات المتحدة مستحيل    وائل جسار يعيش انتعاشة غنائية شتوية بين لندن وباريس والمغرب وأمريكا    دواء إتانيرسيب لعلاج السكتة الدماغية: دراسة تكشف الحقيقة الكاملة    المؤسسة الخيرية لمصرف أبوظبي الإسلامي تفتتح مدرستين جديدتين في قنا والأقصر    موعد أذان الظهر ليوم الأحد ودعاء النبي عند ختم الصلاة    حزب المؤتمر يطلق خطة متكاملة لإدارة حملات مرشحيه في انتخابات النواب    أمين الفتوى يوضح أوقات استجابة الدعاء    ب22 هدفًا.. ميسي هداف الدوري الأمريكي    الكرة الذهبية 2025.. لماذا يُترقّب محمد صلاح ودور ديمبلي؟    ترامب مطالبا بمقاضاة خصومه: حاكموني مرتين ووجهوا ضدي 5 لوائح اتهام    «أغلى من الياقوت».. مي كمال تكشف تفاصيل علاقتها بأحمد مكي وترد على الشائعات    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 21 سبتمبر 2025    إياك وتداول الشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 21 سبتمبر    لم يزره أحدًا منذ أيام.. العثور على جثة متحللة لموظف في شقته بالبحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرئي واللامرئي في لوحات الفنان إبراهيم شلبي
نشر في شموس يوم 18 - 11 - 2018


بقلم: د. / شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق
ملحوظة : كنت بصدد أن اكتب قراءة عن الفنان المبدع / ابراعيم شلبي ، لكن بعد ما كتبه استاذنا وناقدنا القدير د . / شاكر عبد الحميد ، رُفعت الأقلام وجفت الصحف ..
" س ج "
سوف تتجلى لنا للوهلة الأولى، ومن النظرة الأولى، إلي أعمال الفنان إبراهيم شلبي، تلك الطاقات الهائلة التي تكشف عن نفسها وتبرز في كل لوحة من لوحاته بل وفي كل تفصيلة من تفاصيل كل عمل من أعماله.
وهناك حضور واضح للجسد الإنساني في تلك الأعمال، لكنه حضور ينم أيضا عن الغياب، إنه حضور يشي و يومئ إلى ما يوجد هناك، في أعماق ذلك الجسد، أو حيث توجد تلك المحبة الهائلة للحياة، وتلك الرغبات القوية في الوجود الحي المتجدد وفي الحرية، والبهجة والفرح والشعور بالسعادة، إنها سعادة تحاول الشخصيات اقتناصها أو الحصول عليها، على الرغم من ضيق الحياة وقلة الفرص، إن ذلك يتجلى كله في حركات اليدين و الأقدام التي تتسع وتمتد في الحيز المكاني حتى تكاد أن تحيط بالعالم كله، إن هذه هي حريتها، التي أدركتها خلال انطلاقها الحر في الماء، وبين أمواج البحر
وأثناء السير على الماء، وكذلك خلال الرغبة في التحليق في الهواء، هنا، في هذه الأعمال، فرح حقيقي لا يستطيع شخص أن يمنعه عن تلك الشخصيات، أو يحرمها منه، هنا الحضور الخاص للجسد وهنا أيضا الحضور بالجسد، هنا وجود الشخص بمفرده وهنا وجوده مع الآخرين، وانه لوجود حقيقي حر يكاد يصل بصاحبه أحيانا إلي عنان السماء، حيث تتحرك الشخصيات وتتحرر من الجاذبية الأرضية، ومن ضيق الحال، وتنطلق في آفاق الخيال، وقد لا يظهر وجوه الشخصيات أحيانا ورؤوسها في اللوحة, لكن ما تعبر عنه الساقان أو الذراعان أو الجذع يفوق في بلاغته كل ما قد تقدمه الملامح كلها أو الرؤوس.
أن تكون حراً في عالمك الخاص البعيد النائي، أن تكون وحدك في الطبيعة، تمشي في الماء أو تجري على اليابسة، أو تحمل طفلا ا و ان تسير بجوار صديق أو زميل، او ان تمشي علي الشاطئ متأملا ومتفكراً، أن تستلقي مستريحاً، أو تكون وحدك، أو تكون مع الآخرين، أن تعيش الحياة وأن تكون حراً، وأن تفرح بوجودك الخاص وبعالمك الصغير والكبير خلال الوقت نفسه، وأنت تكون أنت أنت لا أحد غيرك ,هذا هو فقط قليل من بحر تلك المعاني والدلالات كلها التي تحاول أن تقولها لنا لوحات الفنان إبراهيم شلبي.
أنها لوحات تومئ أكثر مما قد تشير، ترمز أكثر مما قد تعلن، أو تصرح، تعطي بالجزء أموراً تفوق ما قد يتم التقاطه من خلال الكل ومن خلال نزعة تأثيرية واضحة وكذلك تدرجات للازرقات والبنيات وبعض تدرجات اللون الأخضر وغيرها من الألوان، الفنان يقول لنا هنا أموراً قد تفوق ما قد تقوله “بالته” ألوان كاملة، إنه عالم يقوم علي أساس الخفاء والرمز أكثر مما قد يقوم علي أساس التجلي أو الوضوح.
إنه عالم يتكئ على تموجات البحر، وانعكاسات الضوء على سطحه وأمواجه وأفقه وكذلك الحياة الموجودة فوق مياهه، وفي أعماقه، وعلى شاطئه، وفي قلب الإنسان الذي يحيا بداخله أو على شطآنه، إنه عالم جديد وطازج، وكأننا لم نره من قبل، إنه أيضا، عالم صامت ومتكلم، واضح وغامض، معتاد و ملغز، فيه سكون وسكينة لكنه مفعم أيضا بطاقات هائلة من الحركات والتموجات والضجيج المكتوم الذي يكاد أن ينفجر، أو يتفجر، حيوية وحياة وبهجة ومحبة.
لا يقدم لنا إبراهيم شلبي في هذا المعرض الجسد الإنساني في حركاته وانطلاقاته وحريته وفرحه بالحياة فقط، بل يقدم لنا أيضا ذلك اللامرئي الموجود خلف هذا المرئي، وذلك الخفي الموجود خلف هذا الجلي أو المشاهد، إن بحر إبراهيم شلبي هو بحر نعرفه، لكنه أيضا يبدو لنا وكأنه بحر نراه لأول مرة، إنه بحر يشع ضوءاً، وشفافية ورقة ورهافة، وحرية، وتجدداً وانطلاقاً، وحركية، ورحابة، وحيوية لونية، وقد انعكس ذلك كله على أعماق الشخصيات التي توجد داخل هذا العالم، فسارت مثله، فوق سطحه، أو بجوار شاطئه، وهكذا امتدت الأيدي في الحيز المكاني المحيط بالجسد وهكذا تمددت السيقان أيضا وطالت ونعمت بحرية لا تجدها أبداً بعيداً عن ذلك البحر الجميل.
كان سيزان يقول: “إن الطبيعة في الداخل” والطبيعة هنا، لدي إبراهيم شلبي، موجودة في الداخل، أي مفردات الطبيعة نفسها، وموجودة في داخل الشخصيات الموجودة في هذه الطبيعة ذاتها، وموجودة أيضا في داخلنا،
نحن الذين نشاهد هذه الأعمال الجميلة ونعجب بها ونتوحد معها.
هكذا تجلت في لوحات إبراهيم شلبي قوة الإدراك الحسي ومهارة الذكاء الانفعالي، وهكذا ظهرت لديه أيضا تلك الوحدة المزدوجة القوية التي تجمع، في آن واحد، بين النفس والجسد، بين الطاقات الروحية والغرائز الطبيعية، بين حياة الطبيعة وطبيعة الحياة، بين الآنا المتجسد والعالم الواسع الأزلي الخالد الكبير.
وهكذا تحققت لديه أيضاً كل المبادلات أو التفاعلات التي أشار إليها الفيلسوف الفرنسي ميرلو بونتي، في بعض كتاباته، بين الحضور والغياب، بين المرئي واللامرئي، بين الوجود واللاوجود.
مائة وأربعون لوحة حاولت أن تحتوي عالم البحر فاحتواها، هكذا انسكبت أمواجه وعوالمه و طاقاته الخفية والجلية بداخلها، إنه البحر رمز الحياة والموت، وإنه لرمز مزدوج يتعلق بالماء، الذي هو بدوره رمز مزدوج قد يرتبط بالعذوبة، وقد يرتبط بالملوحة، قد يرتبط بالتدفق، وقد يرتبط بالجفاف والغرق، كما أنه يرتبط أيضا بالانتقال من مكان إلى مكان، وبالأسماك وحيويتها ودلالاتها الرمزية المتعددة، المرتبطة بالخصوبة والتوالد والتجدد وقوة المياه كأصل للحياة. إنه وجود يتجلى ويفيض على كل شئ، فمن الماء يخرج كل شئ حي، ومن الماء والطين شكل خنوم اله الخصوبة وخالق البشر والنباتات والحيوانات في الميثولوجيا الفرعونية القديمة الحياة وقام بتجديدها. وعلى البحر هناك رمال وبشر، الرمال رمز للتعدد والكثرة، للكل الموجود ضمن شاطئ واحد، كتجسيد للنقاء والطهارة، للرطوبة والجفاف، للشمس المنعكسة بأضواء وظلال على الأرض. أما البشر فموجودون في حالات انفعالية واجتماعية شتى تكشف عنها زوايا أجسادهم ومنحنياتها وكذلك تفاعلاتهم مع البحر ومع الحياة ومع بعضهم البعض.
هكذا قدم لنا الفنان إبراهيم شلبي البحر ومكونات الطبيعة والحياة والبشر بألوانها وأشكالها وتصميماتها وزواياها وحركاتها الخاصة، وبكل ما تحتوي عليه من طاقات لونية وتكوينية مشعّة استطاعت، من خلالها، أن توقظ في عين الفنان وكذلك وعيه ولاوعيه وخياله ووجدانه فجسدت معادلات داخلية كانت بمنزلة الصيغ الجسدية لحضورها، وقد توحد الفنان هنا مع كل ما رسمه ومع كل من رسمه، ومن ثم فقد استطاعت هذه الصيغ والحالات الجسدية أن تثير بدورها مرئيات وماهيات جسدية وخيالية وجمالية لديه، أصبحت موجودة داخله وموجودة في لوحاته خلال الوقت نفسه.
هكذا تم الوجود بالجسد ومن خلال الجسد وتم الوجود بالخيال ومن خلال الخيال فأصبح عالم هذا الفنان يجسد، في كل لوحة ذلك الحضور الخاص للجسد في العالم، وللعالم كذلك في الجسد، للعالم من حيث هو حركة ومن حيث صور وتكوينات ومشاهد ثرية ومن حيث هو إدراك أيضاً ومن حيث هو خيال ومن حيث هو جمال، موجود في الطبيعة وفى البشر وفى الحياة، وقد أدرك الفنان إبراهيم شلبي ما هو لامرئي في ذلك كله ثم قدمه لنا في أعماله هذه، أي جعله مرئياً لنا في كل لوحة وهكذا جمع في أعماله أيضا بين ما هو مرئي ولا مرئي أيضا، وذلك لان كل لوحة من هذه اللوحات تستثير بدورها بداخلنا رغبات ورؤى وأحلام لا تنتهي وهي أحلام تتوجه نحو كل ما هو جميل وكذلك نحو كل ما هو جليل وممتع ودال في هذه الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.