العولمة .. هذا المصطلح الناعم القاتل الذى اقتحم عالم الناس وجعلهم يرددونها بسعادة كمكتسب ثقافى يلوكونه ولا يدركون كنه حقيقته وخطورته ..وأنها كلمة عجيبة غريبة خادعة ماكرة مغلفة بالنعومة السياسية ..هذه الكلمة أصبحت كلمة بسيطة وسهلة يتداولها الناس بسهولة ويسر فى كل مجالات الحياة وصارت أسهل وأيسر من كلمات مصطلحات السياسة والإقتصاد وأضحت فى متناول الجميع حتى الأطفال.. تذكرتنى بالسياسة الأمريكية الماكرة بعد الحرب العالمية الثانية فيما اصطلح عليه بالحرب الثقافية الباردة التى أستخدمتها فى الحرب على روسيا ونظامها الشيوعى – حين أرادت القضاء عليه - عندما بدأ فى التمدد والإنتشار فى بعض دول العالم من خلال مختلف المواد الثقافية فى الفنون والآداب بمختلف أشكالها فى المسرح والشعر والقصة والرواية والتشكيل وغير ذلك .. ولاشك أنها قدرة تتسم بالذكاء الذى يمكنها من تنفيذ ماأرادت خاصة بعد خسائر الحرب ولم ترد تكرارهذه الخسائر فى حربها مع النظام الشيوعى .. لكن صك مصطلح العولمة جاء فى حقيقة الأمر كمحاولة جديدة من النظام الامريكى الرأسمالى البراجماتى والاوروبى أيضا الذى يدورفى الفلك الأمريكى عسكريا واقتصاديا والإسرائيلى الصهيونى بهدف السيطرة على دول العالم الثالث باختراق أدمغة كائنات هذا العالم وخاصة ناس قارة إفريقيا وعلى وجه الخصوص الدول العربية والاسلامية فى هذه القارة المتخمة بالخيرات التى لاتستطيع التعامل معها بصورة تحقق الخير لأصحاب هذه الثروات .. يأتى كتاب (فخ العولمة) لمؤلفيه بيترمارتن وهارالد شومان و ترجمة الدكتور/عدنان عباس على ومراجعة الدكتوررمزى زكى والصادر فى سلسلة عالم المعرفة الكويتية ..يأتى هذا الكتاب المهم ليدق جرس إنذار لفقراء العالم وللحكومات المستكينة للنعومة والمظهرية والمنافع الشخصية محذرا من أن هذه العولمة ليست الطريق إلى الجنة .. وإنما هى البوابة القريبة جدا إلى الجحيم المقيم الذى سيدخله النظام المصرى الظالم الطاغى .. وأن هذه العولمة إذا لم نفطن إلى مخاطرها فسوف تكون أيضا حياة جحيم للقادمين من رحم الغيب .... وحتى ينبه المؤلفان الناس إلى مخاطرهذا المصطلح فيعرفانه فى مجال من مجالاتها المختلفة فى السياسة والثقافة والإعلام .. ويأخذان مجال الإقتصاد .. يقولان : العولمة فى مجال الإقتصاد بكل قنواته وأوضاعه تؤدى الى المنافسة ..أى تخلق صراع الكبار فى السيطرة الدولية على مصادر الإنتاج والأسواق .. أوقل تكتسب المعنى الحرفى لمفهوم المنافسة .. وهناك توصيف لمعنى هذه المنافسة هو ما نطلق عليه (المنافسة المعولمة) كما يقول المؤلفان فى كتابهما المشترك ( فخ العولمة) كما وصفاها أيضا وصفا دقيقا أنها أى- العولمة - تعنى العلاقات التى تطحن الناس طحنا .. وانها تدمر التماسك الإجتماعى وتعمل على تعميق التفاوت فى توزيع الدخل والثروة بين النا س .. يرى المؤلفان أيضا أن مروجى قيم العولمة لقضية تلازم العلاقة بين الديمقراطية والسوق فيها السم فى العسل .. وأن العلاقة بينهما متلازمة لايفترق إحداها عن الأخرى ..حيث يريان أن الديمقراطية تتطلب السوق وأن السوق يتطلب الديمقراطية .. كما يعتقدان أيضا أن ديمقراطية العولمة تنحاز بشكل مطلق إلى الأغنياء وأنها المسئولة الآن عن كثير من مظاهر التوترات الإجتماعية المتصاعدة فى مختلف مناطق العالم ( مثل العداء للأجانب فى الدول الصناعيةالمتقدمة.. وتهميش الفئات المستضعفة وما ينجم عن ذلك من آثار.. نمو النزعة الشوفينية المتعجرفة والأنانية لدى الأغنياء وأصحاب القرار .. التظاهرات والإعتصامات والإحتجاجات الجماهيرية .. مقاطعة الإنتخابات.. نمو الجريمة ..العنف وانتشار المخدرات وغير ذلك من المخاطر التى تؤثرفى نموالمجتمعات وتجرها جرا إلى الوراء.. إذن وبهذا الوضع فإن العولمة تعتبر نشاطا أو توجها مدمرا لفكرة العدالة الاجتماعية التى هى صلب أهداف الغالبية العظمى من الفقراء ومحدودى الدخل ومن لايملكون الحيلة نتيجة الضعف الثقافى أولا والرغبة فى تغيير الواقع السياسى والإقتصادى الذى يحقق مصالحهم ثانيا .. الدراسة تشيرأيضا إلى أن 20% من السكان فى هذا القرن هم الذين سيتمكنون من الحصول على عمل يضمنون به الحصول على دخل يمكنهم من العيش فى رغد وسلام ..وأن الباقين وهم 80% ويمثلون باقى النسبة فسيصبحون من البشر الفائضين عن الحاجة ( يعنى سقط المتاع ) .. وبالتالى لن يتمكنوا من العيش الكريم ..وسوف يعيشون بالكاد من خلال الإحسان وتبرعات وأعمال اهل الخير .. والسؤال الذى ينبغى طرحه هو: ماهو الوضع إزاء هذا التطورالذى حدث ويحدث الآن فى أوضاع العمال والطبقة الوسطى ومختلف الشرائح الإجتماعية محدودة الدخل ؟ .. يرى الكاتبان أن مايسمى بدكتاتورية السوق والعولمة .. وعلى ضوء مايروج له منظروها من أفكارومقولات وسياسات دأب هؤلاء المنظرين على إطلاق تعميمات ذات طابع غير ديمقراطى وشمولى وغير مبرر علميا .. يقولون مثلا : إن مراعاة البعد الإجتماعى واحتياجات الفقراء أصبحت عبئا لايطاق فما معنى هذا ؟ .. أعتقد أنه لاتفسير لذلك غير عدم الإكتراث بأحوال هؤلاء الفائضين عن الحاجة وأنهم لن يزيدوا عن كونهم عبيدا فى خدمة أسيادهم ولا يستحقون أكثر من ذلك.. وهذا يدل على أن عصر العبيد قادم قادم إذا لم يتحد فقراء العالم فى مواجهةهذا المد العنصرى البغيض.. يقول المؤلفان أيضا أن الاقتصاد الدولى ما بين عامى 1960 الى 1980 كان عصرا ذهبيا الى حد ما بالمقارنة بالفترة التى عاشها العالم الأن منذ بدء ما يسمى بتاريخ العولمة والتى يؤكدان على أن عام 1980 هو بداية تعامل المجتمعات مع ما يسمى بالعولمة . وبرغم ما صحب هذه العولمة من تطبيل وتزويق ودعاية من جانب الليبراليين أصحاب الدعوة الى العولمة من قبيل القائمين على صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات المالية العالمية الكبيرة فان الواقع يقول بتراجع المستويات المعيشية لمجتمعات العالم الثالث . وعلى سبيل المثال فقد تراجع معدل نمو حصة الفرد الواحد فى أمريكا اللاتينية من 78 % عام 1960 الى 8 % عام 1980 .. ولاحظ الفرق هنا . كما أن افريقيا على وجه الخصوص كانت أكثر القارات تضررا حيث انخفض معدل نمو نصيب الفرد من الدخل القومى من زائد 39 % الى ناقص 14 % اى نصيب الفرد الواحد قد انخفض بمقدار 14% فى العشرين عاما التى انتهى بها القرن العشرين .. وبالنسبة للدول العربية فحصة الفرد الواحد لم تتغير فى المتوسط الا بالكاد فى نفس الفترة .. مع العلم انها كانت قد ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف فى الفترة ما بين 1960 الى 1980 إذن فإن العولمة بهذه الرؤيةالتحليلية تأتى وبالا على ماأسميه غيظا( كائنات ) العالم الثالث .. ومعذرة عن هذا التعبير القاسى وإن كان هذا العالم قد أتته فرصة ذهبية ممثلة فى الثورات العربية التى إن لم يحسنوا إستغلالها بكل القوة والعزم والحسم فإن مستقبل هؤلاء الناس فى خطر داهم وستأكلهم هذه العولمة بلا رحمة ..فإن النسبة التى أشارت إليها الدراسة لاتعنى عند الأغنياء والأقوياء غير ذلك .. وإذا لم تتنبه الطبقتان الفقيرة والمتوسطة إلى هذا .. فلن يجدوا غير الأعشاب إن وجدوها وبقايا أطعمة الأثرياء فى صناديق قمامتهم ليضمنوا استمرارهم فى الحياة .. هناك سؤال مقترن بصورة أوأخرى بهذا الموضوع أود طرحه فى النهاية ..هل ما تحياه البشرية الآن قد يكون إرهاصا بقدوم أوإقتراب النهاية قريبا ؟؟؟..التقدم العلمى المذهل يومئ إلى ذلك .. فحذارى ياأهل العولمة وأخواتها من لحظة خاطفة تأتى بغتة لاتبقى على شئ أو تذر .... محمد خليل