بعد إجهاد يوم طويل عادت من العمل إلى حي المعادى الهادىء حيث تقيم وضعت مفتاح شقتها بالباب وأغلقته بإحكام وتأكدت من وقع تلك الطرقات الثلاثة على أذنها لتطمئن إلى إحكام القفل – نظرت إلى ساعة الحائط المقابلة أمام باب شقتها فوجدتها التاسعة مساء كالعادة – وضعت ما بيدها من أشياء على المنضدة التي تتوسط صالة الاستقبال – أسرعت لفتح جهاز التلفاز الذى يبث لها ما يجرى من أحداث على مدار اليوم بالإضافة لميزته الثانية انه البديل الوحيد لما يسمى ( بونس الكلمات ) بادرت بفتح جهاز الكمبيوتر الخاص بها وهو الوسيلة الثانية لما يسمى ( بالونس الانسانى )وأيضا نافذتها الكبيرة على العالم ونافذة العالم على ما تبثه من أفكار ومشاعر نابضة عبر الكلمات . دخلت إلى حجرتها واستبدلت ملابسها وأسرعت إلى مطبخها لإعداد كوب من الشاي الذى عادة ما يعقبه أكواب أخرى على مدى ليلها الطويل الذى لا يمر عليها بسهولة . عادت مرة ثانية لحجرة نومها لتأخذ إحدى الروايات من صف الكتب الكثيرة والمتنوعة الموضوعة بجانب سريرها استعدادا لمطالعتها ثم اتجهت لمرآتها لتخلع خاتم الزواج من إصبعها فقد اعتادت أن تفعل ذلك كل يوم تضعه فى إصبعها فى الصباح وتخلعه عند عودتها فما أن وضعته من يدها ونظرت فى المراة فوجدتها ناظرة إليها ------- شابة نضرة الوجه رشيقة القوام شعرها كليل اسود طويل هادئة الملامح تجاوزت ا لثلاثين من العمر . اعتادت أن تراها دائما كل ليلة هادئة مطيعة صامتة كهدوء الليل غير ساخطة ولا مطالبة إياها بشيء فهما توأم لا تعترض احداهما على الأخرى ولكن لأول مرة بلهجة لوم وعتاب قالت لها انتظري قليلا يا أنت : هل انتهيت من طقوسك اليومية الرتيبة ؟ هل قمت بخداع الجميع بوضع هذا الخاتم الذهبي فى إصبعك ؟ هل استمتعت كثيرا اليوم بكلمات أصدقائك وأساتذتك عن وقارك وفهمك وعقلك النابه ؟ * ردت عليها بتعجب : هل أنت غاضبة منى يا أنا ؟ أبعد كل هذا العناء والتعب والصراعات التي لا تنتهي تلومينني ؟ قاطعتها فى حدة ولوم : نعم ألومك ؟ فكل ما تفعلينه لأجلك أنت وليس لأجلى أنا • صرخت فيها : كفى يا أنا لا تتكلمين معي هكذا – عم تتحدثين انظري حولك – شاهدي ما أعددت لأجلك وحدك هذا البيت الذى لا يشاركنا فيه احد صنعته لأجلك أنت وهذه المكتبة الكبيرة التي أخذت من عمري ووقتي الكثير رتبتها وصنفتها لأجلك أنت • الأصدقاء والأساتذة الذين عنهم تتحدثين بسخرية هكذا كلهم إعجابهم بك أنت • أصارع ليل نهار فى العمل كي ترتدي أشيك الثياب وتتحلى بأجمل الأفكاروتأخذى منزلتك وسط الجموع بعزة وكبرياء --- وبعد ذلك تلوميني . • صنعت منك ملاكا يمشى على الأرض وبعد ذلك تلوميني • ويحك يا أنا --- لم انتظرهذا الجفاء منك ردت عليها أنا بحدة وغضب –( ملاك ) –تقولين انك صنعت منى ملاكا يا لا سخرية القدر ورددت بصوت يشبه الهمس – نعم ملاك ولكنه ملاك بلا قلب . مندهشة : تقولين بلا قلب . أنا باكية : نعم بلا قلب – أين مشاعري فى قائمة حساباتك ؟ أين احساسى فى طابور مهماتك ؟ أين احتياجي لرجل يملا ادنياى ويمنحني أعظم إحساس فى الوجود – الأمومة - ؟ يا أنت – أنت لا تشعرين إلا بنفسك ومجدك الشخصي . قاطعتها قائلة : هوني عليك يا أنا – بالله عليك لا تظلميني هكذا – كفانا ظلما من تصرفات الغير الأقرباء منهم قبل الفرقاء . ما أردت لك إلا الخير ما حرمتك نبض المشاعر إلا خوفا عليك من قسوة الجراح وصعوبة الأنات الصامتة فى جوف الليل لا يشعر بها سوانا – لم أحرمك متعة الأمومة فأنت بالفعل أم يا أنا أم لكل الأطفال البريئة وراعية لكل المواهب المتفتحة كالزهور – أعيش لأجلك يا أنا --- أسابق الزمن فى العمل كي اترك لك اسما يحيا على مر العصور مثل كل هذه العقول التي نزين بها ارفف بيتنا الجميل ونأنس بكلماتها فى وحدتنا . انظري يا أنا --- هذا كتاب الله الكريم لا أفرط فى قراءة وردنا اليومي فيه وهذه مجموعة التفاسير لائمة الفقه الاسلامى وهذه المجموعة خاصة بفقه المراة المسلمة --- تعالى وانظري هؤلاء هم أعظم من أنجبت مصر من عقول هذا هو العقاد بكل عبقرياته يحثنا دوما على الكتابة والعمل بتنوع غزير وذاك الحكيم بكل إبداعاته الذهنية والمسرحية الرائعة وكم صافحت عيوني عبد الحميد جوده السحار بكل روائعه الأدبية قرأتها لك وأنت فى سن صغيرة أما هذا فهو العملاق يحيى حقي صاحب القنديل وعاشق أهل البيت كما أنت تعشقين وهذا طه حسين قاهر الظلام والآلام قولا وفعلا وغيرهم حولنا كثير انظري هذه مجموعة من الشعراء والأدباء النابهين وهذه للمستشرقين وهذه لكتاب الغرب وفلاسفته البارعين أما هذه دوريات الفكر والأدب والفن اللاتي تحبين .----------فلماذا تغضبين ؟ بادرتها بالرد فى سخرية مليئة بالحزن والأسى وقالت :-- يا أنت – هذا أنت – فأين أنا ؟ و ددت لو تشعرين بي قليلا --- تمنيت أن تفسحي لي بعض الوقت كي يشعر قلبي بنسمات الحب ويرتشف منه حلاوة ولذة طعم الوصال --- تمنيت أن اشعر بنبضات قلبي تعلو وتهبط عند رؤية من نحب --- تمنيت أن ارتدى هذا الخاتم الذى تخلعينه وترتدينه متى تشائين بصفة دائمة ينقش عليه اسم من أحب نقش أبدى كحرف فرعوني منقوش برسم واسم شريك الحياة كنقش فرعوني يظل فى ذاكرة الوجدان لا تمحوه الأيام --- تمنيت أن استشعر معنى الدفء يا أنت --- الدفء الانسانى البشرى وهذا الدفء لا يمكن أن اشعر به أنا ولا أنت إلا فى صدر نكون له السكن والوطن ويكون لنا مظلة من الحماية والأمان . قاطعتها فى غضب قائلة : ويحك يا أنا --- مثلك مثل كل النساء اجتهد أنا وأحارب لأصنع منك ملاكا لا تخطاه العيون لأرفعك فوق مستوى احتياجات النساء . حلمت لأجلك بفضاءات واسعة من الحرية نستحقها بعد طول غياب --- الم نستشعر معا قسوة ما كان فقد عشت لسنوات طويلة ملاك بقلب --- فماذا جنيت من جراء امتلا كك لهذا القلب ؟ الم تتسرب أحلى سنوات عمرك وأجمل أيامك من بين يديك وأنت فى سجن ذاك الرجل المهين تعيشين ؟ الم تتخلى عن أمالك الكبيرة لأجل من اخذ بدون عطاء ؟ الم تذوب أحلامك الجميلة فى دوامة عناده وكبريائه اللعين ؟ الم نستشعر معا قسوة ما كان وها أنت ألان تلومينني بلا رحمة هل نسيت دستورنا فى الحياة ؟ أنا هو أنا وليس شيء أخر لن يتحملني سواي بقوتي وضعفي بكبريائي وانكساري . أجابتها : وقد انسابت دمعتان من عينيها وقالت : الم يقل القدير زكى نجيب محمود ( لابد للحاضر الحي أن يمده ماض بغذاء الحياة كما تمد ألام جنينها .) فلماذا تقتلعي ذكرياتنا من الجذور ؟ وتفرضي علينا تلك الوحدة يا أنت ؟ شاركتها أنت الدمعة ونظرة الأسى وقالت : أعدك يا أنا أنى سأجعل من أمنياتنا ماض لحاضرنا ومن حاضرنا الانى ماض لمستقبل أجمل آت أراه بعين قلبي --- سأجعل من حياتي بجوارك فى ظل عقلي أنا لا قلبك أنت حياة أعمق من تلك الحياة التي نطلق عليها رحلة بدء ومنتهى حياة يكتب لها الخلود حتى بعد الفناء . ردت أنا بصوت خفيض وقالت : ولكن تذكري يا أنت انك من علمتينى فى الماضي القريب أن للحب نداء لا يضاهيه نداء وأننا بالحب نأصل لفلسفة البقاء وأننا بالحب نتعلم معنى السمو والارتقاء وان الملائكة النورانيين خلقوا من اجل الحب والذكر والتسبيح لذا كيف لك يا أنت أن تصنعي منى ملاكا وأنا بلا قلب ؟ فهل نسيت كلامك لي عن الصدق فى الحب ( الصادقون نادر ون قليلون--- ولكنهم دائما ما يتميزون بتلك البصمة السحرية التي لا تزول تترك بقلوبنا علامات كأنها نقش فرعوني فى تابوت مسكون بروح هائمة تبحث عن جسد تتلبسه .) لذا أرجوك يا أنت لا تحرميني متعة الصدق --- فكيف أكون ملاكا وأنا بلا قلب ؟ بقلم : عزة أبو العز