الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن من أركان الاسلام الخمسة: الزكاة، وهي عبادة عظيمة متعلقة بأموال المسلمين، وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتبادرون الى الصدقات، ويسارعون في الخيرات، ومدحوا بالايثار في المطعومات {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وكانوا ينفقون من أموالهم ما هو أحب الى نفوسهم امتثالاً لأمر الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. فعاشت المجتمعات متآلفة، والفقر يكاد منعدماً، حتى ان الناس لا يجدون من يدفعون اليه الزكاة في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله، ولا زالت الأمة بخير ما سابقت الى اخراج زكاتها، وبادرت بالصدقات في أموالها. لكن ان يوجد في الأمة دعاة يدعون بأنه لا زكاة في الأموال فهذه سابقة خطيرة، وبادرة تنذر بشرور مستطيرة، فنسمع الدعاوى المختلفة بعدم وجوب الزكاة في هذه الأموال وتلك، حتى يكاد الانسان يقول لا زكاة علينا البتة؟! وأن اقامة هذا الركن متعسر في التطبيق؟! فهناك من يقول: لا زكاة في عروض التجارة؟! وهناك من يقول: لا زكاة في الزروع، لأنها لا تخرج الا بكلفة أكثر من نتاجها!؟ وهناك من يقول: لا زكاة في الأسهم، لأنها تأسيسية؟! وهناك من يقول: لا زكاة في الأسهم، لأنها لم تنزل في البورصة؟! وهناك من يقول: لا زكاة في الأموال المدخرة لحاجة كالمسكن، والزواج، وشراء الأرض، وبناء العقار، واقامة الشركة!؟ وهناك من يقول: لا زكاة في الأموال المستصنعة، لأن المصنوع لم يقم بعد!؟ ان المتأمل في هذا يسأل: أين المال الذي يجب فيه الزكاة!؟ ماذا سيكون الجواب: ان قلنا الودائع! قالوا: لا. وان قلنا: المستثمرة! قالوا: لا. وان قلنا: الأسهم! قالوا: لا. وان قلنا: المدخرة! قالوا: لا. وان قلنا: الحلي! قالوا: لا....الخ!؟؟ والأولى بطلبة العلم والدكاترة والمشايخ والعلماء ان يحرصوا على تربية المجتمع على الصدقات المطلقة، فضلاً عن الزكوات الواجبة، وأن يبحثوا عن الأسباب التي بها يتبادر الناس الى الانفاق، فان الاكتناز ليس من مقاصد الأموال في الاسلام. والأولى بالجميع تربية الناس على الاستقامة على أمر الزكاة، لا البحث عن المخارج والتأويلات، والفتاوى الشاذة، والتسهيل المطلق، والقول غير المنضبط، والبعد عن التبرير. ونسأل أنفسنا سؤالاً: لما كان الرجل يأتي بالصدقات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل كان يسأل، هل هذا المال مكنوز؟ هل هو مستعمل؟ هل هو ملبوس؟ أم كان يقبل ويحث على الصدقات مطلقاً، ويدعو لمن يأتي بصدقاته، فكذلك فلنكن، فان المال اذا كان فيه حق للفقير لا يبارك الله فيه، والمال الذي فيه شيء من الزكاة لن يبارك فيه، والمال الذي يخالطه حرام شأنه الى القِل، وان نما ظاهراً، فان الخير في البركة كيفاً لا في مجرد الكم عدداً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.