الجودة الشاملة مفهوم يسرى ويتغلل في شتى القطاعات والأعمال في عصرنا الحالي، ويتسابق الجميع للوصول للجودة الشاملة وصولاً إلى التميز ، ونيل ثقة من يتعاملون معهم في تقديم السلعة أو الخدمة . والجودة الشاملة مفهوم أصله الاسلام، و سعى إلى ترسيخه في تربية الفرد المسلم من خلال الكتاب والسنة، ودعاه إلى الإخلاص في العمل واتقانه، ووعده بالأجر العظيم نظير ذلك والرضا منه سبحانه ، قال تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " ( الكهف 30 )، وقال تعالى : " صنع الله الذي أتقن كل شيء "، وقال رسول الله " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " رواه البيهقي. ولو أمعنا النظر في مبادئ الجودة الشاملة، نجد أنها تسعى إلى الإتقان والحرص على الإبداع والإبتكار والاخلاص والمراقبة للهدف الذي نسعى من خلاله إلى الوصول للجودة الشاملة، والتعاون والشراكة بين أفراد المجتمع، مما يسهم في تطوير المجتمع ووجود ثقة بين مقدم الخدمة الذي يطبق مبادئ الجودة الشاملة والمستفيد منها. وواجب علينا أن نطبق مبادي الجودة الشاملة في كل جوانب الحياة، وأن نسعى إلى الجودة في كل فعل أو أمر من أمورنا، وألا تكون قاصرة على سلعة أو خدمة ما وإنما تمتد لتشمل جوانب أخرى كالتجارة في الحرص على الصدق وحسن المعاملة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر التجار: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقي وبر وصدق " رواه الترمزي ، وكذلك الحال بالنسبة للصلاة فهناك معايير ومواصفات يجب على المسلم أن يؤديها بإتقان حتى تكون صلاته جيدة ومقبولة عند الله ، وهناك معايير للحج والزكاة لا تصح إلا بها ولا تكون مقبولة إلا إذا تم تطبيقها وتفعيلها بصورة جيدة، وأيضا في قراءة القرآن، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " رواة ابن ماجة. وصيام شهر رمضان من العبادات التي يجب أن تطبق فيها معايير ومبادئ الجودة الشاملة وصولا إلى الاتقان في الصوم، فليس المطلوب هو صوم رمضان وإنما الإتقان في الصوم وتتحقيق وتفعيل المعايير والممارسات المطلوبة في هذا الشهر الكريم، فمن هذه الممارسات المطلوبة في هذا الشهر الاجتهاد في العمل ولا تحقق هذه الممارسة إلا بإنجاز الأعمال الموكلة إلينا كما ينبغي، ولا نركن إلى التكاسل والتقاعس عنها بحجة الصوم ، ومنها أيضا الصلاة في مواعيدها، فلا يصح الصوم ولا يصل إلى جودته إلا بالصلاة و الذكر والتسبيح والبعد عن الرفث والفسوق واخراج الألفاظ غير اللائقة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" متفق عليه ، ومن الممارسات التي تؤدي إلى الإجادة في الصوم تفقد الفقراء والمحتاجين والشعور بآلامهم والعطف عليهم والحرص على إفطار الصائم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء " رواه الترمذي . هنا نجد أن تطبيق مبادئ الجودة الشاملة ضرورة واجبة على كل مسلم يحرص على الإتقان، والجودة في هذا الشهر الكريم، وأن يبذل الجهد في تفعيل كل ما يرتبط به من ممارسات وأفعال تؤدي إلى إتقانه وإحكامه، فلا يكفي أن يؤدي الصوم وأن يكون صحيحاً بل يجب أن يكون متقناً.