ذكرنا فى الحلقة الأولى كيف غذى الخطاب الإعلامي حالة الإنقسام العربي بين دول ممانعة ودول موالية، على خلفية قضية المحادثات العربية الإسرائيلية، وكيف تبنى الإعلام دعم وتعميق هذا الخلاف، بتحيزواضح لمناصرة فريق على آخر. متناسيا دوره الحقيقي فى جوانب تحقيق الحيادية والحرية والديمقراطية فى إبراز هذه الأحداث. وبذلك نجد أن المصداقية الحقة قد غابت فى ملامح الإعلام العربي الذى أصبح متخبطا وسط معمعة هذه الخطابات والشعارات العائمة عن مرساها ومسارها الطبيعي، بعد أن أصبح تداعي هذه الوسائل محبطا ومغيبا ومنكفئا، لجانب الجنوح نحو خدمة الشعارات واللافتات والدعايات التهميشية المسبحة والمؤلهة لسلطان الحاكم أوالجهة المهيمنة على هذه أوتلك الوسيلة، ولكن أغرب مافى هذا الموضوع هوعندما يتم القفزعلى الحقائق، المتعلقة خاصة بقضايا الموطن الهامة والمرتبطة بحياته ومعيشته وسكنه وصحته وتعليمه وتشغيله وتهميش هذه القضايا، فيقدم هذا الإعلام الموجه ودون تورع على تزويرهذه الحقائق، وإبرازوتصويرأن مور المواطن على مايرام وأنه يعيش فى أحسن حال وفى بحبوحة من العيش الرغيد، بل وأن كل ما أمكن إحرازه من تقدم ونمو، ومايحصل عليه المواطن من حقوق، ماهو إلا بفضل وإنجازات السلطان، بل وذهبت بعض هذه الشعارات العاطفية المنافقة المرفوعة لتلميع السلطان إلى ماهوأبعد من ذلك، فقالت بعض هذه اللافتات( الحياة قبلك عدم – والحياة بعدك ندم..!!) وبالتالى فقد تبنى الإعلام مثل هذه الشعارات البلهاء واستغرق فى الإنهماك بترديدها، فاتحا الباب على مصراعيه لمزيد من شعارات التسويف والمماطلة والتشويش والتضليل، والإبتعاد عن خط ومنهج السياسة الإعلامية المتبعة والمعلنة التى تقرها كل القوانين والمواثيق الدولية، ومن ثم المحاذات عن الإلتزام بآداء الدورالمناط بالوسائل الإعلامية وممارساتها الحقيقية فى دعم المواطن وإسناده، للحصول على كامل حقوقه المشروعة، وفى الحصول على تلك الحقوق والخدمات دون منة، وكذلك العمل على تعزيزودعم السبل الهادفة للنهوض بفكرووعي المواطن العربي وتنويرالجماهيروالرأي العام بصورة عامة، فبات هذا التداعي الإعلامي فى حاضرنا الراهن بكل أسف هوأمرواقع، وبات بذات الوقت هواللغة الوحيدة والشائعة والسائدة والمسيطرة والمهيمنة على لغة وخطاب وتبعية الإعلام العربي لمايعكسه ويتفرد به هذا الواقع الإعلامي المعاش اليوم من أزمات وتناقضات..! وأمام هذا الواقع المريرفى غياب المصداقية وتدني المستوى المهني الحيادي الحرفى نقل الأحداث بواقعية، وحصرإهتمامه بالتحيزلخدمة المصالح الفردية، وبالتالي تورطه فى الشحن والتعبئة لقضايا الخلافات والنزاعات والصدامات العربية العربية وتفرعاتها الطائفية والفئوية، وتغذية وتأجيج النعرات والعصبيات والتخلى عن دوره الحقيقي فى هذه الممارسة الإعلامية، التى تعكس هموم شرائح الشعب والتعبيرعن تطلعات الجماهير، ونقل الكلمة بحيادية وأمانة ونزاهة، وهومما أفقد الإعلام العربي بريقه، وحتى أصبح أسيرا لمعطيات التمترس والتقوقع نحوهذه السلبيات التى اسست لتنامي الصراعات العربية العربية بعد أن غابت الرؤية الواضحة لمعالم هذا الإعلام العربي المريض. ولعل أنصع دليل لمعايشة هذا الواقع الأليم لانتكاسات الإعلام العربي، هو ماتجلى اليوم من خلال إنتفاضات الشباب العربي التى تفجرت فى أنحاء العالم العربي، حيث بدأ الإعلام العربي أمام ذلك مترنحا ومتخبطا فى نقل هذه الأحداث والوقائع، التى نقلت بصورة مشوهة ومبتورة ومقموعة ومجتزئة لاتعكس الواقع، بل وبرزت فيها الإزدواجية والمزاجية والإنتقائية والكيل بمكيالين فى نقل وإبرازهذه الأحداث، التى غلب عليها عنصرالتحيزوالخلط والتزويروالتشويش فى مستوى التغطية والنقل والتقييم، الذى لم يتفاعل ولم يواكب حقائق تلك الأحداث بصورة حيادية أووسطية على الأقل، بل أبرزت بطريقة بلهاء ومرتبكة أحيانا ومتحيزة أحيانا أخرى، وبالشكل الذى يتناسب ويتوافق مع إرادات وأهواء الجهات السلطوية المسيطرة التى تقود هذا الإعلام. أعزائي فى الحلقة الثالثة سنتابع تناقضات وانتكاسات الإعلام الفضائي الخاص وسنتعرف على المزيد من الحقائق فى موضوع إزدواجية المعاييروالكيل بمكيالين تجاه نقل وتغطية أحداث الإنتفاضة فى الشارع العربي. احمد علي الشمر [email protected]