منذ عشرات السنين والعالم العربي مازال يعاني الامرين من سلبيات وتداعيات أزمات الإعلام العربي بطرفيه القومي والقطري، في منهجية إدارته وتوجهاته ورسم سياسة هويته واهدافه، المرتبطة بخدمة قضايا أمته وتحديد مساراته الواضحة، وبما يعكس توجهاته وطموحات وآمال وتطلعات شعوبه فى الحرية والديمقراطية، على الرغم من التطورالكبيروالهائل الذي أحرزه، فى مجال تحقيق وامتلاك جوانب الإمكانات والأدوات ووسائل التقنية الحديثة، التى تواكب التطورات المتنامية فى الإعلام المتقدم والمتطوربوسائله المتنوعة فى ميادين الإتصالات المسموعة والمرإية، بجانب آلياته وأدواته المكتوبة من صحافة ورقية وألكترونية، وبمافى ذلك أيضا التطورالهائل الذى تحقق للإعلام الفضائي الواسع، بما يمثله من إعلام رسمى أوقطري، أوعربي أو قومي، وبمايشتمله كذلك من نقلات إيجابية فى هذا الجانب. تحدث هذه المفارقة العجيبة لهذا التطور للإعلام العربي، فى جانب الأدوات والآليات والمباني واللوازم الفنية اللوجستية، فى الوقت الذي نجد فيه هذا الإعلام مايزال يرزح أسيرا ومكبلا لمفهوم وأيدلوجيات السياسات الفردية أوالجماعية الخاضعة لسلطة الحاكم أوسلطة الطائفة أوالقبيلة أوالعقلية الشوفينة الرجعية والوصولية، التى تقود للتعبئة السلطوية والحزبية، متخليا عن دوره الحقيقي فى هذه الممارسة ومعايشة همومه ومشاكله وقضاياه، بجانب تخليه عن الإلتزام بخط ممارساته المهنية والميدانية، وبما يعكس تطلعات وطموحات الجماهيروقضايا الأمة وتطلعاتها نحوالحرية والديمقراطية. ويبدوان أن الإعلام العربي قد تخلى فعلا عن هذا الدور، بصورة فاقعة أصبحت تستلفت الإنتباه، وبعد أن جنح إلى تسخيروتكريس وتجنيد وتعبئة كل توجهاته وأهدافه وإمكاناته فى جوانب بعيدة عن هذا الدور، وذلك بعد أن أوغل فى إعتباره الناطق الرسمي المبجل للسلطة أوالطائفة أوالقبيلة. فنجد أنه يتم من خلال ذلك التحكم على سبيل المثال بنوعية الخبرأوالخطاب أوالحدث وطريقة عرضة والخلفية السياسية المبتغاة من وراء نشره أوتعميمه وبالشكل الذى يراد منه، كما يعكس بالتالى رأي وسياسة وتوجهات السلطة أوأصحاب المؤسسة الإعلامية ذاتها، ويبين مدى إنغماسهما بأدوات الإبتذال المسفة بوسائل المديح والتلميع والتطبيل والتزميركأبواق مسخرة ومجندة للحاكم أوالحزب أوالسلطة المهيمنة على توجيه هذه أوتلك الوسيلة، وبالتالى تفشي نشرأهداف الترويج التعبوي لثقافة أطرافها من المنتفعين بهذه الوسائل، والتى أدعت كثيرمنها منغمسة ومنفلتة فى قضايا وطروحات هامشية لاناقة فيها ولاجمل بالأحداث وبالقضايا التى تعيشها الأمة، فبدت وكأنها معزولة عن جماهيرها العربية، بل وقد لاتتورع هذه الوسائل فى العمل على دعم أعمال الشحن والتطرف وإحياء العصبيات والإنتماءات الحزبية والدينية، والضرب على وتيرة الخلافات المذهبية والطائفية والقبلية، عوضا عن تبني الإعلام الجماهيري القومي الحرالذى يترجم حس وهموم المواطن، ويكون إعلاما ناطقا بإسم الجماهيرالعربية العريضة فى الوطن العربي، للتعبيرعن هويتها وأهدافها وآمالها ومطالبها، وباعتبارهم أمة عربية واحدة، تتفق فى إنتماءاتها ومشتركاتها وقواسمها وأهدافها وآمالها وتطلعاتها القومية العربية الموحدة، بغض النظرعن السلطة أوالدين أوالطائفة أوالحزب أوالقبيلة، وعلى إعتبارأن هذه المفردات ليست من أولويات الإنتماء العرقي للأمة العربية، فمن بين مشتركات هذه الأمة العظيمة هو ذلك التنوع المذهبي والطائفى الحميد، فى حين أن المفترض هوأن يكون ذلك البعد السلبي فى الخطاب الإعلامى منبوذا وعلى أساس أنه من مخلفات العصورالظلامية المقيتة، ومن السخريات الكاريثية هو أن يقوم هذا الإعلام بربط حقوق المواطنة بالإنتماءات المذهبية والطائفية أو القبلية، وهذا ربما كان أحد السقطات الكارثية التى وقع فيها الإعلام العربي، بإنجرافه إلى مهاوي هذه التوجهات التى أوجدت لنا نوعية هذا الإلتباس فى توجهات هذا الإعلام البائس، وهو توجه مسيئ قد يؤسس إلى إحداث بلبلة وإنقسامات فى صفوف المجتمعات المتآلفة فى هذه الامة، على خلفية تنوع أديانها ومذاهبها، وهذا يذكرنا بنفس نبرة الخطاب الإعلامي الذي هيمن على وتيرة الأحداث خلال السنوات الماضي بسبب تباين مواقف الانظمة العربية من المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية، والذى عرفها الإعلام بمايسمى بالدول الممانعة والدول الموالية، وهوتقسيم منسوب كما هو معلوم إلى الدول الممانعة التى ترفض بمايسمى بنظام الشرق الأوسط الجديد أومفاوضات السلام، والتى يقصد منها هوغسل أدمغة الرأي العام العربي، لابتلاع وتمريرمايراد منها فى قبول هذه التوجهات الجديدة لعملية السلام بأي ثمن والسيروالتوافق مع الخط الأمريكى، ومن ثم محاولة إقصائنا عن قضايانا المصيرية والتنموية والإنقلاب على هذه القضايا، والهدف منها باطنا هوالترويج لثقافة التطبيع وابتلاع عملية الإندماج مع الحركة الصهيونية ولكن بمظاهر تبدوبريئة، كمايذهب إلى ذلك أصحاب الخط الممانع، وهوغالبا مايكون بالقطع على حساب تلك القضايا والمصالح الوطنية والقومية، والتى يعمل بها ويدعو إليها الطرف الآخرمن أصحاب الخط الموالي، وهذا أيضا بالرغم من أن أصحاب الخط الممانع كذلك يؤخذ عليهم إعلاميا إنزلاقهم إلى الإنخراط فى مزالق ودعوات التحزب والتفرد بالرأي وبالتحيزفى تناول القضايا التى تستحوذ على إهتمامات أطرافها. عزيزي فى الحلقة الثانية سنتعرف على تداعيات مصداقية الإعلام العربي وكيف وصل به الحال إلى وضع التمترس والتقوقع أمام الأحداث التى يشهدها الشارع العربي..! احمد علي الشمر [email protected]