بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للموظفين    أسعار سبائك الذهب اليوم الجمعة 20 يونيو 2025.. 50 جرام تكسر حاجز ال250 ألف جنيه    المستشار القانوني لرابطة المستأجرين: قانون الإيجار القديم سيُقضى بعدم دستوريته حال صدوره    إعلام ايراني: أطلاق 3 صواريخ باتجاه مفاعل ديمونة النووي في إسرائيل    إعلام إيراني: إطلاق 3 صواريخ باتجاه مفاعل ديمونة النووي في إسرائيل    صواريخ إيران تقصف إسرائيل الآن.. وبيان عاجل من جيش الاحتلال    موعد مباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    التأهل يتأجل.. السعودية تخسر أمام أمريكا في الكأس الذهبية    برقم الجلوس نتيجة الصف الثالث الإعدادي في 10 محافظات.. رسميًا الآن    إعلام إيرانى: دفعة صواريخ جديدة تستهدف النقب بالقرب من قاعدة نواتيم الجوية    سعر الدولار اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع الجديد عالميًا    «أول مرة في حياتي».. تعليق مثير من وسام أبو علي بشأن هدفه الذاتي    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع وبورصة الدواجن الرئيسية    شيرين رضا: جمالي سبب لي مشاكل.. بس الأهم إن أنا مبسوطة (فيديو)    مباحث الأقصر تضبط مسجل خطر بحوزته حشيش وشابو بمنطقة أبو الجود    مينا مسعود يكشف عن كواليس ارتباطه بالممثلة الهندية إميلي شاه ويعلن موعد حفل زفافه (فيديو)    انطلاق مباراة باريس سان جيرمان وبوتافوجو في مونديال الأندية    الشكاوى من المعلمين وليس الطلاب.. بداية هادئة لامتحانات «الثانوية العامة»    إعلام إيراني: معارك جوية فوق مدينة جرجان بمحافظة جولستان شمال شرقي إيران    الوكالة الدولية: منشأة التخصيب الجديدة التي أعلنتها إيران في أصفهان    اللجنة العليا للزيوت: لا نقص في السلع والمخزون الاستراتيجي يكفي 11 شهراً    «الطقس× أسبوع».. معتدل إلى شديد الحرارة والأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة والرياح والشبورة بالمحافظات    السيطرة على حريق شب داخل كافيه شهير بالنزهة    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    «خرج من المستشفى».. ريال مدريد يكشف عن تطور جديد في إصابة مبابي    الجبهة الداخلية المصرية متماسكة في مواجهة كل الأخطار    محافظ المنيا يشهد مراسم تجليس نيافة الأنبا بُقطر أسقفًا لإيبارشية ديرمواس    إير كايرو توسّع أسطولها الجوي بتوقيع اتفاقية جديدة في معرض باريس للطيران    اليوم.. مصر للطيران تنظم اليوم 11 رحلة جوية لعودة الحجاج    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    قبل الغلق.. رابط التقديم لوظائف المدارس المصرية اليابانية 2026    إيران تعلن عن غارات إسرائيلية على مناطق لويزان وبارتيشن ودماوند شرق طهران    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    ثقافة الفيوم تناقش أثر المخدرات على الشباب وتقدم مسابقات ترفيهية للأطفال.. صور    «إنجاز طبي جديد».. تحت مظلة منظومة التأمين الصحي الشامل    البطريركية القبطية في جنوب أفريقيا تقود صلاة الغروب الأرثوذكسية: "سلامي أتركه لكم"    أستاذة علوم سياسية: الصراع الإيراني الإسرائيلي تحول إلى لعبة "بينغ بونغ" عسكرية    خبير اقتصادي: البنوك المركزية قد تعود لرفع الفائدة هربًا من موجة تضخم جديدة    خبير في الحركات الإسلامية: الإخوان يستخدمون غزة كغطاء لأجنداتهم التخريبية    خلافات عائلية تنهي حياة خفير نظامي في الفيوم    تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بعد خسارته وفوز ميامي على بورتو    وزير الأوقاف: تعاون مشترك مع اتحاد الجامعات لدعم الأعمال الوقفية ومواجهة الإرهاب    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    هل من حق مريض الإيدز الزواج؟ نقيب المأذونين يجيب (فيديو)    بسبب بلاغ للنائب العام.. محمد رمضان يعتذر لعائلة «هلهل»    هنا الزاهد ب"جيبة قصيرة" وصبا مبارك جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| وفاة والدة مخرجة وفنانة تستغيث ونجمة ترد على شائعة زواجها    "وحش البحار" و"ليو".. أعمال يشاهدها الجمهور على "نتفليكس" في الصيف    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف الأردنية نسرين الوادي.. طريقة عمل شوربة البروكلي    باحث: 36 سببًا لمرض ألزهايمر    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب الأسرة بمدينة ناصر بتكلفة 5 ملايين جنيه – صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصوصية العربية والاستثناء الإسرائيلى
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 11 - 2009

السياسات العربية أصبحت تشكل فى مجملها «حالة خاصة» فى خضم التطورات العالمية، التى تسير فى اتجاه التكتل والتعاون، والمشاركة والتحديث، والتطورات الإقليمية، التى تتميز بالدينامكية وقدرة التصور والحركة والتأثير، ليس فقط لأنها تتسم بالجمود والركود، وتفتقد لإرادة الحركة والمبادرة، ولهمّة المشاركة فى الأحداث والتأثير فى مجريات الأمور، وإنما أيضا فيما تعكسه من استهانة بما تملكه من عناصر القوة، ومن استعداد للتخلى الطوعى عن مكامن تفوقها، وأدوات تأثيرها فى المنطقة. فضلا عن إصرارها على نبذ اتجاهات التغيير والتحديث التى تطرق أبوابها، وتجاهل مطالب الإصلاح والتغيير التى تطمح إليها شعوبها. وتتمثل الخصوصية العربية، التى تبدو وكأنها حالة سلبية راكدة وسط ظاهرة دولية وإقليمية ديناميكية متصاعدة، فى المظاهر التالية:
أولا: عزوف السياسات العربية عن استثمار الروابط التى تربط بينها فى تجمع سياسى وجغرافى يتميز بالموقع الاستراتيجى والثقل السياسى والمورد البشرى والمصدر البترولى، وافتقادها لإرادة تعميق التضامن بينها، ولرغبة دفع النظام العربى وتشجيع مسيرته.
ثانيا: تركيز السياسات العربية على قاعدة الخلاص الفردى وليس التعاون الجماعى، وهو اتجاه تظهر مفاعيله فى حرص كل دولة على استقلالية قرارها، وتجنب التورط فى القضايا الإستراتيجية، وتفادى المشاركة فى مسئوليات جماعية، وتفضيل التحالفات الثنائية مع القوى الكبرى، والتعامل مع إسرائيل فرادى وبشكل غير معلن.
ثالثا: الاستهانة بتوجهات الرأى العام الداخلى، وتفادى الاستجابة لرغباته، وتجنب إظهار انعكاس مطالبه على قراراتها السياسية، واستبعاد توظيف توجهاته فى السياسات العربية. وذلك بعكس ما تفعله كل من إسرائيل وإيران وتركيا فى استثمار اتجاهات رأيها العام لتبرير سياساتها ومقاومة فرض مواقف خارجية عليها.
رابعا: استبعاد السياسات العربية للقوى الإقليمية النافذة من دوائر علاقاتها الخارجية، والعزوف عن استثمار الروابط المختلفة بينها، أو إجراء اتصالات مباشرة معها، أو التفاوض حول كافة الملفات العالقة بين الطرفين، فضلا عن وضع نفسها موضع الخصومة غير المبررة عبر اصطفافها داخل المعسكر الغربى ضدها.
خامسا: إتباع معظم السياسات العربية لوسائل «التهميش الذاتى»، بالنسبة لتفادى المشاركة فى التطورات الأساسية والقرارات المصيرية بالمنطقة، وذلك تهربا من تحمل المسئوليات الناتجة عن تنشيط دورها على الساحتين العربية والإقليمية، فى ضوء انشغالها بأوضاعها الداخلية، وتركيز جهودها على استقرار حكمها والحفاظ على نظمها ومقاومة التغيير على ساحاتها.
وإذا كانت «الخصوصية العربية» قد سيطرت بهذا المفهوم على مسار السياسات العربية لفترة ممتدة من الزمن ساهمت خلالها فى إفراز تيارات سياسية داخلية تطالب بعدم تشتيت الجهود فى القضايا العربية والدولية، والتركيز فى مواجهة الأزمات الداخلية، وتوجيه الإمكانيات تجاه الوفاء بمتطلبات التنمية والتقدم بالبلاد، فقد كان من الطبيعى أن يسفر هذا الواقع عن تبلور تناقضات وتفاعلات فى الساحة الإقليمية تظهر مفاعليها فيما يلى:
أولا: خروج المشاكل الإستراتيجية من الإطار العربى، ووضعها فى دائرة نفوذ وتحكم السياسات الغربية والطموحات الإقليمية.
ثانيا: أن القضايا الإستراتيجية أصبحت تتحرك فى جزر منعزلة، وفى دوائر مستقلة لا يجمع بينها تنسيق مشترك، ولا تربطها اعتبارات سياسية أو نضالية، ولا تتأثر أى منها بتطورات الأحداث فى القضايا الأخرى، ولا تتفاعل معها إلا بدفع من مصالح خارجية غير عربية.
ثالثا: فقد الدول العربية لثقل التأثير على السياسات الدولية والإقليمية، واطمئنان القوى الغربية لضعف مواقفها وتواضع تأثيرها، الأمر الذى يعرضها للاستجابة للضغوط الخارجية لتقديم مزيد من التنازلات دون قلق من ردود أفعالها الرسمية أو الجماهيرية، خاصة فى ضوء ادعائها بقدرتها على التحكم فى الأوضاع الداخلية ولحجم المشاعر الشعبية.
رابعا: تصاعد الانقسامات الطائفية والمذهبية على ساحة المنطقة باعتبارها نتاجا طبيعيا لظروف سياسية بعضها داخلى يتعلق بافتقاد الديمقراطية، بما يتيح المجال أمام الأطماع والطموحات المحلية لتوظيف استثارة العداء المذهبى والفتن الطائفية، والبعض الآخر خارجى يتصل فى معظمه بدور القوى الخارجية فى إحياء هذه الانقسامات واستثمارها لتحقيق أهدافها.
على انه إذا كانت الخصوصية العربية تعكس ضعفا فى المواقف وتنازلا عن الحقوق واستغناء عن أوراق القوة فإن الاستثناء الإسرائيلى، على العكس من ذلك، يستند إلى فرض الوقائع، وانتقاء السوابق، وتطويع المفاهيم ويرتكز على الاستفادة القصوى من جميع القدرات الداخلية والخارجية للدولة، واستثمار المزايا النسبية على ساحة المنطقة والساحة الدولية، واستغلال علاقاتها الواسعة على المستوى الرسمى وعلى صعيد المجتمعات اليهودية، ليس فقط بهدف الحفاظ على الإنجازات والمكاسب التى تتحقق على ارض الواقع، وإنما للإضافة إليها والبناء عليها، هذا فضلا عن تبرير مفهوم «الاستثناء» لوضع إسرائيل على الخريطة الدولية باعتبارها دولة أقيمت بقرار من الأمم المتحدة، وتعيش فى محيط معادى لها، ويوجب عليها اتخاذ إجراءات استثنائية للدفاع عن نفسها، ويلزم الدول الغربية والمجتمع الدولى بمساندتها والتعامل معها وفق ظروفها الاستثنائية، ولذلك تمارس الحركة الإسرائيلية نشاطها وجهودها وفق هذا المفهوم استنادا إلى الاعتبارات التالية:
أولا: الحرص على إظهار نفسها كجزء من الحضارة الغربية، والتركيز فى هذه الشأن على عاملى الثقافة وأسلوب الحياة لإثبات انتمائها للعالم الغربى، وتكريس صورتها باعتبارها امتدادا لحضارته فى المنطقة.
ثانيا: استثمار عقدة الذنب الأوربية تجاهها لتحييد الاتجاهات التى تنادى بالتوازن والعدل فى علاقاتها بدول المنطقة، وتوظيف جميع أساليب الضغوط السياسية والإعلامية والمالية المتاحة لها فى الولايات المتحدة بصورة خاصة، لتسويق مفهوم «الاستثناء الإسرائيلى» تارة بمقتضيات الدفاع عن النفس، وتارة أخرى بالحقوق التاريخية على أرض فلسطين، وتارة ثالثة باعتبارها النموذج الوحيد للديمقراطية فى المنطقة.
ثالثا: الحفاظ على العلاقات الوثيقة بالولايات المتحدة، وإظهار حجم التأييد الأمريكى الكاسح لها. والإصرار على تفادى تعريضها لأى نقد أمريكى علنى مهما كانت ممارساتها، واستعمال جميع الأساليب والضغوط لتجنب إعطاء أى انطباع بتغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل أو تعديل طبيعة علاقاتها بها، مع الحرص فى نفس الوقت على أن تعكس كثافة الدعم الأمريكى للمواقف الإسرائيلية اعترافا فعليا باستثنائية موقعها على الساحتين الأمريكية والدولية.
رابعا: استثمار السياسات الإسرائيلية لسلبيات الخصوصية العربية لتحقيق أهدافها وتثبيت أوضاعها على الساحة الدولية. كما يظهر فى قيامها «بوأد» حكم محكمة العدل الدولية وبمحاولة إثارة المخاوف العربية من النشاط الإيرانى وبرنامجه النووى، وإضعاف الاتجاه الفلسطينى المعتدل والمُطالب بالتفاوض بديلا وحيدا للسلام.
على أنه بالرغم من المعطيات المواتية لتكريس الاستثناء الإسرائيلى على الساحة الدولية، إلا أنه من الواضح أن تقرير جولدستون قد هز المجتمع الإسرائيلى من الأعماق، وأربك الحسابات الإسرائيلية بطرح ممارساتها فى غزة للمناقشة المفتوحة أمام أجهزة الأمم المتحدة، والتشكيك فى الاعتبارات الأخلاقية الداعية لمنح إسرائيل حصانة من المساءلة القانونية الدولية، وذلك بعد أن أقصاها عن نادى الدول الديمقراطية، ووصمها كدولة لا تراعى مبادئ حقوق الإنسان، ولا تحترم القانون الدولى، وهو الأمر الذى كشفت تداعياته عن مدى صلف وتعنت السياسة الإسرائيلية، وإمعانها فى إحراج الصديق قبل العدو، وعدم ممانعتها فى إظهار الجميع، حتى حلفائها، بمظهر التخاذل والضعف أمام ضغوطها. وذلك بحكم اضطرارهم للدفاع عن ممارساتها وتغطية جرائمها. فضلا عن تعمدها كشف أهدافهم الخاصة من عرقلة التقرير على أساس انه يشكل سابقة قد تتكرر فى ملاحقة مسئوليهم أمام المحاكم الدولية عن جرائم الحرب، التى ارتكبت فى العراق وأفغانستان وباكستان.
وإذا كانت الدول العربية قد أوضحت اتجاهها إلى المضى قدما فى عرض تقرير جولدستون فى مجلس الأمن لإبقاء إسرائيل تحت الضغط السياسى والمعنوى، وتقويض أسطورة حصانتها واستثنائية موقعها على الساحة الدولية. وذلك فى ضوء صعوبة إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية نتيجة توقع استعمال الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض لإسقاط مشروع القرار فى مجلس الأمن، فإن الشاهد إن إعفاء إسرائيل من مسئولية جرائمها ومعاملتها فوق القانون ستظل مشكلة مطروحة على الساحة، ومعلقة فى رقبة السياسات العربية ليس فقط لإهمالها متابعة هذه الجرائم فى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية على مدار السنوات السابقة، وإنما أيضا لأن الاستثناء الإسرائيلى يرتكز فى تكريسه وتعميقه على سلبيات الخصوصية العربية، ويعتمد فى تسويقه على استثمار مفرداتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.