بعض الدول العربية ينقسم فيها المجتمع إلى طوائف أو قوميات، ونظراً لضعف الدولة وعدم إشعارها مواطنيها بأنها الخادم الأمين لهم، فنجد كل طائفة وكل قومية تتكتل في جيوب خاصة وتستقل عملياً عن الدولة وتنشئ دولة داخل الدولة، وإما أن تذهب للمطالبة بالانفصال وتتفكك الدولة مثلما يحصل في السودان (جنوباً وغرباً)، أو تجد هذه الملل والنحل طريقة للتعايش الديموقراطي الخاص مثلما هو الحال في لبنان والعراق. ديموقراطية الملل والنحل لا اعتبار فيها للإنسان خارج طائفته، فهي مجرد ابن طائفة لسان حاله: "وهل أنا إلا من غزية أن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشد"، والقرار ليس للأفراد بل للطائفة، تجلس الطوائف وتتفاوض مع بعضها البعض وتتفق وتتوافق، والبلد يقسم إلى حصص ولكل طائفة ما تستطيع انتزاعه. وبذا بدلاً من أن يكون الحاكم أو الوزير أو الموظف الحكومي خادماً للشعب ومستأمناً على مصالحه يصبح منصبه غنيمة تتنافس عليه الطوائف ولا يشترط توليه الأصلح أو الأفضل، فهو مجرد حصة لهذه الطائفة أو تلك، وهكذا تصبح لدينا دويلات طائفية تتعايش ظاهرياً في دولة مقسمة فعلياً. ربما من أصعب الأنظمة السياسية اصلاحاً هي ديموقراطية الملل والنحل، فإن كانت ديموقراطية "لا أرى لا أسمع لا أتكلم" وديموقراطية "شاوروهم وخالفوهم" تحتاج لثورات تطيح بالأنظمة المستبدة، وإن كانت ديموقراطية "رجل إلى الأمام ورجل إلى الخلف" تحتاج إلى اصلاحات جذرية واسراعاً في وتيرة الاصلاح، فإن ديموقراطية "الملل والنحل" تحتاج لبث الوعي في كافة فئات المجتمع ورفع مستوى الشعور بالمسؤولية لدى الجميع من أصحاب القرار نزولاً إلى قاعدتهم الشعبية، وهذه من أصعب المهمات.