إن عدم البدء فى التعاطى الايجابى مع الواقع الجديد من خلال كتائب العمل المصرية على اختلاف تنوعها فى الهيئات والمؤسسات يرجع الى عدة نقاط نجملها فى الآتى: 1-عندما قامت الثورة لم يكن من مطالبها التنحى بل كان حلما خياليا لايراود أكثر الحالمين ..ولما كان النظام السابق قد اعتمد فكرة أن الشعب ممثل كامل لصفة الكلب( انه هيهوهو شوية) ويرجع على بيته ..وهذا بالطبع كان خللا مزمنا للنظام وعدم ادراك كامل لأبعاد اللحظة التى تشكلت من تراكمات هائلة فى عقول وقلوب كافة اطياف الشعب ما ادى الى تباطؤ النظام السابق فى رد فعل يحتوى موقف الثوار (أتكلم عن الثوار وليس الشعب كاملا الذى تحول بدوره لشعب ثائر)فاتسعت رقعة المطالب وارتفع بالتالى سقفها ..فما كان على النظام الا أن ارتضى قليلا وعلى استحياء ببعض مطالب الثورة فى بكارتها..وهذا خطأ ثان وقع فيه النظام فى رد فعل مختلف كان ينبغى أن يكون أوليا وليس متأخرا ...فزادت مرة اخرى رقعة المطالب وارتفع سقفها ..لادراك الشعب لاختلاف المساحة والارضية التى يتكلم منها وتلك الارض االفوقية التى يتعامل من خلالها النظام السابق مع متطلبات محدودة ومشروعة بل تنعدم تكلفتها مقارنة بما آل اليه النظام...فارتفعت مطالب الثورة واكتسبت مؤيدين عديدين وبدأت فئات مختلفة من الشعب تستجيب لمطالب الثوار السباقين للثورة ..وكلما تباطأ النظام كلما اكتسبت الثورة شعبية وزاد سقف المطالب فيرضخ النظام لمطالب السماء الخامسة بينما يكون الشعب متحلقا فى السماء السادسة وهكذا دواليك حتى التنحى (اقصد الاجبار غير المعلن على التنحى) 2- ولما كانت جموع الشعب قد ادركت أنه لكى تتحقق المطالب فعليهم أن يطرقوا على الحديد وهو ساخن ..هذه هى الخبرة التى حصلتها الجماهير من عراكها مع النظام فى فترة الثورة البيضاء من 25يناير وحتى 11فبراير ..من ثم فانه يمكن القول ببساطة ان فكرة الاعتصامات والاضرابات الفئوية والقائمة فى البلاد هى لشريحة شعبية علمها النظام السابق انها يمكن ان تحصل على مكتسبات من خلال الالحاح المستمر فى التظاهرات المطلبية التى جنى ثمارها افراد بعض المؤسسات دون غيرها ما شجع البعض على الاستمرار عله يحصل على ما ناله صديق القهوة الليلى والعامل فى المصرية للاتصالات على سبيل المثال وهو ما انبأ عن بداية فجوة لم تتسع بعد بسبب ادارة الحكومة الجديدة وتقديم مقترح شامل لا يميز طائفة عن غيرها . 3-تأخر المجلس العسكرى ورجال القضاء فى ملاحقة الفاسدين من النظام القديم وملاحقة الأسماء البارزة التى كانت تصيب المواطن المصرى بالغثيان من ناحية وما يطالعه هذا المواطن من ضغوطات حزبية واعلامية تتحدث بألسنة مختلفة الا ان اغلبها يتفق فى النهاية على ان حجم الفاسدين الغاطسين فى الماء أكثربكثير من هؤلاء الذين تم اصطيادهم وهم يسبحون ضد تيار ارادة الشعب ..مما جعل الرغبة الشخصية تتخلل الى نفوس هؤلاء المواطنين الذين بدأت ثورتهم بيضاء ومازالت الا أنها فى محك هام لاستمرارية نضجها وتوسيع رؤيتها من خلال طرح عام يمكن بثه من خلال الوسائل الاعلامية ثم الدور الموكول الى النظام الجديد_تجاوزا_فى ابراز صيغ تظهر لهذا المواطن بشكل يجعله يتبنى فكرة الاختلاف بين نظام تنحى_أو أجبر على التنحى_وبين نظام يحاول أن يثبت حسن نيته فى التعاطى مع متطلبات ورغبات ودوافع الجموع الغفيرة من أفراد الشعب 4-عندما يتأخر قرار تجميد أموال الرئيس المخلوع وعائلته الى هذا اليوم وبعد يوم من تقديم اقرار الذمة المالية الخاص بالرئيس السابق _صدفة دى_واستمرارية شخص مثل أحمد أبوالغيط فى وزارة الخارجية (على اعتبار أن الرجل من النظام القديم وأداى بدلوه فى الثورة وسيجمل وجه الرئيس المخلوع أمام الدبلوماسية العالمية ولن يأتى وزيرجديد يمكن أن يثير قلاقل فى هذه النقطة خاصة وان هذه الوزارة وجه مصر الخارجى بل والداخلى أيضا)ثم استمرارية اقامة الرئيس المخلوع فى جمهورية شرم الشيخ دون افتراض اقامة جبرية وذلك بالسماح له باجراء اتصالات داخلية ودولية يمكن من خلالها تعطيل فاعلية قرار النائب العام المعلن اليوم ...كل هذا بدوره يؤدى الى تخلخل فكرة عودة الاتزان والهدوء التى نتمناها لنبدأ مرحلة جديدة بينما المواطن تترى أمام عينيه شواهد لا يمكن بموجبهاالا أن تربى لديه نزعات شخصية قائمة على الحس الذاتى المتعلق بالمطلبية الفئوية. 5-التباطوء الغريب فى اعادة هيكلة المؤسسات والهيئات الحكومية والنقابات (وهى تلك الاماكن التى يخرج منها المعتصمون والمضربون عن العمل)ساعد بدوره على هذا التشكيل الاضرابى والاعتصامى ..لا سيما وان المواطن المصرى قد شهد هدفه العام بتنحى_اجبار فى رأيى _الرئيس وبعض أفراد نظامه السابق ..فلماذا لا يكون عليه الآن أن يحقق هدفه الخاص والمتمثل فى تنحى ذيول هذا النظام متمثلة فى رؤساء مجالس ادارات هذه المؤسسات والتى كانت بدورها تروج على المستوى العام للنظام بينما هى على المستوى الخاص تعيث فى (المستحبى)فسادا وتحاول أن تفرغ الخزائن قبل يوم الرحيل اذا ما أزف. 6_ان سرعة طرق الحديد وهو ساخن هى السياسة التى لم يدرك نجاعتها النظام الحالى_ والتى ادركها الشعب فى تعاطيه مع النظام السابق فى فترة الثورة _ تحتم عليه اعادة هيكلة ولو على مستوى القمم لرؤساء مجالس الادارات فى الهيئات و المؤسسات الحكومية والصحفية كى يجد المواطن فى هيئته ومؤسسته صوتا جديدا ووجها جديدا يحمل مكتسبات الثورة ويعيد اليهم نوعا من الطمانينة المفقودة على المستوى المعنوى وليس المادى اذ ان الدولة فى مرحلتها الحالية لا يمكن ان تتحمل اعباء تفوق طاقتها ...لكن الشعب يحتاج بالفعل الى استشعار عن قرب وعن بعد من الحكومة لما يعتلج صدره من نوازع مكتومة ومعلنة.