{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} أي قال فرعون: ومنْ هذا الربُّ الذي تدعوني إِليه يا موسى؟ فإِني لا أعرفه؟ {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أي ربُّنا هو الذي أبدع كل شيءٍ خَلقه ثم هداه لمنافعه ومصالحه، وهذا جوابٌ في غاية البلاغة والبيان لاختصاره ودلالته على جميع الموجودات بأسرها، فقد أعطى العين الهيئة التي تطابق الإِبصار، والأُذُن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك اليد والرجل والأنف واللسان، { قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} أي ما حال من هلك من القرون الماضية لِم لَمْ يُبعثوا، ولم يُحاسبوا إِن كان ما تقول حقاً؟ {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} أي قال موسى: علم أحوالها وأعمالها عند ربي مسطرٌ في اللوح المحفوظ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} أي لا يخطئ ربي ولا يغيب عن علمه شيءٌ منها .. ثم شرع موسى يبينّ له الدلائل على وجود الله وآثار قدرته الباهرة فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا} {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا} {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى} {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءاياتِنَا كُلَّهَا}أي والله لقد بصَّرْنا فرعون بالمعجزات الدالة على نبوةّ موسى من العصا، واليد، والطوفان، والجراد، وسائر الآيات التسع {فَكَذَّبَ وَأَبَى} أي كذَّب بها مع وضوحها وزعم أنها سحر، وأبى الإِيمان والطاعة لعتوِّه واستكباره {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى} أي قال فرعون: أجئتنا لتخرجنا من أرض مصر؟ {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} أي لنعارضنَّك بسحرٍ مثل الذي جئت به ليظهر للناس أنك ساحر ولستَ برسول {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} أي عيِّنْ لنا وقت اجتماع {لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} أي لا نخلف ذلك الوعد لا من جهتنا ولا من جهتك ويكون بمكان معيَّن ووقت معيَّن {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} أي قال موسى: موعدنا للاجتماع يوم العيد - يومُ من أيام أعيادهم - وأن يجتمع الناس في ضحى ذلك النهار، قال المفسرون: وإِنما عيَّن ذلك اليوم للمبارزة ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد، ويشيع ذلك في الأقطار بظهور معجزته للناس.