تنظيم فعاليات ترويجية لتعريف طلاب دولة الهند بفرص الدراسة في مصر    «الفجر بالقاهرة 4.21».. جدول مواعيد الصلوات الخمس فى محافظات مصر غداً الجمعة 16 مايو 2025    البورصة المصرية تربح 4.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    سعر الجنيه الاسترليني ينهى تعاملات اليوم الخميس 15-5-2025 على تراجع    مناقشة المنظومة الجديدة للحصول على التأشيرة الاضطرارية عند منافذ الوصول الجوية المصرية    الوزير يبحث آليات تقديم خدمة جمع المخلفات الصلبة من السفن العابرة لقناة السويس    "المصرية لنقل الكهرباء" توقّع عقدًا لتنفيذ مشروع لتغذية المرحلة الثالثة من قطار "LRT3"    ترامب يعلن إنشاء «القبة الذهبية الأمريكية» المضادة للصواريخ    دوي إطلاق نار قرب السفارات فى طرابلس وإجلاء رعايا إيطاليين وإسبان    عماد النحاس يحصل على تأشيرة أمريكا لمرافقة الأهلي في مونديال الأندية (خاص)    وزير الشباب والرياضة ومحافظ القليوبية يفتتحان ملتقى "توظيف مصر" بالقليوبية    مريض نفسي يتخلص من حياته في ظروف غامضة بطنطا    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    عامل بمغسلة يهتك عرض طفلة داخل عقار سكني في بولاق الدكرور    القاهرة السينمائي يشارك في جلسة FIAPF بمهرجان كان لتعزيز التعاون    بتسعى وتوصل.. 4 أبراج تُعرف بالطموح والإصرار في حياتها    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    أنقذت حياة طفلة ضحية زواج وحمل مبكر.. وزير الصحة يكرم رئيسة قسم النساء والتوليد بمستشفى المنيرة    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات التمريض    وكيل أوقاف الإسكندرية يعقد اجتماعًا موسعًا مع أئمة إدارات العامرية أول وثان وبرج العرب    الأونروا تحذر من تفشي الجوع في غزة واستخدام إسرائيل المساعدات كسلاح حرب    «النقض» تؤيد إعدام المتهم بقتل فتاة البراجيل    إحالة أوراق عامل للمفتي لاتهامه بقتل شخص والشروع في قتل 4 آخرين بقنا    القبض على مسجل خطر لقيامه بالنصب والاحتيال على مالكة شركة أدوية بمدينة نصر    رئيس اتحاد العمال: التشريعات الحديثة تعزز بيئة عمل آمنة وصحية    تنفيذ إزالة 27 حالة تعدي على أراضي أملاك دولة ومتغيرات غير قانونية بإسنا    بعد وفاته.. من هو الفنان أديب قدورة؟    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    وزير الثقافة يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة    تزامنا مع ذكرى نكبة فلسطين.. قناة الوثائقية تعرض فيلم درويش شاعر القضية الليلة    «جوازة ولا جنازة».. نيللي كريم تكشف تفاصيل فيلمها الجديد    تفاصيل صدام حسام غالي مع كولر قبل رحيله من الأهلي    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    أفضل طرق تقليل القلق والتوتر في فترة الامتحانات    وزير الصحة: فتح تحقيق في شكوى مصاب من تغيير مسار سيارة إسعاف    «شعبة الصيدليات»: تصنيع الدواء في مصر وتصديره يغنينا عن دخل قناة السويس    زيلينسكى يصل تركيا لبحث فرص التوصل لوقف الحرب فى أوكرانيا    زيادة رأس المال شركة التعاون للبترول إلى 3.8 مليار جنيه    النائب تيسير مطر: نكبة فلسطين جرح مفتوح فى جسد الأمة    ترامب: الولايات المتحدة تجري مفاوضات جادة جدا مع إيران من أجل التوصل لسلام طويل الأمد    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    خوسيه ريفيرو يقترب من قيادة الأهلي رسميًا.. تصريحات تكشف كواليس رحيله عن أورلاندو بايرتس تمهيدًا لخلافة كولر    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    وزير خارجية تركيا: هناك فرصة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا    رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    الأهلي يواجه ريد ستار الإيفواري في كأس الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    4 وزراء في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي ال13 ل جامعة عين شمس    جامعة بنها تواصل قوافلها الطبية بمدارس القليوبية    هل يجوز لزوجة أن تطلب من زوجها تعديل هيئته طالما لا يخالف الشرع أو العرف أو العقل؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    فى فيديو مؤثر.. حسام البدري يشكر الدولة على عودته الآمنة من ليبيا    مؤسسة غزة الإنسانية: إسرائيل توافق على توسيع مواقع توزيع المساعدات لخدمة سكان غزة بالكامل    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    ريال مدريد يقلب الطاولة على مايوركا ويؤجل حسم لقب الليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصة..قصة قصيرة
نشر في شباب مصر يوم 02 - 01 - 2011

في ذلك اليوم البارد.. وصل الأستاذ مصطفى إلى غرفة الفصل وكان متأخرا سبعة دقائق.. وكان في عينيه حمّرة غريبة أخفت بياضهما وأطفأت ما فيهما من بريق كان بالأمس يلمع. وما إن دخل في هدوء الزاهدين ووقار الناسكين، حتى وقف أمام التلاميذ بكل ما في هيئته الضخمة من مهابة.. وعلى الفور انطفأت الضوضاء التي أشعلوها وأججوها بضحكاتهم الساخنة البريئة التي كانت تجلجل وهي تعلو لتنقلب بقدرة قادر إلى ما يشبه الفرقعات. ومع هذا نسي أن يقول لهم صباح الخير وانتصب أمامهم وهو عابس كالقضاء المستعجل فبدا جلد وجهه كأنه مدبوغ. ثم بيده اليمنى امسك قطعة تباشير بحجم منقار دجاجة، واتجه بها إلى الزاوية العليا من السبورة وبخط عريض كتب.. حكمة اليوم: من طلب العلا سهر الليالي.. ثم كتب تحتها بخط عريض أيضا: اطلبوا العلم ولو في الصين. بينما كانت كفه اليسرى منهمكة بالذهاب والإياب على فتحة فمه وهو يتثاءب محدثة قرقرة أحبها التلاميذ كثيرا فارتاحت قلوبهم لها وانتشت.. فابتسموا في خجل مكتوم. وتركوا العنان لأنوفهم لتتمتع برائحة عطره التي فاحت.. رائحة لذيذة عبقت الفصل وكانت أقرب إلى رائحة السيريلاك. ثم في بطء لف الأستاذ جسده الثقيل المتعب، وأدار وجهه المتجهم نحوهم محدقا إلى وجوهم المنكمشة من البرد.. وفكر مليا في طريقة مثلى يستطيع فيها أن ينام طوال الحصة ليرتاح.. دون أن يلومه ناظر المدرسة أو أي واحد من زملائه المدرسين الواقفين له بالمرصاد. وهو بالفعل كان يحس أنه بحاجة إلى مزيد من النوم.. فطوال الليل كان ساهرا يشاهد مباراة كرة قدم فاصلة بين فريقين أوربيين.. واستمر بعدها يشاهد الحوارات والتحليلات التي ليس لها أول.. وليس لها آخر. ثم بعد هذا.. قبل أن يدس جسده تحت اللحاف، تشاحن مع زوجته التي أيقظها دبيب قدميه العريضين وطرقعتهما المدوية على البلاط.. وهي بالفعل تمقت كرة القدم ولا تحتمل سيرتها وتفضل عليها الصور المتحركة التي يعشقها الأطفال.. استمرت المشاحنة لزمن لا يقل عن ثلاثة أرباع الساعة.. بما فيه الوقت الضائع في المهاترات.
بسرعة جاءته الفكرة لتسعفه وتخلصه من ثقل النعاس الذي كان يداهم جفنيه بلا هوادة.. وقال في نفسه: سوف اكتب للتلاميذ مسألة حلها يحتاج إلى يوم بأكمله.. لا بد أن تكون فوق مستواهم.. هم في الصف الخامس الابتدائي.. إذن سأكتب لهم مسألة عويصة من مستوى إعدادي.. لن يحلّوها حتى لو خبطوا رءوسهم بأسمك جدار.. والله حتى لو ساعدهم الجن الأزرق.
بالفعل عاد الأستاذ إلى السبورة مرة أخرى وقد بدأ يتنفس الصعداء. وكتب السؤال التالي: ما هو خير جليس؟ وطلب منهم وهو يهزّ سبابته أن يسرعوا بإخراج دفاترهم.. وان يجتهدوا في حلها. ثم بكامل وزنه جلس على الكرسي المصنوع من البلاستيك.. واتكأ إلى طاولته وقد حفت بقلبه طمأنينة هدأت أعصابة وبرّدت قلبه المرهق.. وأطبق جفنيه إطباقة كاملة، ونام.
مسك التلاميذ أقلامهم للحظة واحدة وكان الفرح قد ملأ صدورهم الصغيرة وطفح.. ثم صوبوها بسرعة نحو صفحات كراساتهم البيضاء ومرروها عليها بخفة فيها استهتار، وكتبوا كلمة واحدة أو كلمتين.. ومن ثم على الفور راحوا كلهم يتحدثون ويصخبون ويتضاحكون فكهين. بينما شخير الأستاذ ظل يرتفع إلى درجة تسمح له بالوصول إلى غرفة الناظر.. والى غرفة السكرتير في الناحية المعاكسة من الممر الطويل.
كان الأستاذ مصطفى بين لحظة وأخرى يستيقظ حانقا على شوشرتهم المدوية.. فيصيح بهم ورأسه تتطوح وتكاد أن ترتطم بالطاولة كأنها مربوطة ومعلقة بالسقف بواسطة حبل طويل مصنوع من المطاط: هيا حلّوا المسألة يا بجم.. يا بغال.. ثم يعود لنومه ليطرقع بشخير ممدود كأنه ثور يتنهد.
بالكاد مرّ عشرون دقيقة أو يزيد.. حتى تجرأ واحد من التلاميذ وقام من مقعده وذهب ليقف بالقرب من خاصرة الأستاذ المليئة بالشحم، التي كانت تعلو وتهبط بلا توقف.. وتجرأ أكثر واقترب منه أكثر كي يوقظه.. حاملا كراسته ليريه الحلّ. وفي لحظات تجرأ الآخرون وفعلوا مثله.. وتكوّموا كلهم حول مدرسهم وحوطوه من كل النواحي كأنهم قصدوا حصاره.. كل هذا وسط صخب كثيف لا ينخفض إلا ليعود ويرتفع دويه من جديد.
رفع الأستاذ رأسه بكسل لا يخلو من نكد.. ليجد نفسه أمام سلسلة جبال من الكراريس المفتوحة والمطوية.. ووسط مظاهرة حاشدة من أطفال لا ينامون ولا يتركون الناس تنام. فنهرهم بحزم أن عودوا إلى أماكنهم.. بعد أن لعن آباءهم وأمهاتهم، وأبا اليوم الذي اشتغل فيه بمهنة التدريس.. وسكت لحظة استرجع فيها أنفاسه وأطرق كمن يتذكر شيئا قد نسيه.. ثم عاد يلعن أبا الطبيب الذي سحب الواحد منهم من بطن أمه.. وبغيظ نفث نفخة ساخنة في الهواء البارد.
نظر المدرس بسرعة إلى أجوبة التلاميذ في الكراسة. فاستغرب أنهم جميعا أجابوا تقريبا نفس الإجابة الخاطئة التي تسدّ النفس وتحرمها من الطعام. فالبعض منهم أجاب بأن خير جليس في الدنيا هو الإنترنت.. والبعض الآخر أجاب بأنه الكمبيوتر.. وبعض ثالث أجاب بأنه الفيس بوك. فانهال عليهم بالتقريع والشتم.. ولحظتها فقد قدرته على الإمساك بأعصابه وهو يزمجر ويكز بأقصى قوة كامنة في فكيه: إنه الكتاب يا حمير يا أولاد الحمير.. الكتاب خير جليس يا بهائم.. أما جيل آخر زمن.. جيل خايب مثل الزفت.
لكن الطلاب لم يقتنعوا بإجابة المدرس.. فرددوا جميعا مرة واحدة في استغراب كبير: الكتاب!!. ثم غرقوا في ضحك صاخب مدو.. سرعان ما انقلب إلى قهقهات.
لمّا يأس الأستاذ مصطفى من كل المحاولات التي بذلها لينام.. أكمل الحصة كيفما اتفق بوجه كساه حنق عظيم. وخرج عندما دق الجرس وهو يردد.. انتر نت.. كمبيوتر.. فيس بوك.. تلاميذ آخر زمن.. والله ما ينفع أي واحد فيكم.. يا كلاب يا أولاد الكلاب.
يناير 2011
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.