حيرتني الممدوتان يداها ...للغادي والآتي حيرني ذاك الطفل الذي لا تعرف قدماه ممن تكونت الأرض ؟؟ قيدته تلك الأم بأحضانها كلما همّ بالإنسلاخ عنها أعادته بقوة إلى حضنها بضمة كضمة القبر حيرني ذاك الثدي المعروض على الآخرين دون حياء وكم حيرني هذا الرداء المتسخ الأسود المهترأ كيف يحتمل بعاد الحبائل؟؟ وكيف يرفض مداعبة خيوط الشمس ؟؟ وكيف لا يحن لتراقص نسمات الهواء حيرتني كيف تلك المراة تخاطب في يوم واحد كل البشر وتفهم لغة العيون ..وتقرأ ما بالجيوب قبل الوجوه وتعرف متى تبكي ..وكيف تبكي هذا الطفل وكيف تدع الآخرين عليها يبكي حيرتني كيف إستوقفتني وكم حذرني منها الناس سالتني أهذا الطفل طفلك ؟؟ أجبتها وقد ضممته بقوة إلى صدري أقبل على ثيابي يتأرجح بها يتسول نظرة ..وقبلة ..وقطعة حلوى وإبنا كنت أظنه مازال بحضني أخذ بيده كأنه يطلب أن يلعب بدمية إفترشت مثلها ثوبي الأرض وعيوني تلاحق ما كان من أمر إبنها ...وإبني وجدت طفلا لا يعرف للطفولة معنى بسبب ذاك الثدي الملعون فتارة يمسك خلسة شعر إبني وأخرى يتفحص رداءه ومرات يشد رباط حذاءه خيل لي لأول مرة يرى اليوم طفلا حيرتني إمرأة تحدت كل القوانين وغدت المتسولة الأولى بلا منازع في أزقة وحواري وشوارع بلدي سألتها عن وليدي وما حاجة السؤال عنه قالت بعد أن مدت يداها وتلاقفت الطفل بسرعة البرق لتضمه إلى صدرها ضمة القبر عرف الطفل للثدي طريقه فقد حانت الآن طقوس التسول أخذ يصطنع الرضاعة يرضع تارة وتارة يبتسم لي ولإبني أقبل طفلي ينظر إليه مستغربا ما هذا الذي أراه الآن يا أمي ؟؟ ثدي ممدود ينادي فم الأطفال !!! وحضن يفترش الأرض من أجله !!! ويدا لا تغادر هذا الجسد حبا وخوفا !!! أجبتها نعم ذاك الطفل هو حقا إبني قالت حسنة لله جميلتي لأدعو لك الرحمان أن يغدو ..فتا ...ورجلا أتظنين هذا الطفل عزيزتي إبني ؟؟ لا ورب من وهبك هذا الجمال ..وهذا المال ومنحك ذاك الأمن وهذا الآمان والثياب النظيفة الأنيقة وتلك السيارة الفاخرة إنه سيدتي إبن الملجأ إبن الخطيئة حين الرجل يغدو من شدة الفقر خروفا ونعجا إنه عصاتي التي أتكأ عليها إنه مصدر رزق اليتامى أمثاله ..أولادي إنه قدري الجميل الذي يطعم أفواه الكبار وهو طفلا أتعتقدين أن ثدي العاصي للجيد دوما به ما يستقطب الأطفال؟؟ لا ولكن هي مهنة قد تعلمناها وتعلمنا منها كيف نشعر بظمأ إسماعيل وهاجر في زمن العجز والتردي فهذا الطفل لا يريد ماءا أوحليبا ولا هنداما جديدا وشعرا حريريا أو قبعة كالتي تلبسينها أو حذاء إذا بعته يطعمني وأولادي شهرا أو دمية تعيد للطفل طفولته لا يا سيدة القصر إنه يبيع نفسه الآن لي ليشتري بها لحظة أمان بحضن قذر ..ولمسة حانية من يد خشنة وماذا أريد منه أنا سيدتي ؟؟؟ غير أن أبيع جسده لعيون الغادين والآتين لعل نظرة تسقط منها حنانا ورحمة فيرحم على يديه ربي من تركتهم سيدتي جواعا ...وعرايا نائمين تنهشهم النظرات تحت الكوبري هاكي دنانيرك ..فلا حاجة لي بها الآن بعد أن علمت من أكون أنا وعرفت أنا المتسولة الأكثر خطرا بنظر العسكر أنا المتسولة الأكثر فقرا في بلدي لو أردت البحث عن أشباهي فهلمي في الطرقات خلفي وفي المساجد ..ومساكن المدافن وعلى السطوح ...وفي حاويات المزابل سكن جلودهم الفقر حين أسروا سارق الخبز ...وتركوا لصوص الملايين يسرحون ...ويمرحون في ربوع وطني وحين غدت لعبة العساكر بأجسادنا كل يوم كنس الأرض وما بين أجسادنا الواهية ورغيف الخبز ألف ..ألف شرطي يجرنا ألى بوابات القسم هؤلاء سكنهم الجوع والفقر والبؤس حين أرغمتهم العساكر العيش تحت خط الصفر كم حيرتني تلك المرأة وثديها المعروض للجميع دون حياء تحتضن طفلا تمد للغاديين يداها دوما الآن عرفت لما خلعت برقع الحياء عن وجهها وفتحت جيدها إنه الشرف الذي قد تبقى لها لو فكرت ذات يوم ببيعه لحظيت بالعيش بالفوق إلى ما بعد حدود الصفر يد ممدودة ...وثدي معروض ..وطفل لقيط .. هذه هي قصص الذين سكنوا جراحات الوطن وتراجعوا إلى أبعد ...أبعد كل خطوط الصفر ..وما دون خطوط الصفر ******** الكاتبة / فايدة أحمد