لم أكن أعرف عن مصطلح «المازورة» إلا أنه يستخدم فى قياس الظاهر من الأشياء.. أما فى قياس المشاعر فلم أكن أصدّق ذلك إلا حين رأيت إحدى الأمهات تسأل هذا وذاك من القادمين عن ابنها المقيم فى (أيرلندا)، كلما سمعت عن خطبٍ ما.. وعجبت حين سمعت أنها لا تستطيع الاتصال به إلا مساء كل سبت ولو قامت القيامة، علما بأنهما من العائلات المقتدرة مادياً.. وأخرى يحدد لها زوجها المهندس فى الخليج اليوم والساعة ومدة المكالمة، وربما والله أعلم موضوع الحديث! كلا المشهدين حضرانى فور قراءتى إيميل أحد زملاء مجموعة إلكترونية تضم كوكبة من خيرة المثقفين وأصحاب الفكر، يدعو فيه لصناعة «مازورة» خاصة على غرار مازورة قياس المشاعر، التى صنعتها نخبة من الأطباء النفسيين لعلاج بعض الأمراض النفسية، وليضع ذلك على الشاشة للحوار. وقبل أن أتطرق لتلك «المازورة» الخاصة التى يستفتى فيها الزميل الرأى يأخذنى التساؤل عن: هل المشاعر تحتاج لأن تقاس بمازورة؟ أليست المعاملة هى المازورة الحقيقية للقياس الوجدانى؟ من المعروف أن المشاعر محسوسة وليست ملموسة وما يجب أن يقاس هو الأسباب.. لماذا نحب؟ لماذا نكره ؟ لماذا نكتئب؟ ولماذا يتصاعد ويتضاءل معدل الإحساس بشخص ما بين فترة وأخرى؟ لتكون الإجابات هى المحصلة التى يتم على ضوئها تحديد درجة المشاعر، وما عدا ذلك فلا يمكن لأى أداة قياس أن تنفذ الى المشاعر. أما ما فجّره الزميل من دعوة لصناعة «مازورة» خاصة، فقدأثارت شهوة الحوار وطرح وجهات نظر تحت شعار الاختلاف وليس الخلاف، حيث إن تلك «المازورة» المراد تصنيعها مطاطية تتقلص وتتمدد حسب المناخ السائد وتقلباته. فكيف لى أن أخضع العامة لاختبار قاس بأداة شخصية تؤدى ربما إلى التشتت والارتياب بالنتائج، والبعد عن المعيار المرجعى المعروف، الذى تتوافر فيه خصائص يحددها علم القياس (المترولوجيا)، هذا لو كانت الدعوة جادة، المراد منها قياس قبول ورفض الجمهور لقانون أو شخصية أو نظام ما لتخضع نتائجها لسلسلة متصلة من المقارنات والشروط الرقابية ليحقق القياس النجاح المطلوب. وفى تصورى المتواضع أن أى «مازورة» تصنّع لاختبار الآراء أو المشاعر عن حدث ماض لا تأتى بنتائج مُرضية كما لو كان الحدث حاضرا.. فالماضى ليس إلا صورا لا تستطيع أن تسترجع ما كان يواكبها من انفعال بسبب تراكم الأحداث الآنية وتجسيدها صوتا وصورة لحظة حدوثها على جميع الوسائل المرئية.. مما لا يترك مجالا للمقارنة الانفعالية بأحداث امتصتها الأعوام واتخذت لها مكانا ثابتا فى التاريخ. ولا يمكن أيضا لأى قياس أن يكون سليما ومطابقا 100/100 طالما لا تقاس به إلا ظواهر الأمور، التى لا يعلم بواطنها إلا هو.. عالم الغيب والشهادة.. ليتنا نصنع «مازورة ثابتة وعادلة لقياس أدائنا وأداء أنظمتنا.. ربما نغير شيئا من التخبط والفوضى التى تحيق بنا. سؤال أخير أين المتعة فى الحياة؟ والمشاعر تقاس بالمازورة والتواصل يحدد بالمسطرة ؟! إليك.. أين وكيف ومتى أراك يالمحاط بأسوار الضباب الرمادىّ المغلقة بأقفال الخوف؟ كيف يالرمز المشتعل لهفة فى الضلوع.. يا خلاصة السلسبيل وبارقة المنى.. يالتميمة البابلية المدفونة فى الأوردة.. أشتاااااااااااااق.. إليك أرددها حتى يتوقف النفس المتعب وتذوب آهات البعد والتساؤلات الحذرة والردود العرجاء.. أشتاق إليك.. أبحث عنك فى عيون الأغراب والأحباب.. بين حروف القصائد.. أنسج اسمك بخيوط أشعة الشمس على أجنحة اليمام.. أشتاق اليك.. يالمولود المفقود.. الغائب الموجود.. البعيد.. البعيد.. والأقرب من حبل الوريد.. الراقد فى لبّ الفؤاد.. الرمز المختبئ بين الأحلام.. المتربع فوق عرش الذاكرة المُغيّبة.. ناقوس الوجد أعلنت دقاته الثورة فلتصحو.. لتنطلق من بين أسوار الروح.. حقيقة مجسدة يكتحل بها ناظرى.. تجسّد فقد أعيانى الشكّ وحيّرنى السؤال.. تجسد لنلملم أوراق الخريف الراقصة على إيقاع الرياح رقصة الأمل الأخير.. تجسد موجة عطر مخضبة بعبق (الجورى والياسمين).. سحابة خير حبلى بالذكريات.. وهودج حبّ حريرى محملٍ باللارنج وقصاقيص الرسائل العذراء.. منسوج بالحياء والضفائر الموشاة بشمس الوطن البعيد.. تجسد سيدى فقد أتعبنى البحث عنك بين الحقيقة المستحيلة والخيال السابح فى فضاء اليأس.