جامعة الجلالة: نوفر بيئة متكاملة لا تقتصر فقط على الجانب الأكاديمي    "أبو بيه" رئيسًا لهيئة النظافة والتجميل بالقاهرة    الزمالك يجهز عدي الدباغ لمواجهة المقاولون العرب    ضبط مزورة تدير عيادة تخسيس مخالفة في المنوفية (صور)    محافظ الأقصر يبحث مع وفد الصحة رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية بالمحافظة    تقارير: إيفرتون يقترب من حسم إعارة جريليش    وول ستريت جورنال: الجيش الأمريكي يجهز قوات في واشنطن بعد تهديدات ترامب    إحالة "مستريح" وشقيقه للمحاكمة في التجمع الخامس بتهمة النصب على أجانب    تحليل المخدرات شرطا للترشح لعضوية أو رئاسة مجالس إدارات الأندية ومراكز الشباب    أمير كرارة يتصدر شباك تذاكر السينما السعودية    قناة الحياة تحتفي بذكرى وفاة الفنان نور الشريف    برعاية وزارة الشباب والرياضة.. تكريم شيري عادل في مهرجان إبداع بدورته الخامسة    مفتي لبنان: نقدر حرص مصر على سلامة وأمن بلدنا وشعبنا    "الصحفيين الفلسطينيين": استهداف الصحفيين في غزة جريمة ممنهجة لطمس الحقيقة    ما حكم تأخير الإنجاب فى أول الزواج بسبب الشغل؟ .. عضو بمركز الأزهر تجيب    صحة مطروح: استصدار 3720 قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة 11 مليون جنيه    إزالة 155 حالة تعدٍّ ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال27 ببني سويف    «يلوم نفسه».. كيف يتعامل برج العذراء عند تعرضه للتجاهل؟    روسيا تعزز قاعدتها وتزيد عدد قواتها في القامشلي شمال شرقي سوريا    إسرائيل تنفذ تفجيرا بالخيام وطيرانه يكثف تحليقه بالبقاع اللبناني    «لمحبي الشاي».. 5 أخطاء شائعة عند تحضيره تحوله لمشروب يضر بصحتك    "مركز الأرصاد" يرفع درجة التنبيه إلى "الإنذار الأحمر" على منطقة جازان    شوبير: كوبري وسام أبو علي؟ عقده مستمر مع الأهلي حتى 2029    بدء تداول أسهم شركتي «أرابيا إنفستمنتس» في البورصة المصرية    شيخ الأزهر يستقبل مفتي بوروندي لبحث سُبُل تعزيز الدعم العلمي والدعوي والتَّدريب الديني    صراع إيطالي للتعاقد مع نجم مانشستر يونايتد    السقا: التعادل أمام الأهلي بطعم الفوز.. ولا أعلم سبب اعتذار حسام حسن فهو ليس كمتعب    محمد إيهاب: نسعى لإخراج البطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة في أفضل صورة    فيبا تضع مباراتي مصر ضمن أبرز 10 مواجهات في مجموعات الأفروباسكت    أوسكار يراجع تقييم الأداء في الدوري مع 4 حكام بعد الجولة الأولى    الفجر في القاهرة 4.46.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة بالمحافظات غداً الثلاثاء 12 أغسطس 2025    كامل الوزير يستقبل وزير خارجية كوت ديفوار لبحث التعاون فى مجالى الصناعة والنقل    "اليوم" يعرض تقريرا عن الفنان الراحل نور الشريف فى ذكرى وفاته    كارولين عزمي ب"فستان جريء" أمام البحر والجمهور يغازلها (صور)    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: قرار قضائي عاجل بشأن «ابنة مبارك».. وحبس المتهمين في واقعة ركل «فتاة الكورنيش»    رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف 2025 مكتوبة وجاهزة    الرئيس الفرنسي: على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب فورا    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية خلية العجوزة    إجراء 15 عملية قلب مفتوح وقسطرة علاجية في الفيوم بالمجان    ترامب يتعهد بإخلاء واشنطن من المشردين..و"إف بي آي" يشارك في دوريات ليلية    وزير الري يؤكد أهمية أعمال صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    مصرع 4 أشخاص وإصابة 3 في حادث تصادم بطريق "رأس سدر"    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    خالد الجندي: كل حرف في القرآن يحمل دلالة ومعنى ويجب التأدب بأدب القرآن    شعبة الجمارك: تسويق الخدمات الجمركية مفتاح جذب الاستثمار وزيادة الصادرات    وزير الزراعة و3 محافظين يفتتحون مؤتمرا علميا لاستعراض أحدث تقنيات المكافحة الحيوية للآفات.. استراتيجية لتطوير برامج المكافحة المتكاملة.. وتحفيز القطاع الخاص على الإستثمار في التقنيات الخضراء    الأمم المتحدة: قتل إسرائيل للصحفيين "انتهاك خطير" للقانون الدولي    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    في سابقة تاريخية.. بوتين يزور ولاية ألاسكا الأمريكية    الرعاية الصحية: إنقاذ مريضة من فقدان البصر بمستشفى الرمد التخصصي ببورسعيد    إسلام عفيفي يكتب: إعلام الوطن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    الذهب يتراجع مع انحسار التوترات الجيوسياسية وترقّب بيانات التضخم الأمريكية    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثوره وحتمية ارتباط الامن القومي المصري بالامن العربي
نشر في شباب مصر يوم 07 - 10 - 2013

قال بطليموس الأول في القرن الثالث قبل الميلاد(إن الدولة المصرية يجب أن تكون لها حدود آمنه تبدأ من برقه في ليبيا غربا ومن فلسطين وسوريا شرقا ومن قبرص شمالا ومن منابع النيل في الجنوب) وذلك ليس مجرد اختيار ولكن تعبير عن الضرورة الملحة ونتيجة لدروس من التاريخ المصري نفسه ففي القرن الثالث قبل الميلاد فوجئت مصر بأول احتلال لها في التاريخ لقد اكتسح الهكسوس سيناء قادمين من وسط أسيا ويقول المؤرخ المصري القديم مانتيون (لا أعلم لماذا غضبت علينا الآلهة وهبت ريح من الصحراء حاملة معها إناسا من عنصر بزئ احتلوا البلاد بدون صعوبة فاستعبدوا النساء والأطفال وقتلوا الرجال وحرقوا القرى) بعد ذلك احتاج التخلص من الهكسوس سنوات طويلة ودماء و تضحيات و لم يتم إزالة الخطر في النهاية إلا بعد أن تعقبته مصر في فلسطين ونجحت في هزيمته في معركة شاروهن فهمت مصر الدرس بوضوح واتفق المؤرخون جميعا علي ان امن مصر يبدأ من الشام .
ويقول الدكتور جمال حمدان في موسوعته شخصيه مصر (إننا نجد بلا استثناء ان كل خطر خارجي يهدد الشام يهدد مصر تلقائيا وعلي الفور بل نكاد نقول إن مصير مصر مرتبط عضويا وتاريخيا بمصير الشام عموما وبالأخص منه فلسطين إن الذي يسيطر علي الشام يهدد مصر استراتيجيا بمثل ما يهددها هيدرولجيا من يسيطر علي السودان)
فليس من قبيل الصدفة إن معظم معارك مصر الحربية الفاصلة سواء منها المنتصر أو المنهزم دارت في ربوع الشام وعلي أرضه وحسمت وحسم معها مصير مصر إبتداء من شاروهن الهكسوس وقادش تحتمس إلي حطين صلاح الدين وعين جالوت قطز و مرج دابق الغوري وحمص ونصيبين محمد علي
* * * * * *
السياسة الخارجية لأى دولة يجب ان تمثل نظرية امنها والدولة مثل السفينة ركابها الشعب والقبطان مؤتمن على أرواح ركاب السفينة وإذا أخطاء القبطان فى تحديد الاتجاه الصحيح فان هذا يمثل كارثة. فقد أخطأنا مرات عديدة أخطأنا فى فهم عظمة مصر وأهميتها وفى فهم التزامات هذا الموقع اخطأنا عندما قبلنا قيودا على صناعتنا الوطنية وقيودا على جيشنا فى القرن التاسع عشر (بعد محمد على) دفعنا ثمنا فادحاً احتلال بريطانية لمصر ... أخطأنا عندما لم نستطيع ترجمة الخطر السياسى لوجود قناة السويس بعد حفرها أصبحت مصر مملوكة لقناة السويس بدلا من أن تكون القناة مملوكة لمصر .
أخطأنا عندما تخلفنا عن فلسطين وما جرى فيها . فوجئنا بدولة معادية ومعتدية وعدوانية بجوارنا وكلفنا ذلك الكثير وما زال . أخطاء كثيرة ارتكبناها .... والسبب أننا لم نع بالكفاية نظرية الأمن المصرى .
أخطأنا عندما تصورنا إن فلسطين بعيدة عنا وما يجرى بداخلها من تسرب للصهيونية وبناء دولة لها فى بداية القرن الماضى . ولم تنتبه له . لقد خدعتنا أصوات من بيننا إما جهلا أو بالعمل لحساب أطراف أجنبية . قالت لنا ما لكم ومال فلسطين . دعوا فلسطين للفلسطينيين وبعدها أفقنا على دولة إسرائيل . وكم كلفنا ذلك من نشأة تلك الدولة وما زال . أفقنا على دولة ترسل لنا شبكات تخريب تنسف منشأة داخل مصر لتخريب العلاقة مع الأمريكان وتعطيل الجلاء عن مصر . أفقنا على دولة تمارس ضغطا وبشراسة حتى تمنع تمويل السد العالى .
أفقنا على دولة تحتل أرضنا عام 1956 ثم فى عام 1967 تحتل سيناء بالكامل . أفقنا على ضرب العمق المصرى فى نجع حمادى وبحر البقر اكتشفنا أن ثمن الجلاء عن سيناء نزع سلاح سيناء . وتنازلات أخرى
* * * * *
كان الخطر الصليبي هو أول حرب عالمية في التاريخ حرب اشتركت فيها كل القوي الرئيسية في أوربا ضد كل القوي الوطنية في العالم العربي ........ وكان الخطر المغولي إعصارا مدمرا اختصر في أربعين عاما كل الدمار الذي حققه الصليبيون في مائتي عام وفي كلتا المرتين تراوحت الحركة في المنطقة ابتداء من مصر إلي سوريا إلي العراق ثم مره أخري من العراق إلي سوريا إلي مصر تراوحت الحركة بين اليأس في مواجهه الخطر وبين التنبه إلي ضرورة رفض الاستسلام كمقدمه للمواجهة ومن ثم الانتصار
في كلتا المرتين جرب العالم العربي كل وسيله ممكنه للتعامل مع العدو. ابتداء من التحالف معه إلي معايشته ومهادنته إلي حتمية مواجهته أخيرا ...... كانت هناك مبررات كثيرة لعدم الصمود والمواجهة ضد الخطر (في كلتا المرتين) ابتداء من الفقر والضعف إلي الأزمة الاقتصادية إلي النقص في السلاح .لكن كان هناك مبرر واحد للصمود هو الأمن ... أمن مصر بالدرجة الأولي وأمن العالم العربي بالدرجة الأكبر .
في كلتا المرتين سلك العالم العربي كل الطرق ابتداء من طريق السلام المنفرد جربته مصر مع الصليبيين مره وجربته العراق مع التتار مره ثم الي طريق المواجهة الشاملة في النهاية ضد العدو المشترك
الطريقة العملية التي انتهي إليها كل واحد من الطريقين معروفه والدروس المستفادة من مواجه الخطر في كلتا المرتين معروفه ..... أولها خطر السلام المنفرد . فسلام مصر مع الصليبيين له نتائجه وسلام العراق مع المغول له نتائجه أيضاً . استطاع الصليبيون أن يتحالفوا مع دمشق مره ضد حلب ثم انقضوا عليهم وتحالفوا مع طرابلس ضد دمشق ثم استولوا عليها وتحالفوا مع الموصل ضد حلب ثم استداروا ضدها تحالفوا مع القاهرة ضد دمشق ثم انقلبوا عليها وفي كل مره ينقضوا عهدهم بعد أن يصبحوا أكثر قوه والحكام العرب أكثر تمزقا وانقساما .
* * * * *
بدأت المرحلة الأولي من الحملة الصليبية في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي والحجة المعلنة (تحت شعار الصليب) استرداد القدس من أيدي المسلمين والهدف الرئيسي الغير معلن هو احتلال له أهداف سياسيه محدده وبمجرد أن تحقق نصر للصليبيين واستولوا علي أنطاكيا قدموا عرض إلي مصر بان تستولي مصر علي القدس وأصبح هذا العرض دليل علي حسن النوايا . ووجد من يروج له وفعلا دخل المصريون بيت المقدس . وعقد حلف دفاعى بين الصليبيين وبين الخليفة الفاطمي ودوافع هذا التحالف مثيرة فالخليفة الفاطمي أعطي السلطة الفعلية لوزيره ابن بدر الجمالي ولم يكن مصرياً وأصبح ابن بدر الجمالي وزير التفويض وأقنع الوزير خليفته بهذا التحالف بحجه أن الصليبيين سيتفرغون لتصفية المسلمين السنه في الشام الأمر الذي يقوي المسلمين شيعه مصر ( ما أشبه اليوم بالبارحة ) وأيضاً أقنعه بحجه كل متخاذل وفي توفير نفقات الحرب والخراب الذي ستجره الحرب علي مصر ....... بعد أن تفرغ الصليبيون لحروبهم في الشام وانتهت بعد تحييد مصر استداروا علي الهدف الأصلي مصر ونقض الصليبيون تحالفهم مع مصر بعد عامين وانقضوا علي المصريين ليذبحوهم عن أخرهم في مدينه القدس ثم القضاء علي المصريين في مدينه عسقلان .
مره أخري نصيحة انهزاميه أخري أن الصليبيين يملكون قوه عسكريه ضخمه ولا قبل لمصر بهم ونستطيع تفادي خطرهم عن طريق رشوتهم وبدأت مصر تدفع الإتاوة بالذهب للصليبيين وحتى هذه اللحظة كان يمكن صد الخطر لو تجاوز الخليفة الفاطمي والخليفة العباسي خلافاتهم ولكن كل سلطان في العالم العربي يريد أن ينجو بجلده من الخطر الصليبي يريد صلحا منفرداً .
* * * * *
فرض الصليبيون علي مصر الإتاوة مقابل حماية مصر عسكرياً . اكتشف الخليفة الفاطمي أن قوه الحماية التي جاءت لتحمي مصر احتلت مصر تنبه الخليفة الفاطمي بعد أكثر من نصف قرن أخيراً تنبه بعد نوم طويل والبحث عن سراب الحل المنفرد فأرسل إلي نور الدين سلطان دمشق يستغيث به قائلا (هذه شعور نسائي يستغثن بك لتنقذهم من الإفرنج) أغاثت دمشق القاهرة بعد ضياع الوقت في البحث عن الحلول المنفردة التي جعلت العرب جثث منفردة وتحولت الجثث المنفردة إلي جيوش مقاتله تعتمد علي ضوء استراتيجيه جديدة تماما تعتمد علي الأمن العربي الشامل والمواجهة العربية الشاملة ضد العدو المشترك
جاء صلاح الدين إلي مصر وخلال ثلاث سنوات بعد أن وحد القاهرة ودمشق وحلب والموصل ضد الخطر المشترك وأدرك صلاح الدين ان امن مصر يبدأ بالنهوض ضد الخطر في فلسطين وفي خلال ستة عشره سنة استطاع العرب بقياده صلاح الدين أن يحصلوا علي أضخم انتصاراتهم في (حطين) ضد الصليبيين انتصار أصبح هو المقدمة الحتمية لزوال الدولة الصليبية نهائيا في القرن التالي
لم تمر فتره طويلة حتى أتي درس أخر فقدت مصر فيه أمنها بسبب تفريط الآخرين فيه ومره أخري يكون السبب هو سراب الحل المنفرد ففي بداية القرن الثالث عشر ظهرت غارات المغول قادمة من وسط أسيا متجه غربا وأصبح الزحف المغولي يهدد العراق ولكن الخليفة العباسي ( المستعصم ) لم يتنبه للخطر القادم علي أبواب دولته حتى أرسل هولاكو قائد المغول إنذاراً إلي الخليفة المستعصم يطالبه بتسليم مفاتيح بغداد كثمن للاحتفاظ بحياته ....... (ودائما) الوزير الأول للمستعصم مؤيد الدين بن العلقمي ينصح خليفته بالاستسلام وان جيش المغول لا يقهر ونصحه بدفع إتاوة اتقاء لخطره ونصحه بتخفيض جيش الخلافة إلي الخمس كدليل علي حسن النية من جانب الخليفة نحو هولاكو وفعل الخليفة المرتعد كل هذا ولكن يفاجأ الخليفة بأن اللعبة قد انتهت والمغول علي أبواب بغداد
* * * * *
المغول علي أسوار بغداد والخليفة العباسي المعتصم مستعد لأي شيء. أي شيء إلا الصمود والمقاومة . أرسل الخليفة العباسي وزيره (ابن العلقمي) لكي يتفاوض مع هولاكو وعاد الوزير ليخبر خليفته بأنه حصل علي عرض مدهش هو أن يسلم الخليفة نفسه وأسرته وحاشيته وموظفيه إلي هولاكو مقابل ضمان حياته واستمراره كخليفة اسمي ونفذ الخليفة نصيحة وزيره . انه يريد أن ينجو بجلده وبمنصبه بأي ثمن . وذهب الخليفة بأسرته
وحاشيته إلي معسكر هولاكو بناء علي النصيحة المخلصة من وزيره ابن العلقمي وفورا اكتشف الخليفة أن وزيره ابن العلقمي يعمل لحساب هولاكو ومهمته إقناع الخليفة بالاستسلام وعدم جدوى المقاومة
وانقض هولاكو علي الخليفة وعلي من معه فذبحهم جميعاً حتى النساء والأطفال وحتى ابن العلقمي ودخل المغول بغداد ليقتلوا مليونا من سكانها في أبشع مذبحه عرفها التاريخ ...... أن الخليفة العباسي لم يدفع وحده وبحياته ثمن سراب السلام المنفرد مع هولاكو ولكن العراق كله دفع الثمن موتا وخرابا واحتلالا ودمارا حتى لون النهر تغير بلون الحبر من جراء اللقاء المغول أمهات الكتب وخلاصه العلوم والآداب في النهر واختفي بعد ذلك منصب الخلافة الإسلامية .......... مثلما فعل المستعصم فعلت دمشق وحلب وصيدا تصوروا أن الخطر بعيد عنهم وبمجرد تدمير بغداد اجتاح الإعصار المغولي دمشق وحلب وصيدا في غمضه عين بعد أن ذبح أكثر من خمسين ألف مسلما في حلب وحدها ........... أما مصر فمن داخلها صوتين صوت يقول ما يحدث في العراق والشام بعيد عنا بما فيه الكفاية ولن تتعرض مصر لخطر إذا رأي المغول أن مصر مسالمة وخاصة أن المغول قوم (لا يقهرون) والمواجهة معهم مستحيلة ولن تجر الحرب سوي الخراب والدمار والهزيمة ........ والصوت الأخر يقول أن لم نتصدى للخطر في فلسطين سنفاجأ به داخل شوارعنا
* * * * *
كانت دروس المواجهة مع الصليبيين لا تزال في الأذهان . وروح المقاومة التي أشعلها صلاح الدين لا تزال حيه وشعب مصر أكتشف أن أمنه أصبح مهددا نتيجة لتفريط الخليفة العباسي في أمن العراق وبحثه عن السلام المنفرد وبالتالى التفريط فى الأمن العربى الشامل هكذا خرج الجيش المصرى بعدما رفض إنذار هولاكو وقتل رسله بقيادة سيف الدين قطز إلى فلسطين ليواجه ويخوض المعركة الفاصلة ضد المغول فى سبتمبر سنة 1260 محققاً انتصاراً مدوياً فى عين جالوت حفظ أمن مصر لأكثر من مائتين وخمسين سنه . وبكلمات المؤرخ البريطانى (انتونى ناتنج) يقول أن نجاح مصر فى إيقاف التقدم المغولى خلف الحدود المصرية وخروجها لمواجهته فى فلسطين بدلاً من التفكير فى انتظاره قد أنقذ مصر من المصير المرعب الذى سقطت فيه سوريا والعراق . ومن ثم ضمن لمصر زعامة ثقافية وسياسية للعالم العربى استمرت وبلا منازع لستة قرون بعدها إن الذى حقق انتصار حطين والذى حقق انتصار عين جالوت الأول جرب التعايش مع الخطر الصليبى فدفع ثمناً غالباً . والثانى رفض أسلوب التعايش مع الخطر المغولى من البداية . ولكن جمع بينهما . أن كلاهما رأى فى وحدة القاهرة ودمشق و بغداد هو المدخل الوحيد لمواجهة الخطر وكلاهما أدرك أن أى عاصمة عربية تبحث عن السلام المنفرد خطر يهدد جميع العواصم العربية . وكلاهما فهم أن ما يجرى فى فلسطين وفى سوريا وفى لبنان وفى العراق . لابد أن يكون من صميم الاهتمامات الجوهرية لأمن مصر وأن كل خطر جديد يأتى إلى المنطقة . قد لا يبدأ بمصر ولكنه حتماً سينتهى على أعتابها .
ومع ذلك ومن درس الخطر الصليبى والمغولى . هناك درس خطير وجوهرى ويحتاج إلى التأمل هذا الدرس هو : أن لحظات اليأس القاتل فى التاريخ المصرى . كانت هى نفسها أقرب اللحظات إلى الانتصار الكامل .
* * * * *
اخترنا من التاريخ المصرى تجربتين محددتين كنموذج لفترات اليقظة المصرية فى محاولة لاستخلاص الدروس منهما فى التاريخ المعاصر ولندع التاريخ جانباً ونعيش الواقع . إننا استمعنا ونستمع كل يوم (مالنا ومال فلسطين) (ومالنا ومال العراق) (ومالنا ومال التحرش بسوريا) إننا فى سلام فلنستريح وكفانا ما كان .
والسؤال هنا كيف نستريح ؟ هل نستريح وبجوارنا ترسانة نووية إسرائيلية تهدد كل بيت فى مصر بل كل بيت فى الوطن العربى . هذه حقيقة . ولكن هل هى حقيقة نهائية . وأمر مسلم به ؟
عندما حدث ما حدث فى السودان من تقسيمه وزعزعة استقراره وفصل جنوبه عن شماله بتدخلات خارجية ورائها الصهيونية هل منع السلام مصر من تهديد المواطن المصرى بالتحكم فى شريان الحياة وإقامة السدود على منابع النيل . لابد م ان تعي مصر الدرس جيداً . ولكن هل ندافع عن حياة المواطن المصرى بتوفير المياه (الذى منها كل شئ حى) لتقدمه ممتلئ المعدة هدية لإبادته بالصواريخ الإسرائيلية .
مقولة شهيرة لنابليون (أن مصر أهم بلد فى الدنيا) إذاً الأصل هو دائماً قوة مصر وليس ضعفها . لنترك الماضى . نترك ما حدث وما فعلته إسرائيل فى دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا (1) وقانا (2) وضرب المفاعل النووى العراقى وبحر البقر ونجع حمادى وأبو زعبل نترك قتل الأسرى المصريين وهم معزولى السلاح فى سيناء . نترك دماء الدكتور المشد والدكتورة سميرة وغيرهما من علماء مصر والعرب . نترك كل هذا وبرغم مرارة وفظاعة ما فعلته إسرائيل وما زالت تفعله بأشقائنا الفلسطينيين كل يوم نترك كل هذا ولا نجعل الموضوع ثأر وتصفية حسابات ولكننا أمام تحديد لاحتمالات المستقبل . مستقبل مصر أهم بلد فى الدنيا بل ومستقبل الوطن العربى كله .
* * * * *
لابد لنا من تحديد احتمالات المستقبل . إننا أمام اختيارين لا ثالث لهم . إما نكون أو لا نكون بتعبير شكسبير الشهير فلابد من التفكير والبحث عن حلول للخروج من هذا الواقع المرير . إننا لا نملك رؤية للمستقبل ونكتفى بتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى . إننا لا نملك إلا تنفيذ ما يتخذ من قرارات وضعت بعيداً عنا ولم نشارك حتى فى أخذ رأينا فيها وليس فى صنعها . يخرج علينا من يقول الحل هو الحياد وكفى الله المؤمنين شر القتال . حل لا أخلاقى وانتهازى كيف أكون محايداً بين أخى (المظلوم) وبين عدوى (الظالم) وبرغم سذاجة الحل . هل غفر لمصر حيادها لمدة نصف قرن تقريباً وبعد رحيل محمد على فى القرن التاسع عشر ؟ جربت مصر الحياد وانتهى باحتلال بريطانيا لمصر ولمدة أربع وسبعون عاما وليكن لنا فى حياد لبنان عبره . هل نجاها حيادها من القصف الإسرائيلى واحتلال جزء من أرضها ومن المؤامرات الصهيونية التى تحاك كل يوم لإشعال نار الفتنة والحرب الأهلية هل نجا لبنان حيادها . هل نجاها من محاولات التمزق .
إن حماية الدولة التى تتخذ الحياد طريق لها مرهون بالمصالح الأمريكية الأوربية الإمبريالية وعندما تنتهى المصالح تجد الدول التى تتخذ الحياد منهج لها تجد نفسها فى معمعة الصراعات مثل بعض دول أوروبا الغربية .
إننا نعيش حالة من التخبط والضياع وأغرب مثال على ذلك . عندما كانت قواتنا المسلحة متواجدة على الأراضى السعودية أبان حرب الخليج الثانية أو ما سمى بحرب تحرير الكويت أو عاصفة الصحراء أو هالا ماريا [ المجد للعذراء ] . أو تحت أى مسمى .
كانت قواتنا فى منطقة حفر الباطن وعندما يستمع جنودنا المصريون عن طريق الراديو بقصف تل أبيب بالصواريخ العراقية . كانوا يرقصون فرحاً وإعجاباً بمن !؟ بالمفترض أن يكون عدوهم الذين جاءوا لقتاله . أى حالة من التخبط والضياع هذه نحن مع من وضد من ؟ والآن والقوات الأمريكية تحتل العراق وتسعى إلى تفتيته وقواعدها المنتشرة على أراضى الخليج وفى مياهه الإقليمية . والآن تحرش بسوريا . والآن قتل الفلسطينيين والجدار العازل . والآن تهديد لكل الدول العربية . مطلوب رؤية واضحة للمستقبل مطلوب وقفه تعيد العزة والكرامة :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.