يمكنك ان تقلب الصحف العربية بهدف معرفة الجديد في المجال السياسي وأيضا لتتندر من وقائع تكاد لا تحدث في أي رقعة من العالم إلا في الدول العربية ،فمن انتاجنا المحلي اخبار مثل : اجهزة امنية مصرية "محترفة" تصادر اغاني تنتقد وزير الدفاع المصري ،وتصادر اقمصة حاملة لشعار "رابعة " ،وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية تصادر اقنعة "فانديتا" ، قد يتساءل احدهم لماذا كل هذا الخوف من مسائل رمزية ؟ربما هذا يظهر هشاشة هذه الانظمة التي اعتمدت على اجهزة امنية في التعامل مع قضايا سياسية وأصبحت ترتعد من كل وسائل المعارضة حتى الرمزية منها ،كل هذا يحدث في وقت اصبح فيه حق التعبير امرا بديهيا في اغلب دول العالم . ومن اهم اختراعاتنا في مصر، استحداث انقلاب بهدف دعم الديمقراطية !! ، والأسوأ ان تقرأ الكثير من الصحف العربية وهي تعدد مزايا الانقلاب وتصفه بانتصار الشعب وانتصار الثورة وتبارك بتعيين حكومة لا تدير من امرها شيئا ،وتقرا اخبار متتالية عن وزير الدفاع امر ...وزير الدفاع فعل ،وعندما يفعل الرئيس يكون المرسوم خاص بالقوات المسلحة او المجندين !!...ويمكنك ان تقرا تعليقا لنفس الرئيس المعين بان القضاء المصري "شامخ "...وبعد ايام يصدر القضاء حظر انشطة جماعة الاخوان ويفرج عن مبارك "المخلوع" وعن المهندس احمد عز بكفالة ....والقضاء العسكري مستمر بمحاكمة المدنيين دون ان ينازعه القضاء المدني "الشامخ "في اختصاصه شيئا... بل و يتحول مبارك الى مؤرخ وشاهد على العصر ،ويسجن فجأة ناشطون حقوقيون وثوار بتهم "جنائية " !!.والمصيبة ان لا احد يتحدث عن انتكاسة للديمقراطية من الشخصيات الليبرالية وكأن المثقفين العلمانيين عقدوا العزم على خوض حرب ضروس ضد الاخوان تحديدا دون غيرهم ،والواقع السياسي يتغير لصالح فلول النظام القديم والبساط يسحب من تحت ارجل الليبراليين والإخوان على حد سواء ،لكن لا حياة لمن تنادي . في سوريا ،يمكنك ان تقرا عن بشار وهو يتحدث عن نهاية الطغيان بعد عزل مرسي ،ويمكنك ان تقرا عن تسليمه اسلحة كيماوية لا يملكها لتدميرها !!! ، والكثير من الحبر يمكن ان يهدر في المفارقات السياسية للأسد لكن لا احد يهتم بها نظرا لمأساوية الصراع السوري الذي كفل تغطية ملائمة على هذه الهفوات . وعندنا تم اختراع مصطلح "العنف البرلماني " اذ يمكنك ان تقرا خبرا عن برلماني يستعمل سلاح ناري داخل قاعة البرلمان ، وهذا ما حدث بالفعل في الاردن من فترة ،وكشفت تقارير الصحف على اثر هذه الواقعة تورط أكثر من 80 نائبا في البرلمان السابع عشر بقضايا منظورة في المحاكم ، و عن اتهام نحو 30 نائبا في البرلمان السابع عشر في قضايا الذم والتحقير والتهديد والإيذاء والقتل بغير قصد وإحداث عاهة دائمة...، بل إن عدد القضايا التي يواجهها أحد النواب بلغت 233 قضية ، من بينها 79 بين منظورة ومجددة ، وقيد التنفيذ ، بمعنى ان صانعي القوانين هم اول من يقوم بخرقها ولا مصداقية لهم ولا ذمة . وفي عدد من الدول العربية ، العلاقات الشخصية هي المحدد الرئيس للسياسات الخارجية فلا نتعجب حينما نقرا مثلا ان ملك السعودية ايام ثورة 25 يناير المصرية اتصل باوباما ليؤكد له انه لن يتخلى عن "صديقه " مبارك وانه سيدفع ما يعادل مبلغ المساعدات الامريكية في حال قررت الولاياتالمتحدةالامريكية قطعها ،وللمسألة مبررها فالنظام القبلي والتحالفات العشائرية هي التي تصنع التوازنات السياسية الدقيقة في المملكة ولا مكان للمؤسسية هناك . وتستمر المهزلة ،لتتغير الشخصيات دون ان يتغير مضمون الاحداث فلا حرية ولا بصيرة ولا مؤسسات ولا مصداقية ،وتعظم المصيبة عندما تكون هذه المظاهر في دول ذات ثقل سياسي وجغرافي وبعضها يطمح ليلعب دورا قياديا ،ويزيد عبء المصيبة عندما نتعود على اخبار مماثلة حتى انها لم تعد تحدث أي دهشة او استغراب .