الخبر الأول يقول: إن السيد عباس ينوي حل السلطة الفلسطينية، والخبر الثاني يقول: إن لقاءً أمنياً إسرائيلياً فلسطينياً أمريكياً عقد في تل أبيب. خبران ضدان لا يلتقيان، فمن يريد حل السلطة، ويئس من الحلول التفاوضية، ووصل إلى حد الإحباط، لا يوصي رجال أمنه بالذهاب إلى تل أبيب ومواصلة التنسيق الأمني! ومن يواصل التنسيق الأمني، لا يفكر في حل السلطة حتى ولو ابتلعت إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يكفي ما جاء على لسان الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حين هدد "بالتوقف عن تطبيق الاتفاق الذي ينظم التنسيق الأمني، لأن إسرائيل أوقفت تطبيق الاتفاقيات من جانبها منذ زمن". ولو كان هذا التهديد الفلسطيني جدياً، لامتنعت السلطة عن التنسيق الأمني من اللحظة التي مزقت فيها إسرائيل ورق الاتفاقيات، وألقته من على أسطح مستوطنة "أرئيل" في الضفة الغربية، التي اعتبرها الإسرائيليون تساوي مدينة تل أبيب. السلطة الفلسطينية في ضائقة سياسية، وتعاني من التطرف الإسرائيلي، ولكن الرد الذي يقنع المواطن الفلسطيني بجدية السلطة في الخروج من المأزق هو وقف التنسيق الأمني فعلاً، وليس الاختباء وراء التهديد بوقف التنسيق، ولاسيما أن الممارسة الإسرائيلية على الأرض تؤكد تخلي إسرائيل عن جوهر اتفاقيات أوسلو التي استوجبت التنسيق الأمني. وهذا ما يؤكده الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي اتهم إسرائيل بإعادة فرض السيطرة على كل مناطق السلطة الفلسطينية، حتى أنها ألغت الدور الشكلي للسلطة على المعابر الخارجية بموجب اتفاق أوسلو وملحقاته، حين كان موظفو السلطة يأخذون جوازات سفر المسافرين الفلسطينيين، ويقدمونها إلى الموظف الإسرائيلي، الذي كان يجلس خلف زجاج داكن يرى منه كل المسافرين، ولكنه لا يُرى. يضيف الدكتور شعث كلاماً يفرض على السلطة وقف التنسيق الأمني فوراً، ويقول: كان رجال الأمن الفلسطينيون في عهد اتفاقات أوسلو يقفون على مداخل المدن، ويمنعون دخول أي دورية إسرائيلية إليها، الأمر الذي لم يعد قائماً الآن. بل أن إسرائيل تمنع تنقل الأزواج وأفراد الأسرة الواحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، خلافاً لنصوص أوسلو . لو افترضت أن التنسيق الأمني كان مقابل كل ما ذكره الدكتور نبيل شعث من امتيازات للسلطة، وقد أوقفت إسرائيل ذلك كما قال، فإلى متى يظل التنسيق الأمني قائماً؟ وكيف نصدق التهديد بحل السلطة وهذا فأس التنسيق الأمني لما يزل يشج رأس المقاومة، وها هي اللقاءات الأمنية تتواصل مع المخابرات الإسرائيلية حتى وسط تل أبيب.