لا يعجبنى ذلك التعليل الفج الذى يردده البعض كلما أضر أحد من المصريين فردا كان أو جماعة بمسجد من المساجد أو غيرها من دور العبادة ، فنراه يقول لك مثلا : لو كانت كنيسة ما كان يجرؤ أن يتهجم عليها أو يوقع بها هذا الضرر بالقول أو الهدم أو الحرق أو الغلق ! والحق أن سماحة ديننا الحنيف لا تجعل لأحد أيا من كان أن يهدد بيتا للعبادة صومعة كانت أو كنيسة أو صلوات أو مسجدا يرفع فيه اسم الله تعالى ذكرا وتهليلا وتحميدا وتكبيرا ، أو أن يروع فيه الركع السجود. وعليك أن تتدبر قوله سبحانه " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "( الحج : 40 - 41) إن ما يحدث لدور العبادة من إعتداءات وتهجم عليها من متظاهرين من قوى مختلفة مهما كانت التبريرات سياسية كانت أو شخصية إنتهازية مجرمة يعد شيئا فظيعا من الأغراض الدنيئة ؛ فلا يقبله عقل العقلاء ولا سماحة المتدينين ، فالتعدى على حرمة دور العبادة بعامة والمساجد بخاصة وتعريضها للخطر مخالفة بكل المقاييس للعقيدة الدينية الصحيحة والأعراف القانونية والقيم والفضائل أخلاقية ؛ فلعل أشهرها ما حدث بالإسكندرية من حصار لمسجد القائد إبراهيم والتهجم على المعتكفين فيه قبل ما يسمونه ثورة 30يونيو وقبل عزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى ، ولم يحرك أحد ساكنا ، بل أغلق المسجد بعد ذلك أمام المصلين. وهو ما حدث بالنسبة لجامع الفتح بميدان رمسيس بعدما احتمى به بعض المتظاهرين خوفا من رصاص الأمن بعد مذبحة رابعة والنهضة ، فقد حاصرته القوات الشرطية وأفراد من الجيش بأسلحتهم المختلفة وأطلق على من احتموا بداخله الرصاص الحي كما ألقي عليهم القنابل المسيلة للدموع حتى كاد أن يختنق من لاذ بالمسجد خوفا على أنفسهم من رصاص قناصة الأمن والبلطجية وبطش السلطة. ومع أننى لا أوافق مطلقا أن يتهجم الهجامون من هنا أو هناك باسم التظاهرات أو الاعتصامات لدور العبادة بوجه عام ولأى سبب سياسي أو غيره مهما كان وبأى معنى كان ، فبيوت الله جل ذكره وتباركت أسماؤه فى الأرض المساجد ، فلا يحق أن يعلن فيها أو يذكر إلا الله تعالى ، وهو ما أكدت عليه الآيات البينات كما فى قوله تعالى " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ( النور: 36 ) ، وقوله تباركت أسماؤه " وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا "( الجن : 18 ) إن من أشد المحاذير والتهديدات التى توعد الله تعالى بها الظالمين أن يمنعوا عباد الله مساجد الله جل فى علاه ، فإن كان اليهود فى فلسطين المغتصبة والقدس المحتلة يمنعون المسلمين من المسجد الأقصى ، فلا يعقل أن يتشبه بهم حكام المسلمين فى أن يمنعوا أنفسهم من مساجد الله تعالى ، فذلك ظلم بين لا يدانيه ظلم إلا الشرك بالله تعالى ، وذلك فى قوله تعالى" ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( البقرة : 114 ) ، وهو قوله تعالى " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ " ( التوبة : 18 ) ويبدو أن وزارة الأوقاف فى حكومة الببلاوى لم تجد لها حلا إلا غلق المساجد بعد كل وقت من أوقات الصلاة ظنا منها أن ذلك يمنع مؤيدى الرئيس المعزول والواقفين مع الشرعية من التظاهر وإعلان رفضهم للحكومة المؤقتة بأنها حكومة إنقلابية لا حق لها فى الحكم مع وجود رئيس شرعي فى البلاد ، فهو ما يؤكد أن نظام الرئيس المخلوع عاد بكل قوة من جديد. إن إغلاق المساجد بتحديد ساعات فتحها بأوقات الصلاة تضييقا على المسلمين أن يأتوا بيوت الله أنى شاؤوا مصلين أو معتكفين ، فلا يعقل أن مسافرا مثلا إن أراد أن يصلى بمجرد وصوله إلى المسجد فى أى وقت شاء أن يجد بيتا من بيوت الله تعالى مغلقا تنفيذا لقرار وزير الأوقاف بحجة حماية المساجد ، فالمساجد محمية بذاتها ، فلا يحق لأحد إقتحامها كما سمعنا ورأينا بأمر من الشرطة أو وزير الأوقاف 00 ! وعموما ، فدين الإسلام سمح ويسر كله ، فقد احتاط نبي الإسلام وخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للأمر منذ البداية ، فمن الخصائص الست التى أعطيت له دون الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم أن جعلت له الأرض مسجدا وطهورا . ولك أن ترى هذا الفضل الإلهي لهذه الأمة وهذه الرحمة المهداه عندما ترى رجلا مسلما بسيطا فى حقله وبين خضرة زرعه ، أو فى قاربه الذى يتهادى بين الأمواج يصلى ، فلا شيئ يمنعه أن يصلى لا قرار وزير أوقاف الحكومة الببلاوية ، ولا حتى كأوامر الشرطية الصارمة الدكتاتورية فى أيام بن علي الخاسر فى تونس قبل الثورة التونسية ، فقد حددوا مساجد لكل جماعة من المسلمين لا يصلون إلا بها كما تحدد البطاقة التموينية جهة صرف مخصصات التموين 00 ! إن الأمر فى ديننا أيسر من هذا التحكم البيروقراطي الدكتاتوري ، فالأرض كلها مسجدا وطهورا ، فلم يتميز فيها موضع عن غيره إلا فى سبع مواضع ؛ نذكر منها ثلاثة خى الأشهر يمنع فيها الصلاة وهى : 1 - المقبرة 2- والحمامات 3- ومعاطن الإبل أما باقى الأماكن ، فلا حرج عليك أيها المسلم أن تصلى فى أى موضع وحيث شئت لا حيث شاءت الحكومات الفاشية. ليس هناك موضع ومكان محدد لك لتصلى فيه ، فقط الثلاثة أماكن المستثناه لا تصلى فيها ، كما أنه ليس ثمة مسجد من المساجد له إختصاص أو ميزة تخصه عن غيره من المساجد ، فالمساجد كلها متساوية فى الأجر والثواب ، فلا فضيلة إختصاص ليست فى غيرها من المساجد ، فليس لمسجد منها فضيلة تميزه عن غيره من المساجد ، فجميع بيوت الله تعالى متساوية فى المنقبة والفضيلة إلا ثلاثة مساجد خصت من بين مساجد الأرض بفضائل ومناقب ليس لغيرها ، فتلك هى المساجد الثلاثة التى تشد إليها الرحال المذكورة غى الحديث النبوي الصحيح ، وهى : 1- المسجد الحرام بمكة المكرمة 2- والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة. 3- والمسجد الأقصى بالقدس الشريف. يبقى أن المسلمين ليسوا فى حاجة إلا إذن أو تصريح لهم أو تأشيرة دخول لبيوت الله تعالى جده وتباركت أسماؤه ، بل هم أينما كانوا وحيثما كانوا يستطيعون بكل أريحية ويسر أن يتوجهوا لربهم سبحانه وتعالى بالصلاة تقربا وطاعة سواء كانت المساجد مفتوحة أو مغلقة ، بل يستطيعون بكل يسر أن يصلوا أمام المسجد فى حالة تعمد إغلاقه بالأمر المباشر من السلطة أو وزير الأوقاف ، فيغيظون الظالمين ليموتوا حسرة وكمدا على ما فرطوا فى حق الله تعالى. ( والله غالب على أمره ) [email protected]