في حياتنا هناك الكثير من الناس , وفي ذكرياتنا هناك أناس أكثر , وفي كل وجهٍ نراه نستدعي معه أحاسيس ومشاعر , قد تقتلنا بلطفها أحيانا, وقد تثير بأعماقنا نوازع العصبية والنفور في أحيان أخرى , إنها تجارب نفسية نعيشها في قلوبنا وأرواحنا لكننا نجامل الجميع خوفا من جرح المشاعر وتأنيب الضمير, هناك من يسلم عليك فتشعر بأنه قد سرق يدك وربما كتفك ولو تفقدت أكثر فربما لا تجد حتى جسدك , وعندما تسارع للرحيل فانه يستوقفك ليسألك عن رصيدك البنكي وعندما تخبره بالمبلغ الزهيد تجد أن لعابه بدأ السيلان وامتد لسانه يريد أن يلعق الفكة المتساقطة من كلامك , لكنك ورغم ذلك تودعه متلطفا بعد أن تتمنى له الخير والنعيم, وهناك من الناس من يسير في الطريق وقد ظهرت عليه علامات التنسك الزائف فيسلم عليك مبتسما , وعندما تحييه بمثلها أو أكثر منها يبادرك بالحديث عن التعبد والتنسك ليسألك عن عدد مرات ختمك للقران وعداد تسبيحك و ساعات قيامك الليل وعندما تخبره بالحقيقة المُرة تجد أن أساريره تغدو أكثر ارتياحا مهما حاول إخفاءها فلم يجد خلال توقفه بين هذا وذاك من يتفوق عليه بكثرة التسبيح والتهليل وتأتيه الفرصة سانحة ليظهر لك قدراته في الحفظ وتفوقه في الخطابة وعندما تستأذنه بالرحيل يطلب منك أن تكلم من تعرفه ليجد واسطة لابنه الذي اعجز المفسرين في حصوله على الشهادة الكرتونية,لكنك تودعه بكل لطافة, وتتمنى لابنه الخير والوظيفة , وهناك من الناس من يطلب منك موعدا لزيارته, متحججاً بصداقة تربض منذ زمن في غرفة الإنعاش وعندما تلبي الدعوة منتشيا بأصدقاء زمنٍ بعيد يستوقفك رافضا الحديث عن الذكريات, ليأخذك إلى أنحاء بيته المتصلب المشاعر كساكنيه ,فيعدد لك قائمة أسعارٍ بمحتوياته و بجانبها أسماء المحلات الفخمة التي زارها برفقة زوجته البليدة وابنه الشرس السمين, وبعد أن تختتم التسوق في بيته يفتح لك فمه الانتقامي برائحته القديمة التي ما زالت ذكراها تعشش في ذاكرتك ,مشيرا إلى انك لست بمثله تحب الهدايا وتعشق تقديم الخدمات للمحتاجين الفقراء من أهل النفوذ والجاه , وعندما تستأذنه بالرحيل يطلب منك أن لا تخبر أصدقائك الآخرين بمكان سكناه فقد تقاعدوا من العمل والأفضل عدم إزعاجهم بالقدوم لكنك تودعه متلطفا مبتسما لكرم الضيافة على مائدة الذئاب ,وهناك من الناس من لم تراه لسنوات طويلة و ربما لم تره طوال حياتك وربما مررت بجانبه دون التفات لكنه عندما يراك حزينا يأتي إليك ليخفف عنك حزنا لا يعرفه ويغادر دون أن يطلب منك شيئا وربما لن تراه بعدها أبدا , وهناك من يراك مغشيا عليك فيسرع لنجدتك ثم يدفع عنك أجرة النقل لسائقٍ يرفض أخذها ليتقاسما أجور غرفة الطوارئ ويذهبا هكذا من غير عنوان ودون الوداع متلطفا مبتسما.