مبارك الذى ظلمناه

لعل كثيرين ممن هاجموا الرئيس الأسبق مبارك وألصقوا به كل النقائص والشرور يراجعون أنفسهم الآن بعد أن اكتشفوا أن سوءات الرئيس السابق محمد مرسى خلال سنة واحدة تفوق بكثير ما اقترفه نظام مبارك خلال ثلاثين عاما .
لايستطيع أحد أن ينكر أن نظام مبارك كان فاسدا خاصة بعد اتجاهه نحو التوريث كما لا يستطيع أيضا أن ينكر أن نظام مبارك الذى امتد الى ثلاثين عاما كان فى بدايته نظاما جيدا فيما يقرب من نصف هذه المدة وأن أحد أسباب انتشار الفساد فى النصف الثانى من عهده يعود الى تقدم مبارك فى السن بالدرجة التى أصبح معها لا يدرك حقيقة ما يدور حوله خاصة فى وجود شلة المنافقين والمنتفعين التى أحاطت به وعزلته تماما عما يدور فى مصر على أرض الواقع ، وقد كان واجبا علينا أن نثور على هذا النظام قبل 15 عاما مضت .
وعلى الجانب الآخر فان ما ارتكبه محمد مرسى وجماعته الفاشية فى خلال سنة واحدة يفوق فى بشاعته وجرمه كل ماسبقه من عهود ، ان جريمة واحدة من جرائم محمد مرسى ، هذا الديكتاتور الذى ارتدى زى الطيبة والتدين وحاول خداع البسطاء من شعب مصر ، وهى جريمة تعريض السلم الاجتماعى للخطر من خلال زرع بذور الفتنة بكل أشكالها الدينية والسياسية والاجتماعية وتقسيم المجتمع المصرى الى فرق وفصائل متناحرة بهدف طمس الهوية المصرية ، هذه الجريمة وحدها كافية لاسقاطه وتقديمه الى العدالة بتهمة الخيانة العظمى .
لم يذكر لنا التاريخ المصرى القديم والحديث أن حاكما مصريا قد تهاون فى الحفاظ على أمن حدود بلاده أو فرط فى ترابها كما فعل مرسى وجماعته ، لقد فتح مرسى حدود مصر وأبوابها على مصراعيها لكل الجماعات الارهابية المتاجرة بالدين القادمة من كل انحاء العالم لتكون أرض مصر مأوى لهم .
ان الخيانة والعمالة هى أبشع ما يوصف به حاكم يحكم بلدا يحمل جنسيتها وينتمى الى أرضها ، وها هو محمد مرسى متهم بجريمة الخيانة العظمى لتعاونه وتخابره مع المخابرات الأمريكية CIA بوثائق وأدلة ثابته ، ومن ينكر أو يعترض على هذه التهمة فليرجع الى كتابات وأحاديث الدكتور / ثروت الخرباوى الذى كان واحدا من قيادات جماعة الاخوان المسلمين وانشق عنها ، والى ماكتبه ووثقه الدكتور / عبد الرحيم على الباحث فى الجماعات الاسلامية ، والى غيرهما .
من ينكر خيانة مرسى وعمالته هو وجماعته للولايات المتحدة فليفسر لنا سر هذا الهلع والرعب الأمريكى من مجريات الأحداث فى مصر منذ ثورة 30 يونيو وسر اهتمامهم البالغ بمحمد مرسى وهو فى محبسه والمطالبة بالخروج الآمن له ، هو وقيادات جماعته .
هذا الاهتمام الأمريكى لم يحظ به حسنى مبارك الذى حكم مصر 30 عاما ، ولم تطالب أمريكا ومنظمات حقوق الانسان التابعة لها بالافراج عن مبارك أو خضوعه لمحاكمة عادلة ، والسبب واضح وبسيط .. حسنى مبارك لم يفرط فى حبة رمل واحدة من أرض مصر ولم يسمح لأمريكا طوال مدة حكمه بأن يكون لها قاعدة عسكرية واحدة على أرض مصر رغم الضغوط الشديدة التى تعرض لها .
وللحقيقة والتاريخ ان مبارك كان فاسدا مثله مثل حكام كثيرين وان مرسى كان فاسدا وعميلا لدولة أجنبية لكن هناك فارق شاسع بين الفساد والخيانة .