منح 36 مؤسسة تعليمية ب قنا شهادة الاعتماد    الجامعة البريطانية في مصر تطلق تخصصًا جديدًا بكلية إدارة الأعمال والعلوم السياسية    تعديل لائحة النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والصيد واستصلاح الأراضي    رئيس جامعة العريش يكرم الطلاب المشاركين في الكشافة البحرية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    دمياط تحيي ذكرى انتصارها التاريخي بوضع الزهور على نصب الجندي المجهول    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    معهد بحوث البترول وجامعة قاصدى مرباح الجزائرية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك    حماة الوطن يطالب بضرورة إعادة النظر في العلاقة الإيجارية    الموالح المصرية الأولى عالميًا بفضل الجهود الحكومية    سفارة روسيا بالقاهرة: نرحب بالرئيس السيسى صديقا عزيزاً لموسكو    سلطات الاحتلال الإسرائيلى تفرج عن 11 أسيرا من قطاع غزة    دخان وردى.. ناشطات فى الفاتيكان يطالبن بمشاركة نسائية فى اختيار البابا.. فيديو    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير الشباب والرياضة ومحافظ بني سويف يتفقدان مركز التنمية الشبابية    ميدو : لاداعى للصيد في الماء العكر وتصريحاتى يتم تحريفها    فوز ناشئى اليد على التشيك وديا للمرة الثانية    الداخلية تضبط عصابتين لتصنيع المخدرات من عقار طبى بالقاهرة والجيزة    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    تعليم الأقصر تعلن انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الإعدادية.. صور    هشّم رأس شقيقه دفاعًا عن والده.. حبس المتهم في جريمة السمطا بقنا    ميزة جديدة في واتساب.. تلخيص الرسائل باستخدام الذكاء الاصطناعي من Meta AI    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    مبدعون ومنتجون يقدمون مقترحاتهم لتطوير دراما رمضان 2026.. تذليل العقبات الإنتاجية وتسهيل إجراءات التصوير فى الأماكن العامة.. التأكيد على عدم الاستغلال الخاطئ للحرية.. وقواعد وقوانين واضحة للعاملين فى الصناعة    زواج معلن وطلاق غامض.. حكاية بوسى شلبى والساحر محمود عبد العزيز    3 أبراج تحب بكل قلبها.. لكنها تجد أقل مما تستحق    ترى حفرة محاطة بالأشجار أم عين؟.. لغز يكشف مخاوفك من الحياة    رئيس الوزراء من مستشفى طنطا العام الجديد: هذا الصرح يضاهي أعلى المستشفيات بالعالم.. تكلفته مليار جنيه ويتوافر به 300 سرير.. مازال لدينا تحديات ونحتاج مزيدا من العمل.. وهناك مشروعات أخرى سيتم تنفيذها    نائب وزير الصحة يتفقد عدد من المنشآت الطبية بمحافظة أسوان    مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية: تخصيص مليار جنيه للجينيوم المصرى    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    غرفة المنشآت السياحية: الاستثمار في الإنسان هو الأذكى.. وتأهيل الطلاب للضيافة ضرورة لتطوير السياحة    الصفا الثانوية بنات يتفوق على كل أفلام علي ربيع في السينما (بالأرقام)    القومي للترجمة وكلية اللغات بجامعة مصر يوقعان اتفاق لتعزيز التبادل الثقافي    لازم تعرفي| نصائح للأمهات لتوعية أولادهن ضد التحرش    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    عاجل.. حسام حسن خارج قيادة منتخب مصر في كأس العرب 2025 وطاقم جديد يتولى المهمة    محافظ مطروح يتفقد أعمال النظافة والتطوير بشارع الريفية    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    قصور الثقافة تحتفل بختام مشروع الحكي الشعبي غدا على مسرح السامر    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    وزير خارجية إيران: زيارتي للهند تهدف لإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة    وزير الري: كاميرات لقياس التصرف على ترعة الإسماعيلية    بوتين: التبادل التجارى مع الصين بلغ أكثر من 244 مليار دولار    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4810 جنيهاً    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آذار قال لي
نشر في شباب مصر يوم 01 - 04 - 2013


على هذه الأرض وضعتنا أمهاتنا بالشقاء والمعاناة والألم والفرح، وكحّلنَ عيونَنا بنور الشمس، وفي ترابها وطلّها ومائِها وأعشابها عمّدنا اباؤنا. فكانت الأرض فينا وكنّا فيها. وكان ترابها منا وكنّا منه. هي حوّاؤنا وأمُّ من لا أمّ له منا. هي بداية البدايات. الله والأرضُ وآدم والأمّ والأب يبدؤون جميعاً بحرف البداية حرف الألف. حرف المناغاة الأول للوليد. حرف واهب الحياة وحرف الموهوب. منذ جدّي كنعان الذي زرع وغرس وحصد وجنى وعلّم البشرية ما لا تعلم، ومنذ جدّتي عنات التي وهبت الجليل جمالاً، والغور خصوبة، والبطوف خضرة من عينيها، والساحل سحراً من جفنيها، والبحر موجاً من صدرها، منذ كنعان وعنات والأرض تشمّ رائحة عرقي، وتعرف ملمس قدميّ، ودبيب أناملي، تعرف كوفيّة جدّي لا برنيطة الجنرال الأحمق نابليون، وتعرف قمباز أبي لا بذلة بلفور، وتعرف شروال خالي الأسود لا بنطلون برلسكوني، وتعرف فستان أمي الذي طرّزته بالجوريّ والياسمين لا ورقة التوت على عورة بار رفائيلي. في آذار تنفض الحياةُ سباتها ويزغرد الجنس في شجر الخوخ ومشمش الصبايا، في عيدان الكرمة وسنديان الشبان. ويعودُ يقومُ ينهضُ الناصريّ ويمسح براحته على الجبال والوديان والسهول فتمتلئ عشباً أخضر وأزهاراً ومحبة. يا بن مريم أورثتنا صليبك الخشبيّ ومنحتنا حبّاً وما زلنا نحمل صليبك راضين بقدرنا. في آذار الأول في العام 1976 بوابة التاريخ الفلسطيني إلى الحياة اغتلنا غول الخوف الذي استوطن في صدورنا منذ النكبة، وطردنا الأشباح من وطن المقهورين، ومن حارات الفقراء، ومن أزقَة البلدة التي تعطّرت بأنفاسنا. في آذار الأول قدّمنا آيات الشكر لمغنَي القافلة نوح إبراهيم الذي أنشد "دبّرها يا مستر دل، بلكي على إيدك بتحل" ولو كان بيننا الآن لقال "دبّرها يا مستر أوباما، حاجي تتغابى وتتعامى". وعانقنا أبا الطيّب على تراب الشجرة حاملاً روحه على راحته وزففناه ثانية إلى الحيّ الشرقيّ في الناصرة. في آذار الأول اشتعل شهداؤنا يا غسان في سخنين وعرابة وكفركنا ونور شمس مع شقائق النعمان. شهداؤنا يحترقون ويبخّرون الفضاء بالزعتر البريّ. كان الثلاثون من آذار من قبل يعبر في رزنامة الوطن مثل سحابة صيف تمرّ من ميعار إلى دير حنا لا يذكرها عصفورٌ ولا تستظلّ بها فراشة ولكن هؤلاء الستة، وقد خلق الخالق العالم في ستة، جعلوا الثلاثين من آذار يأتي من باطن الأرض فتتفجر ينابيع الحياة وعيون الحبّ، وترتفع الجباه، منتصب القامة مرفوع الهامة، وقبضنا على الدنيا من عنقها بل من أنفها وقلنا لها: نحن سماد الأرض، وبذور الأرض، وصبّار الأرض، وسنديان الأرض، فطلّت خيلنا من الملّ صهيلها يملأ الفضاء ويجرحه، فسمع حمحمة جيادها عائد الميعاريّ الذي زرع في قلبه زعترة، وغنّى لها أبو سعيد الحطينيّ عتابا وميجانا، وأسقاها موعد الصفوريّ من ماء القسطل، وأقسم مصطفى الكناويّ أن يطعمها حب الرمان، وما كان من جميل اليافيّ إلا أن حمّمها بعبير البرتقال. طلّت خيلنا الجليلية من الملّ يعدو صهيلها على هضاب فلسطين وجبالها ويدقّ يدقّ أبواب العرب العاربة، والعرب المستعربة، والعرب المتأمركة، والعرب المستعجمة، والعرب المستتركة، والعرب العنّينة، والعرب المخصيّة، والعرب النائمة... نادت خيولنا قصورَ هؤلاء ولا حياة لمن تنادي. تسألني ميعار في كل آذار، بحكمة الشيوخ المجربين أحياناً ودلع الصبايا أحياناً: لماذا كلما كتبت عني اختفت الفواصل والنقاط وامّحت علامات الترقيم؟ نحن يا أماه حجارة الوادي، وادي القرن ووادي القلط ووادي قانا ووادي المجنونة ووادي الصفا ووادي فلاح ووادي الحمام ووادي الشومر لم نأتِ على ظهر سفينة من الغرب يا مستر باراك أوباما، ولم نأتِ على هودج جمل من الشرق يا خواجة بانت، ولا على خرطوم فيل من الجنوب يا جنرال يعلون، ولا في قمرة قطار الشمال يا أدون لبرمان. نحن جئنا من نسغ زيتونة روميّة. من دم سنديانة عرفت جيوش فرعون وجحافل كورش وخيول سنحاريب وحمار بطرس وما اهتزّ لها غصن وما سقطت منها ورقة ولا جفّ لها جذر. جئنا من جذع خرّوبة أكل من ربّها عمرو بن العاص وشرب من دبسها يزيد بن هند وابن صخر أيضاً. جئنا من نبع الماء الذي لا ينضب. على صخور هذا الوطن، على صخرة حطين، وعلى صخرة الناقورة، وعلى صخرة الكرمل، وعلى صخرة جرزيم، وعلى صخرة المكبّر، وعلى صخرة النقب قدّمنا القرابين. عرفنا المصائب وعرفنا البلايا وعرفنا النكبات وعرفنا المذابح والمجازر قرناً بعد قرن وما هُنّا، وما خانتنا نساؤنا ولا خاننا زهر اللوز، وما عرف اليأس صدورنا، ولم نقل يوماً ليت الفتى حجر. صمدنا، انغرسنا، بقينا، فرحنا، أنجبنا وغنينا يا ظريف الطول. يا جنرالات الحروب والدبابات والطائرات والصواريخ من مارس إله الحرب ذي العين الواحدة حتى فاتحي القرى ومخيمات اللاجئين قد تزوّرون التاريخ ولكن لا تستطيعون أن تزوّروا لون الشجر، قد تسرقون الحقل ولن تقدروا أن تسرقوا رائحة التراب، قد تبنون الجدران والأسوار والسجون ولكن لن تتحكّموا بنور الشمس وضوء القمر ونسيم الفجر، قد تبنون قلاعاً تحت الأرض وقبباً فولاذية فوقها لكنها لن تحميكم من عيون الأطفال ومن لوعة أمهات الشهداء ومن حرقة زوجات الأسرى ومن حبّ شعبي لنسيم الحرية. يا أربعين علي بابا خذوا البمبا واتركوا لي العكوب والزعتر. خذوا البسلي واتركوا لي العلت والشومر. خذوا الهمبورغر والباجيت واتركوا لي خبز الطابون والزيت. خذوا الأباتشي واتركوا لي محراث جدي. أنا باقٍ باقٍ باقٍ وباطل الأباطيل باطل. أيها القتلة من دير ياسين إلى سخنين، من صبرا وشاتيلا إلى الحرم الإبراهيميّ، من مخيم تل الزعتر إلى مخيم جباليا، من كفر قاسم إلى رفح خذوا قلبي وافتحوه، لن تجدوا فيه حقداً، ولن تجدوا فيه علقاً أسودَ، لن تجدوا فيه سوى حبّي لشعبي! هل تعي ذلك أيها البروفيسور المجنون بالأعداد وبالأرقام وبإحصاء حيواناتنا المنوية؟ أرثي لك. تُتعب حاسوبك وتهلك نفسك ولا تنام وتبقى جاهلاً. هذا الوطن الذي تزعم بأنك تعرفه وأنه لك منذ آلاف السنين تعال اختبرك اختباراً بسيطاً فيه: هل تعرف الشومر والعكّوب والعلت والخبّيزة والخردلة والمقرة والجعدة والحُلّيمة والبسباس ولسان الثور والمرّار والخرفيش والسنّارية والسميميخة والخافور والدريهمة والمدادة والغوصلان ولفّة سيدي وإبرة ستي في عينك وعين الحسود؟ هل تعرف شذى الأقحوان والنرجس والصفّير والبرقوق والزقوقيا وعين البقرة وعرف الديك؟ هل ذقت حلاوة رحيق زهر الصبّار الأصفر؟ هل تعرف زقزقة عروس التركمان وتغريد الحسون وغناء العندليب؟ هل تعرف قفزات الحلاج ونطّات الشحرور ورقصات الشحيتي وعدو السمّان ودلع اللامي وحذر الدوريّ النكحيّ؟ هل تعرف منقار الزرعيّة المبلل بماء زقطة بطيخ ما زالت بغواً؟ هل شاهدت عرس الزرزور؟ هل سمعت موسيقى الطزيز الذهبيّ يطير من على وردة ويحطّ على زهرة؟ هل سمعت ما قالته العصافير للشجرة الغنّاء في الصباح؟ هل أصغيت لهمسات النحل وهي تلثم الأزهار وتمصّ لعابها؟ هل فهمت ما وشوشت الفراشاتُ الزهرَ والعشبَ؟ يا سيدي، هذا التراب لي بير الصفا لي البطّوف والملّ لي الزيتونة الروميّة لي السنديانة لي الصبّارة شوكاً وزهراً وثمراً لي الكرمة لي عود الزعتر الأخضر لي يا سمينة الدار لي نعناعة الحاكورة لي آذار قال لي: هذا الوطن لي لي.لي.لي!!!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.