قررت هذا العام مقاطعة التلفاز في شهر رمضان المبارك ,ومحاولة الاستمتاع بالأجواء الروحانية لهذا الشهر الفضيل-شهر المغفرة والعتق من النار- بعيداً عن حمى المسلسلات والبرامج الرمضانية التي غزت بها القنوات الفضائية العربية بيوتنا, وحولت شهر الخيرات وشهر السعي نحو تطهير النفس, ومشاركة الفقراء إحساسهم بالجوع إلى شهر الترفيه و التسلية, وكأن القنوات العربية تسعى لزرع فكرة أن الصائم في سجن ولابد من الترفيه عنه!! فأصبحت القنوات الفضائية في حالة تنافس مع بعضها البعض في إنتاج المسلسلات والبرامج التي تدعوها بالرمضانية والقنوات التي لا تستطيع إنتاج المسلسلات والبرامج تقوم بشرائها ,وهي تناقض روحانية الشهر الكريم بما تحفل به من الرقص, والغناء ,والمشاهد التي تجرح صيام المؤمنين بما تحتويه من لقطات لأجساد عارية في تجاهل واضح لعظمة هذا الشهر ,وما يدعو له من صيام الجوارح وليس الصيام عن الطعام والشراب فقط. في السنوات الأخيرة تحول شهر الصيام والقيام والاعتكاف في المساجد إلى شهر الأكل والشرب حيث تزيد مشتريات الناس من الأطعمة ومن الأشربة التي تتجاوز حاجاتهم و تتنافى معها الغاية من الصيام فيصاب الكثيرون بداء السمنة خلال الشهر الفضيل بدلا من أن يخفض الصوم من أوزانهم ,وبعد الإفطار وملئ المعدة بما لذ وطاب من المأكولات يمارس بعض - إذا لم نقل معظم - الصائمين هوايتهم في التنقل بين القنوات العربية ,ومتابعة المسلسلات المتنوعة من خليجية إلى سورية وصولا للمسلسلات المصرية والتركية حتى فجر اليوم الجديد, ويستمرون على هذا الحال حتى نهاية رمضان. قبل دخول شهر المغفرة بأيام كنت استمع لإحدى المحطات الإذاعية ,والتي كانت تبث دعاية تروج لجهاز يساعد المشاهد على التحكم بمشاهدة القنوات وعرض المسلسلات فلا تفوت المشاهد أي حلقة من مسلسلاته - أو برامجه - المفضلة خلال شهر رمضان الذي يزورنا مرة كل سنة ,والذي يفترض أن يكون مخصصا للتعبد, وتصفية النفوس مما علق بها من الأحقاد والضغائن،وتنظيم الوقت للخروج من حالة الفوضى التي نعيشها طوال العام. هذا الإدمان العجيب لشاشة التلفاز خلال الشهر الفضيل, وهذا الهوس بمتابعة المسلسلات والبرامج الرمضانية يدفعني للتساؤل عن مدى ادراك بعض الصائمين لجوهر شهر رمضان والذي يعد هبة ربانية لنا يجب أن نستغلها في العبادة ,و صلة الأرحام ,والتواصل مع الأقارب والأهل بالزيارات والإتصالات الهاتفية بدلاً من اللجوء للتهاني الإلكترونية والرسائل الهاتفية لرفع العتب والقيام بالواجبات الإجتماعية ,فعلينا استغلال شهرالخيرات لنيل الثواب والأجر, والتواصل مع اصدقائنا ومعارفنا و من باعدت بيننا وبينهم مشاغل الحياة بدلاً من التسمر بالساعات أمام مسلسلات وبرامج يمكن مشاهدتها طوال العام أو حتى الاستغناء عنها فهي لن تضفي على حياتنا شيئا يذكر. د.نوف علي المطيري [email protected]