في بناء الأمم وصناعة الحضارات تتداخل عناصر التكوين وتكبر على أصحاب المبادئ المسؤليات ، ويعترض السائر بغية الأهداف الكبيرة مصاعب جمة لكن مفتاح النجاح دائما القوة .ونقصد هنا القوة بشقيها المادي والمعنوي : الحاجة اليها واجب لا يجهله أحد بل يبرز في فهم مبتغاها مدارس وجموع . لكن يختلف المفهوم لها فكثير من أصحاب النظرية المادية يديمون الاتكاء عليها في كل محاولة للنهوض ، ويجعلها أصحاب الواقعية المغرقة في البلادة أساس التاريخ ومنشأ كل تقدم لذلك على أساسها ينظمون شعوبهم ، دولهم ، كرامتهم ، و كثيراً منهم يرضى عيش الذل وثقافة المومس ، وحلم العبد في عيشة البعير إن فقدت لديه مقوماتها المادية .القوة لا ننكر أهميتها ولا دورها في عالم جمع منها ما يدمر الكون ويصهر بها حديد الأرض ، لكن نظل نفهم من التاريخ أن منهج الريادة جربه العرب وسادوا في نموذج ساد وحكم التاريخ بعد أن كانت ديارهم تخلوا من الطموح ، و القوة والتدبير .أما في حكاية الثقافة التي غلبها مال السلطان السالب للعقول وأمنية أشباه المثقفين الذين يحسنون السجود على كل حذاء يجدون عليه اليورو و الدينار والدولار .هذه الثقافة ومنهجها وارتباطاتها تعيش اليوم في غربة الأفواه المشوهة التي تتحدث لغة الغرب وحضارتهم وقيمهم وطموحاتهم ومخططاتهم أكثر من معرفتها بهموم الضاد وجراح أهله ومآسيهم .في كل يوم أقلب صفحات الإعلام العربي فأصاب من بعض كتابه بالغثيان والاشمئزاز وفي كثير الأوقات بالحزن على مستقبل الأمة ومصيبتها في بعض أبنائها الذين نحسن الظن فيهم ونقول عنهم (مفتونون في زمن الفقر العربي ) .وبعد الانتهاء من جولتي العربية أتصفح ما كتبه غير العرب وخاصة الإعلام الصهيوني فأجد الفرق في الكيفية والمنهج والآلية التي يتم فيها معالجة مرتكزات الثقافة والدولة والهوية والدين برغم أن ما يجب أن يعرفه الناس عن (إسرائيل ) أنها دولة لقيطة في أبنائها ومدار حضارتها الذي لا يتعدى في حقيقته عصابة سرقت من التاريخ رواية مزيفة فبنت على أنقاضها حكاية كاذبة .في مقارنتي اليوم لفت إنتباهي منهج يقوده ثلة من الإعلاميين في الخليج ، مصر يتفننون الأذية لكل ما هو عروبي ووطني وإسلامي بل في كثير الأحيان يقفزون في آرائهم عن ما تحكيه الأقلام الصهيونية والأمريكية في قضايا المنطقة .في رصدي لمنهج هذه الجماعة حاولت تلخيص رؤيتهم من خلال أقلامهم التي يمكن تفنيد روايتي ومحاكمتها بمنهجية وحياد .الفريق هذا نلخص موقفه من القضايا المهمة والمركزية على النحو التالي .1. المقاومة بكل أركانها سواء السلفية أو الإخوانية وحتى القومية وفعالهم وجهدهم وتضحياتهم كلها إرهاب وجنون وعمالة لأنظمة عالمية تختلف أسماؤها و الولاءات بحسب المرحلة والمكان .2. نصرة المواقف الرسمية "عجرها وبجرها الا من خالف أمريكا " فيحمد موقف مصر من الجدار وحصار غزة في الماضي ، وتعذر أجهزة الأمن بالبطش والاعتقال ومصادرة الحريات وانتهاك المحرمات ومصادرة الحق الديمقراطي وتزييف الانتخابات ، وتشن حملة مهلكة على من يقف مدافعا عن حقوق الشعوب في قول لا لكل هذه العنجهية الظالمة كما يحدث اليوم مع الحركات الاسلامية في الوطن العربي .3. الالتصاق في الموقف الأمريكي والأوروبي بل دعمه في سياساته في العراق وفلسطين ولبنان بل في كل أقطار الارض . 4. التصدي لكل حراك داعم للأمة سواء كان هذا التحرك تركي أو لاتيني بالطبع (غير أمريكي أو أوربي) لأنه يمتدح فعلهم حتى لو كان سكر في باحة مسجد ، أما جهد غيرهما فهو سرقة للدور العربي واحتلال يجب مواجهته .5. ترسيخ منهج السلم والحوار والمفاوضة والعفو والتسامح مع أعداء الأمة ، وحفز طاقات الأنظمة لقتل وحرب كل معارض لمنهجهم حتى لو كان من بيت رسول الله .المنهج هذا وحتى لا نتهم بتبعية لأحد غير أمتنا العربية المسلمة نؤكد على أن المحاور والدول والحركات العاملة في الشرق العربي عليها أن تدرك أن الثابت الذي نحن عليه هو قبول الآخر غير العربي من غير مساومة على عقيدتنا كأهل سنة وجماعة وعروبتنا ومصالحنا وأن أي جهد لا يستند إلى ذلك منبوذ آثم حتى لو كان إهداء الذهب .التأكيد هذا والمنهج الذي باع نفسه هما المدخل الذي أردت منه المقارنة بين العدو وإدارة منظومته الثقافية التي تعكس بعد نظر وشعور بالمسؤولية منها .1. الإيمان المطلق بالديمقراطية ومساندتها ودعمها ومحاكمة وفضح كل من يتلاعب بها حتى لو كان رئيس إسرائيل .2. الإجماع على أن العرب أعداء وجب مجابهتهم وإضعافهم وحربهم عند الضرورة مع تنميق في الألفاظ بين الأطراف .3. ضرب كل مقومات النصرة للأمة وحشد كل طاقات الإعلام والأقلام في تزيين الإجرام الإسرائيلي ضد العرب واعتبار جيشهم القاتل ملائكة الله على الأرض .4. مساندة الداخل على الخارج في الأمور المفصلية حتى لو كان ذلك سيكبد التكلفة الباهضه . في فهمي للعربي حين يساند قلمه كوهين يدور الالتباس حول التوصيف والتبعية والدور ، وتكثر الإتهامات ويدور الجدل ، لكن الأكيد أن الفرق بين المنهجين هو الانتماء والهدف ، لكن المشترك فيهما هو نصرة الغاصب ومحاكمة كل مقاومة حتى لو كانت عادلة .ولكن حين تموت أقلامهم وتسقط ألسنتهم تشاهدهم ينمقون الكلام ليسهل في يدهم فعل الاستغفال والمراوغة .وإن كان لي من نصيحة في الختام : فالحكمة ضالة المؤمن ، والنطق شهادة ، والتاريخ حكم ، والكرامة موقف ، والأصالة انتماء ، والوطنية تضحية ، والرجولة فعل ، و ما بين الوطنية والخيانة لا أو نعم ، وما بين القلم الأصفر والأحمر قوت القلب وأغنية الدولار