حربه ضد الإرهاب كلفته الكثير.. جعلته على رأس قائمة المهددين بالاغتيال.. يذهب إلى جامعته ويعود فى حراسة.. غادر بلده إلى فرنسا.. فأصبح علامة رئيسية فى الثقافة الفرنسية وأستاذا بجامعة السوربون، متخصصا فى تاريخ العلاقات الأدبية والثقافية العربية الفرنسية.. رفض تحويل مباراة لكرة قدم إلى حرب سياسية لصالح فئات محددة. كما رفض التوقيع على مذكرة لسحب جائزة البوكر من الروائى المصرى يوسف زيدان.. ورغم كم الهجوم الذى واجهه بسبب مواقفه وفكره إلا أنه مازال صامدا مصرا على مبادئه وفكره رافضا التنازل عنها، مؤكدا أن التاريخ سيثبت صدق رؤاه. إنه الروائى الجزائرى واسينى الأعرج الذى ولد فى قرية «سيدى بوجنان» بتلمسان بالجزائر عام 1954، وقبل ولادته بأيام رأت والدته فى المنام «سيدى واسينى» وهو من أولياء الله الصالحين بالجزائر وطلب منها أن تطلق اسم ابنها على اسمه حتى يكتب له عمر طويل، وواجهت الأم الأب والعائلة بضرورة أن يسمى الولد «واسينى» وكانت العائلة تريد أن تطلق عليه «عيد» لأنه ولد يوم عيد، لكن إرادة الأم تغلبت ليكون اسم واسينى ناراً على علم فى مجال الأدب والثقافة على مستوى العالم. أكتوبر التقت واسينى الأعرج داخل مكتبة الإسكندرية حيث حضر خصيصا من أجل ندوة أعدت عن مشواره الأدبى والثقافى، وكان سعيدا جدا باحتفاء المكتبة به، ويسعد أكثر عندما قام بجولة فى مكتبة الإسكندرية تعرف فيها على كثير من الملامح التى لم يشاهدها من قبل، وأكد أن الإسكندرية تستحق أن يخصص لها فترة زمنية أطول ليتعرف على طبيعة هذه المدينة الجميلة، حيث إن زيارته لمدة يومين غير كافية. *كيف ترى أزمة العلاقات بين مصر والجزائر عقب مباراة كرة القدم الشهيرة؟ **والله هو أمر مؤسف أن تتحول مباراة لكرة القدم إلى توتر فى العلاقات بين البلدين، وفى رأيى أن وسائل الإعلام بالبلدين ساعدت كثيرا على إحداث هذا الاحتقان، كما تمت إضافة أبعاد سياسية ليزيد الموضوع اشتعالا، وكان لابد من وجود حكماء من الطرفين لتهدئة الموضوع، وقد حدث وإن كان متأخرا وبدأت الأمور تعود إلى مجرياتها، وكان لابد للمثقفين أن يلعبوا هذا الدور وألا ينجرفوا وراء هذه الأحداث لأن العلاقات المصرية الجزائرية لا يمكن أن تهتز مهما حدث، وأؤكد كجزائرى أن كل جزائرى يكن لكل مصرى كل التقدير والاحترام، وأن ما حدث كان مجرد كبوة يجب أن تعلمنا الكثير، وألا ننجرف بسهولة وراء بعض الأخبار الكاذبة هنا أو هناك. *هل دفعت ثمن رفضك الانزلاق بالأزمة؟ **نعم أجريت معى عدة حوارات حول هذه المشكلة على فترات، وفى كل مرة كنت أؤكد حبى لمصر ولشعب مصر، وأننا يجب ألا ننجرف وراء أى تيار يريد الإساءة للبلدين، وكان رأيى هذا لا يعجب الكثيرين، ومؤخرا أراد البعض أن يقوم بجمع عريضة لسحب جائزة البوكر من الأديب والروائى المصرى يوسف زيدان الذى أخذها عن جدارة عن روايته «عزازيل» وكان سبب هذه العريضة مقالاً كتبه هاجم فيه الجزائر بعد المبارة الشهيرة، فرفضت بالطبع أن أوقع على هذه العريضة، وقلت لهم كيف أحاكم كاتب على رأيه، وكيف أطلب سحب جائزة على عمل إبداعى قام بتأليفه، وسعدت عندما كتب زيدان مقالا آخر اعتذر فيه عن مقاله الأول وتراجع عن رأيه وهو ما يشهد له بالشجاعة لإعلان رأيه، ففوجئت بأن بعض الجرائد كتبت أن واسينى يقف ضد وطنه، مما آلمنى كثيرا، فقد وقفت الكثير من المواقف من أجل وطنى،بل إن أبى شهيد من شهداء الثورة الجزائرية، فكيف يقال عنىأننى ضد وطنى. *وماذا عن موقفك من الإسلاميين فى الجزائر؟ **أنا مسلم وافتخر بإسلامى ولا يمكن أن أسمح أن يمس الإسلام بأى شىء، ولكن ما حدث فى الجزائر فى التسعينيات لم يكن له علاقة بالإسلام فى شىء، وقد وقفت موقفا واضحا ضد هؤلاء الإرهابيين الذين أطلقوا على أنفسهم «الإسلاميين» كحالة فكرية ديكتاتورية كانت ستؤدى لخراب البلاد لو وصلوا للحكم، وكان لابد أن أكتب رأيى هذا، وكتبته كذلك فى كتاباتى الأدبية وخاصة فى «مرايا الظليل» و «وسيدى المقام» و «شرفات بحر الشمال» وغيرها حتى أننى شعرت أننى حصرت نفسى فى الكتابات عن الإرهاب فقط، فقررت أن أغير نوعية كتاباتى وأن ألجأ للتاريخ للخروج من هذه الحالة، وكتبت كتاباً اعتبره من أهم كتبى عن الأمير المناضل عبد القادر الجزائرى، وهو عبارة عن رواية أتحدث فيها عن الأمير عبد القادر الجزائرى، وليس عن تاريخه بشكل مباشر، كما أننى قدمت برنامجا أسبوعيا فى التلفزيون بالجزائر بعنوان «أهل الكتاب» وكان المعروف أن أهل الكتاب دائما تطلق على اليهود والنصارى، ولكنى أردت أن أوضح أن أهل الكتاب هم كل المثقفين والكتاب أصحاب الفكر والرؤى، وأجريت خلال البرنامج مناظرات فكرية بين رأيين مختلفين، وكان البرنامج يحوز على نسبة مشاهدة كبيرة، ولكنى أوقفته نظرا لضيق وقتى بعد ذلك. *ولكن هل كان ذهابك لفرنسا هروبا من الإرهاب؟ **لم أهرب فى يوم من الأيام، ولكن بعد مواقفى من الإسلاميين وما كتبته فوجئت بأنهم وضعونى على قائمة المرشحين للاغتيال، واستدعانى مسئول الأمن وطلب منى ألا أخرج بالشارع وبدأ يحدد لى خطوط سيرى، من الجامعة لبيتى وبدأت أشعر أننى مقيد فى سجن لا يمكننى أن أجلس على مقهى بحرية مثلما كنت أفعل، وأعطونى «تفرغ أمنى» وهو تفرغ يجعلنى أستاذا بالجامعة ولكن غير مرتبط بجدول محاضرات محدد، ولكنى أشرف على الرسائل والأبحاث. وكان لى صديق فرنسى هو «دانيال ريج» وهو بالمناسبة صاحب القاموس الشهير «السبيل» والذى يترجم «عربى- فرنسى- لعربى» الذى صدر عن دار لاروس، وهو من أهم القواميس التى صدرت بين اللغتين العربية والفرنسية، وكنت أذهب له مرة فى العام لإجراء بعض الدراسات والكتابات، فعرض علىَّ أن أظل فى فرنسا فترة أطول حتى تهدأ الأوضاع، فوافقت على أن يكون ذلك برفقة أولادى وزوجتى، وبالفعل انتقلت حياتنا بالكامل إلى فرنسا، وهناك قمت بعمل «سيمنار» عن إشكالية الأجناس الأدبية وتحديدا الرواية تحت عنوان «تاريخ العلاقات الأدبية الثقافية الفرنسية» وبدأت فيه عن رفاعة الطهطاوى حتى وصلت لهيكل فى رواية زينب، وشرحت فى هذه الدراسة كيف كان لفرنسا دور كبير فى الثقافة العربية مثلما كان للعرب دورا فى الثقافة الأوروبية، وكانت هذه الدراسة سببا فى توجيه دعوة رسمية لى للتدريس بجامعة السوروبون، التى لم أجد بها أى توجه عنصرى إنما تعطى المناصب لمن يستحقها عن كفاءة ومعرفة. ولكنى لم أقطع علاقتى بالجزائر أبدا، كما أن الجامعة بالجزائر رفضت استقالتى وطلبت منى أن أحضر مرة كل شهر لأقوم بأعمالى بالجامعة من إشراف على الرسائل والأبحاث، وبعض المحاضرات العامة، وهو ما أقوم به حتى الآن. *ولكنك تكتب بالعربية والفرنسية معا، فهل جاءت اللغة الفرنسية على حساب العربية؟ **أنا أنتمى لجيل تشرب الثقافة واللغة الفرنسية علىحساب العربية، لأسباب كثيرة، أهمها طبيعة الدراسة بالمدارس حيث إن اللغة الفرنسية هى الأساس فى كل المناهج التعليمية، إلا أن هناك حكاية طريفة وراء اتقانى للغة العربية، حيث إن جدتى كانت السبب فى ذلك وكانت حريصة على تعليم أحفادها اللغة العربية وكانت تذهب بنا إلى إحدى المدارس القرآنية «الكتاتيب» الصغيرة بالجزائر لنتعلم القرآن وبالتالى العربية لغة أجدادنا، وقد خدمتنى جدتى خدمة عظيمة بما فعلته، وأذكر أننى أثناء دراستى بهذه المدرسة القرآنية اطلعت مصادفة على نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة إذ تركه أحدهم بطريق الخطأ، داخل غلاف للقرآن، فتعجبت وأمسكت بالكتاب ولم أتركه إلا بعد أن انتهيت منه، وكنت مبهورا بهذا الكتاب الرائع، وكيف تمت كتابته، وكان هذا الكتاب مدخلا لى للاهتمام بالأدب وباللغة العربية ليس فقط إرضاء لجدتى، وإنما أيضا لجمال النص، حيث أصبحت عاشقا للعربية، بل قمت فى الثانوية العامة بالتخلى عن الدراسة بالقسم العلمى لأذهب إلى القسم الأدبى، وهو ما كان مثار تعجب ورفض من كل من حولى. *وهل «الف ليلة وليلة» كانت دافعا لك بعد ذلك لكتابة رواية «الأمير» عن الأمير» عن الأمير عبد القادر الجزائرى حيث إن بها من الأحداث التى اعتبرها البعض خيالية؟ **رواية «كتاب الأمير» والتى حصلت من خلالها على جائزة الشيخ زايد لعام 2007، جاءت فى إطار الرد على نظرية صدام الحضارات التى روج لها الكاتب الأمريكى صامويل هنتجتون، حيث تبرز الرواية جوانب إنسانية رائعة فى حياة الأمير عبد القادر وفى تعامله مع العدو الفرنسى الذى كان يستعمر الجزائر آنذاك، وتدور أحداث الرواية حول الأمير عبد القادر بن محيى الدين الجزائرى فى منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها تربط الماضى بالحاضر. وأؤكد أن كل المعلومات والمواقف التاريخية التى ضمنها الرواية مؤكدة، إذ أننى استقيتها من مراجع تاريخية، إلا أننى فى النهاية لست مؤرخا ولا أقول إن الرواية هى تأريخ لحياة الأمير عبد القادر، لأن الروائى إذا تحول لمؤرخ يعتبر فاشلا فى وجه نظرى، بل إننى رفضت المشاركة فى ندوات حول الأمير عبد القادر لأننى غير متخصص فى التاريخ، وأنصح بقراءة تاريخ الأمير عبد القادر وقراءة تاريخ عدد كبير من المناضلين الذين يحملون الكثير من المعانى والعبر والانسانيات، التى لا تعلمها أجيال اليوم، ويجب أن نوصلها لهم ليعرفوا تاريخهم بشكل حقيقى.