سخنت الأجواء، والتهبت الأوضاع، وارتفعت ألسنة النيران في سوريا .. ولازلنا كما نحن أهل الرأي والقرار في هذا العالم لائذين بالغرف الصيفية المُبَرَّدة، فالأمر على كل حال لا يعنينا في شيء ؛ والإهتمام بالنظر في الأسباب، والبحث عن حلول؛ إنما هو فضل خير ومعروف يمكننا أن نتكرم به و نتفضل ؛ كما يمكننا أن نضن و نمتنع و نكسل!! هذا هو المنطق الخاطيء عذراً الذي إعتمدناه جميعا في رؤيتنا للأزمة السورية !! يا السادة في العالم : بحلول عصر العولمة وثورة الإتصالات وبعد أن بدا لنا العالم حقاً كقرية صغيرة فإنه وبناءً عليه قد ذابت كل الفواصل والحدود بين ما هو إقليميّ وما هو عالميّ في أي شأن من الشئون فالأحداث جميعها أصبحت الآن عالمية ، وأصبحنا نحن البشر جميعنا معنيين بأي مشكلة أو أزمة في أي نقطة ما من العالم ؛ بل أصبحنا نحن جميعا من أسباب الأزمة ، ومن ثَمَّ تكمن فينا أسرارُ ومفاتيحُ الحلول . وفي كلمة أقول : لو خلصت نوايا العالم في شأن إيجاد الحلول الناجعة للأزمة في سوريا لبدأت النيرن تخمد، ويبرد لهيبها، و يأكل بعضها بعضاً، في سوريا في ظرف ساعات قليلة من كتابة هذه السطور.!! لننظر بإمعانٍ في أنفسنا نحن العالم كوننا جزءاً من أسباب الأزمة في سوريا وكل سوريا في هذا العالم فردا فردا، وجهة جهة، ودولة دولة : 1 من حق الشعب السوري أن يرفع صوته مطالباً بالحرية في الممارسة، والعدالة في الحصول على أسباب الحياة، و الرزق الكريم. 2 قلنا أن من حق الشعب أن يرفع صوته ولم نقل بأن يرفع سلاحه؛ كما يفعل الآن الحركيون المسلحون المتخندقون في كل مدينة و شارع وحارة؛ و كل زاوية من زوايا الخريطة السورية. 3 الأطراف الخارجية من أفراد وحكومات؛ المُزوِّدون لحاملي السلاح غير الشرعي في سوريا، بالمال والسلاح ؛ مسؤولون مسئولية مباشرة عما يُراق من دماء على تلك الأرض من أبرياء ذلك الشعب. 4 القوى الغربية ذات الميول والنزعات الإستعمارية تجدها الآن فرصة ثمينة مواتية للخلاص من نظام آل الأسد الممانع للمشروع الأميريكي الصهيوني في المنطقة، ويرون في إزاحة ذلك النظام فرصة للإتيان بنظام آخر جديد لا يحمل على كاهله تاريخ وثوابت ومواقف والتزامات مبدئية نحو الوطن والمواطنين في شأن تحرير الأرض في الجولان، وفلسطين، وإرساء قواعد الحرية و الديمقراطية في البلاد ، والنهوض بالإقتصاد . 5 الراغبون في الحلول الثورية في سوريا .. جميعهم مغرضون وغير موضوعيين مجموعة تعمل من أجل الإرتزاق. ومجموعة معجبة بفكرة الربيع العربي ومن ثمّ تقوم في سذاجة باستدعاء وتقليد النموذج المصري أو التونسي في الثورة، دون أن يعوا أن الظروف والمناخ السياسي والإجتماعي في سوريا مختلف عنه في مصر وفي تونس . 6 النظام السوري مرتبك ويراوح ما بين الإعتماد على الحلول السياسية من جهة، والحلول الأمنية من جهة أخرى . 7 الإعلام السوري الرسمي كان دائما ضعيف الصوت ولا زال غير قادر على إيصال ما يودّ إيصاله من رسائل إلى الرأي العام في العالم . 8 الخطاب السياسي السوري للأسف يخلط دائما ، ويضع ناتج الخلط جميعه في إناء واحد ، كما يضع الأوراق المختلفة الألوان في سلة واحدة ! فالأخوان السوريون في الخطاب السياسي السوري هم جزء من نسيج الأخوان في مصر ومن ثم فإن أُنموذجهم إنما هو أُنموذج الأخوان في كل العالم! والقاعدة سافلة ومجرمة، وهي التي تقف خلف تنفيذ كل العمليات الإجرامية في العالم لا لشيء سوى محاربة العالم المسالم، وإرهابه؛ حبَّاً في رؤية أنهار دماء الأبرياء أو للتسلية وملء أوقات الفراغ .. !! وهذا لعمري خلط وخبط عشوائي .. فجماعة الأخوان المسلمين في مصر بالفعل كانت ولا زالت جماعة دعوية لا تميل كل الميل للعنف الذي يميل إليه المؤمنون بفكر القاعدة ونهجهم الخاص لرفع الظلم الواقع على الشعوب المستضعفة في العالم من قِبَلِ قوى التجبر والطغيان بما يماثله من تجبر وطغيان مقابل (والسن بالسن ، والعين بالعين ) نتحدث هنا الآن عن مؤمنين بفكر القاعدة ، وليس عن تنظيم للقاعدة ؛ حيث لا تنظيم واقعياً موحدا ومركزياً الآن لقادة القاعدة يفرض سيطرته على كل أولئك الأشخاص المؤمنين بفكر القاعدة في كل أرجاء العالم !! الخلاصة : أنه بخصوص رؤيتنا للصورة في سوريا ، فالكل واهمون .. الكل واهمون : 1 الأخوان المسلمون في سوريا ليسوا هم الأخوان في مصر فالذين يسمون أنفسهم بأخوان سوريا منذ عقود وحتى الآن هم جماعة سياسية (غير دعوية) يعتمدون العنف والمواجهة المسلحة؛ فيما ينشغل أخوان مصر بفكرة الدعوة القائمة على الإقناع بالمنطق وبقال الله، وقال الرسول، ويعتمدون في مواجهة الحاكم الظالم ؛على المقاومة السلمية. 2 نظام الأسد أو أي نظام جمهوريّ قويّ ومستقل الإرادة؛ ليس خطرا أبديّاً على أنظمة الحكم الملكية في الوطن العربي كما يظنون هم ؛ إنما الخطر الحقيقيّ هو في تلك الأنظمة ذاتها؛ هو في الأسر الحاكمة الغنية ، والشعب الفقير لوسائل الحياة المادية فضلا عن حقه في العدل و الحرية .! 3 نظام الأسد أو أي نظام مبدئيّ ممانع؛ ليس خطراً داهماً مباشرا على إسرائيل، أو على أي قوى استعمارية أخرى في العالم، ولكن الخطر الحقيقي هو في عقلية الإستعمار نفسه وفي فكرة إغتصاب ما للغير .. ! يا السادة في العالم : نحن كلنا السبب .. ويكمن فينا كلنا الحل والهدف و المقصدُ، والهمُّ الأهم : أن تخلص النوايا.. * * لا غير .. !!