مامن شك في ان مصر كانت وستظل قبلة العرب ومحطّ انظارهم لأن رباطهم بها اوثق من ان توهنه المسافات او تبلوه الأزمنة، وانا كتونسي ناهز الستين من عمره ما فتئت منذ صباي انام بمصر واصحو عليها وكنت كلّما شخصت اليها اجتاحتني عظمتها واسبلت عليّ حنّيتها فاستلهمت منها مزيدا من الثقة في النفس والتوق نحو غد افضل،ثمّ اندلعت الثورة في بلادي ولم تمض بضعة ايّام حتى ثارت ارض الكنانة بدورها فطفقت اراوح بين الثورتين طورا بقلبي وتارة بعقلي وكنت الحظ ان مسارهما كاد يكون متناسقا وان تداعياتهما كادت تكون متقاربة وفي بعض الأحيان متطابقة بل ان الواحدة منهما اوشكت ان تصبح محرارا للأخرى في كثير من المواقع والأحداث.وزاد ذلك من تعلّقي بحبيبتي الشرقية فبتّ انجذل لما يغبطها واغتمّ لما يكئبها وكم ابهجني تدرّجها الوئيد نحو تحقيق الديموقراطية ومكافحة الفساد،لكنّ ما اقضّ مضجعي في المقابل هو تلك التشظّيات التي تطرأ ْهنا وهناك من حين لآخر فتجعلني اوجس خيفة والتفت مرتبكا نحو الشرق ثم نحو الغرب وانا اسأل نفسي بإلحاح وحرقة :" هل كتب لشعبي مصر وتونس ان يعيشا بين برزخين ام ان ضريبة الحرّية باهظة الى هذا الحدّ؟" لقد قيّض الله لنا من القوّة ما مكنّنا من تقويض نظامين عاتيين وليس عزيزا عليه ان يؤتينا من الحكمة ورجاحة العقل ما يجنّبنا الفتنة ويعبر بنا نحو شاطئ السلامة،وان غدا لناظره قريب...فصبرا اخوتي سننتصر على الغلاة ونفعل بهم مافعلنا بالطغاة.