مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    في ختام أسبوع العيد.. سعر الذهب اليوم الخميس 20 يونيو 2024 وعيار 21 الآن    عاجل:- استقرار أسعار الحديد والأسمنت في مصر بعد عيد الأضحى    تركي آل الشيخ ينعي مشجعتي النادي الأهلي ويدعو أسرتيهما لأداء مناسك العمرة    النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: سحب 4 أدوية من الأسواق.. الموت يخطف عروس المنيا.. حصيلة مرعبة في وفيات الحجاج المصريين.. سبب عدم خروج صلاح أمام غينيا بيساو.. والأرصاد تحذر من طقس اليوم    صحة قنا تكشف حصيلة مخالفات الأغذية والمشروبات المضبوطة خلال أيام العيد    عاجل:- وفاة العديد من الحجاج غير النظاميين خلال موسم الحج 1445ه    اسعار حفلات عمرو دياب في مراسي الساحل الشمالي    مصادر أمريكية: الرصيف العائم في غزة يستأنف العمل اليوم    إلى أين تتجه التطورات على حدود إسرائيل الشمالية؟    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بكفر الشيخ    بعد تصريحات اللاعب| هل يرفض الأهلي استعارة «تريزيجيه» بسبب المطالب المادية؟    حماس: تأكيد جديد من جهة أممية رفيعة على جرائم إسرائيل في غزة    سنتكوم تعلن تدمير مسيّرتين ووحدة قيادة تابعة للحوثيين في اليمن    ارتفاع عدد ضحايا الانهيارات الأرضية إلى 10 أشخاص في بنجلاديش    حرب الاتهامات تشتعل بين مندوبي السودان والإمارات في مجلس الأمن (فيديو)    العطلة الطويلة جذبت الكثيرين إلى المصايف| أين قضى المصريون الإجازة؟    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    وزير الداخلية السعودي: موسم الحج لم يشهد وقوع أي حوادث تمس أمن الحجيج    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    بوتين: روسيا ستواصل تعزيز العلاقات وتطوير التعاون مع فيتنام    بعد بيان الأبيض.. اتحاد الكرة يبحث عن حكم أجنبي لإدارة قمة الأهلي والزمالك    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    «إن كنتم تناسيتم ذلك أنا لم أنسى».. تعليق مثير من محمد عواد بعد إحالته للتحقيق    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    بعنوان «قلبي يحبك يا دنيا».. إلهام شاهين تُعلن عن فيلم جديد مع ليلي علوي وهالة صدقي    بعد نجاح زراعته في مصر.. هل الكاسافا هو البطاطا؟ الزراعة تجيب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    تامر حسني يشعل حفله بكفر الشيخ رابع أيام عيد الأضحى (صور)    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    «من أجل كايزر تشيفز».. بيرسي تاو يضع شرطًا مُثيرًا للرحيل عن الأهلي (تفاصيل)    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    كندا تبدأ بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    وزير الرياضة ينعي مشجع نادي الزمالك    ارتفاع رصيد الذهب فى الاحتياطى الأجنبى لمصر إلى 456 مليار جنيه    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلم
نشر في شباب مصر يوم 29 - 04 - 2012

في إحدى الأمسيات جلس ( سعيد ) أمام الحاسوب يقلّب صفحات الويب بين المواقع المختلفة على الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، وكعادته اليومية يتفقد صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ، ثم يمر سريعا علي صندوق الوارد في بريده الالكتروني .
استرعى انتباهه وجود بعض الرسائل في علبة الرسائل الإعلانية (سْبَام أوالجَنْك) الغير آمن عرضها ، فتح إحدى الرسائل وشرع يتطلع باهتمام مابين السطور .
" مبروك ، مبروك ، أنت الفائز الثاني في مسابقة ميكروسوفت للبريد الإلكتروني
التي عقدت في جوهانسبرج - جمهورية جنوب أفريقيا في - 24 يناير 2012 "
فغر فاه واتسعت عيناه وتسمرت على شاشة الحاسوب الذي أمامه ، وبتركيز شديد يلتهم السطور التي تفيد أن ( مركز ياهوو للجوائز ) - الموقع الأكثر شهرة على الشبكة العنكبوتية - يُجري سحباً سنوياً لحساب البريد الالكتروني الأكثر نشاطاً واستخداماً في العالم ، وأن البريد الالكتروني الخاص به قد فاز وحاز على المركز الثاني وقيمة الجائزة ( 950.000.00 ) تسعمائة وخمسون ألف جنيه استرليني ، وهذه هي أرقام التعريف الخاصة به " رقم السحب ، الرقم المرجعي ، الكود أو رمز أمن ملف الجائزة " ثم اكملت الرسالة " رجاءً الاتصال بالمدير التنفيذي : ( مستر أيكوندولوفو ) فوراً " وذكرت الرسالة رقم تليفونه ، وبريده الالكتروني ، وطلبت ارسال البيانات الخاصة به من " الاسم كاملاً ، الجنسية ، رقم التليفون ، الجنس ، العمر ، الوظيفة ، وصورة من جواز السفر " وعندما يتسلم المدير التنفيذي تلك البيانات سيبدأ فوراً في عمل الإجراءات القانونية المطلوبة من أجل تحويل مبلغ الجائزة ، ومبروك مرة أخرى ، وفي ذيل الرسالة بعض الصور التي تأكد صدق الرسالة : صورة المدعو ( مستر أيكوندلوفو ) مذيلة بلقب - المدير التنفيذي - ، صورة ( البروفيسور جون مارتينز ) مذيلة بلقب - مدير جائزة مايكروسوفت - ، صورة ( مسز ماري إي كريز ) مذيلة بلقب - سكرتيرة جائزة مايكروسفت ، وصورة أخرى مذيلة بتوقيع المدير العام ( دكتور ايه دبليو جورج )،
وأخيراً ثلاث صور تحت عنوان " الفائزون بجائزة مايكروسوفت العام الماضي في الاحتفال الذي عقد في جوهانسبرج - جنوب أفريقيا " ، تحتوي الأولى على امرأة ورجلين يغطيهم صورة لشيك مصرفي كبير به رقم ملئ بعدد كبير غير واضح من الأصفار ، والثانية صورة لرجلين يحتضنان بعضهما يبدو للناظر أنهما يتبادلان التهنئة وخلفهما نفس الشيك المصرفي ، أما الصورة الثالثة لقوقازي يحمل على كتفيه صورة كبيرة لنفس الشيك المصرفي الغير واضح المعالم وهو يرفع يده اليمني فارداً اصبعيه الاثنين مشيراً لعلامة النصر أو الفوز ، وأخير لم تغفل الرسالة أن تذكر في نهايتها هذه الملحوظة الهامة : " ننصحك بعدم الإفصاح عن محتوى الرسالة إلى أن يتم تحويل مبلغ الجائزة إلى الحساب البنكي الخاص بكم تحاشيا إبطالها أو تعدد الإدعاء من بعض الأصدقاء أو أفراد العائلة " ، كما ذكرت أيضا أن
حق المطالبة بالجائزة ساري المفعول لمدة خمسة عشر يوماً وبعدها ليس من حق
الفائز المطالبة بالجائزة .
طار لب ( سعيد ) وغاص قلبه في حناياه ، وأخذت عيناه تطالعان ، تتفرسان سطور
الرسالة مرة تلو الأخرى ، محاولاً اقناع بقية حواسه بما تقرأه عيناه ، غير مصدق
ما يحدث يا ولداه !! ، قفز من أمام الحاسوب تخطو قدماه في الغرفة لا تلوي على مسار تستقر عليه ، تلهو الأفكار وتلعب في متاهات رأسه ، أرجوحة تمتلأ جعبتها بالآمال ، بحبوحة في حركتها ، تتأرجح للأعلى وترتج أفقياً مفككة الأربطة والصواميل ثم تنحدر في سقطة سريعة هاويةً وترتفع مسرعةً بسقفها إلى عنان الأفق كالبرق مرة أخرى ، وتتعدد المرات وتتأرجح الأماني والأمنيات مفرزة أحْبَك الخِطط وأفضل المشروعات .
جلس إلى الحاسوب ثانية وبيد مضطربة مرتعشة أخذ يكتب رسالة (إيميل) تضمنت البيانات المطلوبة ( من الاسم والعنوان ...وإلخ ) وأرسلها إلى المدير التنفيذي للجائزة في جوهانسبرج ، ونهض ثم جلس ثم نهض ثانية .
سجد لله شكراً ، ثم رفع يديه ابتهالاً موحدا بالله مثنياً على ما رزق ، ومسح بكفيه وجهه وقبلهما حمداً ، التقط جهاز المحمول ( الموبايل ) وحدق بنظرة خاطفة في شاشة الحاسوب وضغط بأصابعه خفيفاً أرقام الاتصال المذكورة في الرسالة ، وأنصت إلى خفقان قلبه يرّن مع رنّات التليفون في الجهة المقابلة .
- ليس هناك من يجيب على الهاتف .
حاول مرة ثانية .. وثالثة .. لا مجيب ، يبدو أنه اختلاف التوقيت في جوهان سبرج، " إن غداً لناظره قريب " هاتفاً في سريرته ثم استلقى على الفراش ليشاهد قنوات التلفاز وخاصة أخبار مصر ومتابعة الأحداث الجارية على الأراضي المصرية والتي لا تسرُ عدو أو حبيب ، لأول مرة جرائم غريبة وجديدة تُرتكب في البلاد ، أربعة أفراد مسلحون - على شاكلة أحداث الغرب في شيكاغو أمريكا - يسطون على بنك في وضح النهار ، خطف شخصيات مشهورة أو موثرة كرهائن و المطالبة بالفدية ، عصابات لسرقة السيارات بالإكراه ، الاقتصاد المصري في انهيار مستمر وأزمات في كل مكان ، تفاقمت أزمة البوتاجاز مرة ثانية في وجه حكومة الإنقاذ الوطني ( بقيادة الجنزوري ) ، أشرفت انتخابات مجلس الشورى على الانتهاء ، ومرت (جمعة العصيان المدني ) والإضراب على خير وأثبت الشعب المصري العظيم أنه هو البطل ، كلُ ثابت في مكان عمله يرفض العصيان والإضراب مؤيداً العمل والإنتاج و البناء من أجل اجتياز هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد ، ومازالت محاكمات رؤوس النظام الفاسد مستمرة على قدم وساق ، كما ازدحم جدول أعمال مجلس الشعب (برلمان الثورة ) بالقضايا الأمنية وأحداث الشغب في الملاعب الرياضية وأحداث الفتن المختلفة وأصبحت جلساته تعقد بصورة شبه يومية تقريباً ، ويبدو أننا نحتاج إلى حكومة إنقاذ وطني ائتلافية جديدة لإنقاذ البلاد من الانهيار الأمني والاقتصادي والخلقي ودرأ الخطر الحقيقي المحدق بالبلاد ، ولا ننس اللهو الخفي الذى اتخذ لنفسه دوراً بارزاً في مجريات الأحداث وعلى الصعيد الدولي والمكائد التي تحاك لضرب استقرار ووحدتنا الوطنية ، والثورة مازالت مستمرة من أجل التطهير والبناء والتعمير. " البلد مازالت تحتاج الكثير !! يا حبيبتي يا مصر " قالها والحزن في قلبه دفين ، قالها وصوته كالأنين ، " يارب احفظ مصر واجعلني قادراً لأشارك في نهضتها " .
يروم الصدق مشوباً بالآسى في عينيه والنعاس يغالبه ، يدعو الله عزّ وجلّ ( أن يحفظ مصر ) ثم استغرق في نوم عميق .
الأحلام تراوده .. تداعبه .. ورديةُ ألوانها ، سعيدةُ أحداثها ، ناهمةُ رغباتها ، مثمرةُ
أهدافها ومشاريعها ومنجزاتها .
صباح اليوم الثاني فاق ( سعيد ) من نومه منتشياً وصدى ذكرى أحلامه الممتلئة بالإنجازات الناجحة تلهو بين ثنايا ذاكرته ‘ تنبهه أصابع يده بإعادة الإتصال على رقم السعد والمنى ، وقد انتصف النهار الآن فلابد أنه سيجد إجابة على اتصاله .
- آلوو .. ألو ...
- آلو ... مستر أيكو ندلوفو .. من فضلك .
وبصوت رخيم ممتد أتت الإجابة من الطرف الأخر :
- نعم .. نعم .. أنا مستر أيكونلوفو .. من المتصل .
- أنا الفائز رقم 2 .. سير .. في سحب ( مركز ياهوو للجوائز ) .
- نعم .. نعم .. من أين تتكلم ؟ .. من أين هذا الرقم المتصل ؟
- من دولة الإمارات .. سير .. أبو ظبي .
- أوكي .. عليك أن ترسل إيميل ببياناتك واسم بريدك الإلكتروني الفائز .
- لقد أرسلت بالفعل .. سير .. كل البيانات .
- أوكي .. دعني أتفقد الإيميل وسوف أتصل بك لاحقا .
وساد الصمت المكان و التقط ( سعيد ) أنفاسه كمن كانت تركض قدماه على أرض رخوة طرية تميد به وتبتعد عنه ليجد رأسه تحلق في الأفق بين سحب بيضاء مزينة بجميع ألوان الطيف البراقة .
" ثمان مليون جنيه مصري تقريباً " تتمتم شفاه الفاغرة ويروم في عينيه الكثير ..
الكثير من المشاعر والأحاسيس التي تنبثق إلى مخيلته وتخبو ، الأفكار .. والرؤى التي تنشط خلايا عقله وتنطلق بأسمى القرارات والمواقف .
" هذة المرة حلالا بلالا ... سبحان العاطي الوهّاب ... كل شئ بأوان " .
يتذكر الكثير من الرسائل التي كانت تصله من شخصيات غريبة وعروضهم المثيرة بتحويل مبالغ كبيرة إليه وكل له قصة مختلفة ، أحدهم مدير بنك في ( بوركينافاسو)
يرغب في إرسال 20 مليون دولار ليس لها وريث ويأتي لأخذ نصفهم بعد التحويل
" غسيل أموال أكيد وحرام " ، والأخر 30 مليون أيضا ومعظم الرسائل من (أوجادوجو ، وبوركينافاسو) غرب أفريقيا ، بل ذهب أحدهم بعيدا بعيدا ، إذ أخبره في رسالة سريعة وملحة ( وهو مستر إبرا حسن ) مدير بنك أحد بنوك ( بوركينا فاسو ) ، أنة يري اسمه وبريده الإلكتروني يضوي أمامه على الحاسوب ليخبره أنه هو ( سعيد ) الوريث الوحيد لعائلة قد انتقلت إلى رحمة الله ، والميراث كبير وقدره 32,500 اثنان وثلاثون مليون دولار وخمسمئة ألف ، والمبلغ المذكور في انتظاره والرجاء الإسراع بإرسال البيانات الخاصة به ليتم التحويل ، " لا حول ولا قوة إلا بالله ، إنه أصلاً ليس له أي أقارب في ( بوركينا فاسو ) ، ولماذا دائما بوركينافاسو
أهي العاصمة المالية في العالم ، أم ماذا ؟! " .
قطع استغراق تفكيره رنين الموبايل ، هرع خفيفاً حثيثاً يلتقط الموبايل :
- نعم .. مستر أيكوندولوفو .. كيف حالك ؟
- جيد .. جيد .. مستر سعيد .. رجاءً اسمعني جيداً ..
- أوكي سير .. أسمعك جيدا ..
- لقد أرسلت بياناتك إلى البنك ( فرست ناشيونال بنك ) ، سوف يتصل مدير
قسم التحويلات الأجنبية بك لإتمام إجراءات التحويل ، ورجاءً .. تفقد بريدك
الإلكتروني .. حظاً سعيداً .
لم تختلف كثيراً سطور الرسالة التي أرسلها ( أيكوندولوفو ) إلى ( سعيد ) سوى أنه ينصحه أن يبذل قصارى جهده للتعاون مع البنك من أجل أن تتم إجراءات تحويل مبلغ الجائزة بسهولة ويسر، كما أوصى بالحفاظ على سرية معلومات الجائزة .
إلى هنا مازالت أحداث القصة مطمئنة ليس بها أي بصيص من الشك ، سحب سنوي يُجريه أحد أكثر المواقع شهرةً واستخداماً علي الشبكة العنكبوتية
(الويب) ، ( مركز ياهوو للجوائز ) يمنح ثلاث جوائز مالية لثلاثة من عناوين البريد الإلكتروني الأكثر نشاطاً واستخداماً في العالم .
ارتمى على الفراش وهومازال في حالة ( توهان ) ، كادت سريرته أن تقترب من الاقتناع التام بصدق مايدور من أحداث " سوف يتصل بك مدير قسم التحويلات الأجنبية – فرست انترناشيونال بنك من أجل تحويل قيمة الجائزة " تدور هذه العبارة أمام عينيه متخذةً من سقف الغرفة إطاراً حائطياً كبيراً تملأه أوراق البنكنوت المختلف فئاتها وأنواعها ، يناجيها ، يقسّمها ، يهب بعضها لمن يحب ،
ويشتري ويعطي ويفتح مشروعات ويقفل والكثير ... الكثير .
" سوف أشتري شقة كبيرة خمس غرف .. على الأقل من أجل البنات اللاتي يتزوجن ويعدن بازواجهن وأطفالهن .. الأمر يحتاج مكان أكبر " .
" سوف أودع ( لمنعم ) - ابنه الأكبر ويعمل في بريطانيا - في حسابه البنكي مليون جنيه لا .. لا .. مليون دولار من أجل أن يترك لندن ويبدأ مشروعه الخاص في بلده مصر .. نعم دولار ".
" المسجد .. بإذن الله سوف أبنيه .. إنه عهد عليّ ووعد مني لله عندما رأيت المسجد الكبير في ( أبو ظبي ) أن أنشأ مثله في بلدي الأم ، وبعون الله سوف يتم "
" معرض السيارات و ... و ... و ... " .
وتزاحمت الأفكار والرؤى في رأس صديقنا ( سعيد ) ، حتى شعر أن رأسه باتت ثقيلةً لا يستطيع حملها ، وقلبه يسارع أفكاره في خفقانه ليضخ الدماء الفائرة إلى
كل أعضائه بما فيها من خلايا المخ ، الحرارة تشوب الوجنات والأوداج .
" من الممكن أن يموت الانسان في حالة كهذه " وهو ينهض من الفراش مسرعاً خائفاً .. " خلّيك طبيعي .. يا عم سعيد .. فوق .. اصح " ويضرب جبهته بكفه .
رن المحمول ( الموبايل ) وأزفت الأمور :
- آلوو .. مستر سعيد ..
- نعم .. يا سيدي ..
- أنا دكتور . أدامز اسميز ... مدير قسم الحوالات المالية الدولية - فرست انترناشيونال بنك - مبروك على الجائزة .
- شكراً .. شكراً دكتور . أدامز
- لقد أرسلت لك على الإيميل استمارة تحويل بنكية ( بنك فورم ) ... رجاء .. إملأ هذا ( الفورم ) بالبيانات المطلوبة فوراً وأرسله لي .
- أوكي سير .
تفقد الإيميل ووجد الرسالة من ( فرست ناشيونال بنك ) ، تحتوي على صورة من بطاقة هوية ( د. أدامز اسمز ) - لإضفاء مزيداً من الثقة والاطمئنان - صادرة من نفس البنك ، ثم ضغط على تنزيل الملف ( استمارة البيانات ) الفورم وأخذ يتفحص محتوياتها .
شرع بعناية فائقة يملأ البيانات : - الاسم ، العنوان ، الوظيفة ، السن ، رقم جواز السفر ، وأخيراً رقم حساب ( سعيد ) البنكي ونوع الحساب واسم البنك وعنوانه .
تردد قليلاً عند بيانات البنك خشية الهاكرز ( سطو إلكتروني ) ربما ينفذوا إلى رقم
الحساب لنهب راتبه الشهري المتواضع ، لكنه عقلها وتوكل على الله متمتما " ربنا
يستر وتأتي العواقب خيراً " ، ثم أرسل رد الإيميل وألحق به الاستمارة المملوءة بالبيانات ونسخة من صورة جواز السفر وصورة شخصية .
استعادت الحالة التفاؤلية نفسها مرة ثانية وطال الوقت عليه بعد أن كان يمر سريعاً
في الأيام العادية ، قابعُ يشغل فراغه بأي عمل انتظاراً للرد الذي سيأتيه من ( د . آدامز ) ، مرت عليه سويعات قليلة كأنها دهراً من الزمن ، وأخيرا رن الهاتف .
- نعم مستر .. آدامز .
- هالوو .. مستر سعيد .. استمع لي جيداً .
- نعم .. نعم .. يا سيدي .
- اليوم تأخرنا .. غداً .. سوف أرسل لك الموافقة البنكية لتحويل قيمة الجائزة ..
رجاء إقرأها بعناية ونفذ ما يأتي بها من تعليمات ...
سوف أتصل بك غداً عندما أرسل لك الموافقة .. أوكي .
- عفواً سيدي ماذا تقصد بالموافقة البنكية ؟ هل هي من البنك الخاص بي ؟
- لا .. لا .. من ( فرست ناشيونال بنك ) إلى البنك الخاص بك .
- أوكي .. سير ... شكراً .. سوف أنتظر مكالمتك .. باي .
" الموافقة البنكية ، أصبحت من أصحاب الملايين يا سعيد !! سبحان العاطي الرزاق الوهاب " .... يتحاور مع نفسه التي تعودت الحوار والمجادلة ، المناجاه
والهمهمة ، التمتمة والغمغمة والهمس .. منذ أن بدأت هذه القصة معه .
همهم متسائلاً .. " ماذا يقصد د.آدامز ؟ من " إقرأ الموافقة البنكية بعناية ونفذ
ما يأتي بها من تعليمات .. أية تعليمات !؟ أعتقد أنه يقصد الذهاب إلى البنك بهذه الوثائق من أجل إتمام عملية التحويل " .
تبسم من زاوية فمه ببسمة ماكرة وغمغم .. " يبدو أنهم أناس طيبون جداً " .
لم تغمض عيناه ولم يذق للنوم طعماً رغم اشتياق جسده الممدد على الفراش إلى
غغوة تجدد شحن بطارياته ، ومع ذلك رأى نفسه ينهض متأنقاً في حُلة فاخرة ورابطة عنق متألقة ، وقد لحق بالحفل الكبير الذي حضره المحافظ وبعض أعضاء مجلس الشعب ، افتتاح المشروع القومي ( مصنع تدوير المخلفات ) ، جمع غفير
من الجمهور والتجار والأعيان والمحافظ وأعضاء من مجلس الشعب ، ومصنع ضخم جاثم على أرض فسيحة ملئ بالعمال والموظفين ، إعادة تدوير القمامة وجعلها منتجاً بل منتجات نافعة ، أخذ المهندسون يشرحون بإسهاب طرق تدوير
المخلفات ( الزبالة المنتشرة في المدينة ) ، وتقسيمها إلى مواد عضوية وأخرى غير العضوية ، وعمليات الفرز والتكسير والتعويم والغسيل والتنشيف والتعبئة ،
وأهم منتجاتها من سماد عضوي وبالات المعادن والورق المكبوسة ، وعبوات البلاستيك وعبوات الزجاج هذا بجانب العظام المفروزة والمكبوسة لصناعة
الغراء ( الزبالة ثروة قومية .. وسلاح ذو حدين .. يجب أن ننتبه لها ) ، الكثيرون يشدون على يديه مهنئين مباركين له .
في صباح اليوم التالي فاق ( سعيد ) من نومه تغمره نشوة عارمة يتفرس يده وملابسه ، مازالت جوارحه تنوء تحت أثر حلمه الجميل ومشروعه المفضل .
خرج على عجل حاملاً معه اللآب توب الذي يحتوي على الوثاثق المتاحة الخاصة بالجائزة ، متجهاً إلى بنك أبو ظبي الوطني حيث يوجد الحساب الجاري الخاص به ، ارتقى الدرج المتحرك إلى الدور الأول قاصداً مدير البنك .
- السلام عليكم .. أبغي مدير البنك من فضلك .
- المدير أجازة اليوم .. يمكنك التحدث مع الأستاذ ( سلطان ) إذ هو ينوب عنه .
- أستاذ سلطان ... صبّحك الله بالخير .
- أهلاً .. أهلاً .. تفضل .. إجلس .
جلس يشرح الأمر برمته إلى الأستاذ ( سلطان ) نائب المدير .
- هل طلبوا منك بيزات ( إرسال مبلغاً من المال ) ؟
- إلى الآن .. لا .. سوف يرسلون الموافقة البنكية اليوم .
- ما عليك .. اعطني الاسم ورقم الحساب .. يصير خير إن شاء الله .. مبروك .
كتب الاسم ورقم الحساب ورقم الموبايل وقيمة مبلغ الجائزة على أقصوصة من الورق ثم داعب باصابع يده اليمنى الألة الحاسبة أمامه على المكتب والتفت إلى زميل له على المكتب المجاور - كان ينصت إلى حديثنا طوال الوقت - وهمس بصوت تشوبه نبرة تنم عن التضخيم والإعجاب الواضح في بريق عينيه قائلاً :
- تقريباً أربعة ملايين وخمسمئة ألف درهم !! .
ثم توجه إلى ( سعيد ) مرة أخرى وشد على يده مهنئاً مودعاً :
- سوف أتصل بك عندما يتم التحويل .. لا تنس الوثائق المطلوبة .
- ان شاء الله .. شكراً يا أخي .
وخرج مسرعا وقد غمرته نشوة الاطمئنان تقوده سيارته - حتى أنه لم يشعر بطول المسافة والطريق - إلى المنزل .
" الأخبار غير سارة " غمغم حزيناً وهو يتابع الأخبار على التلفاز ، ( بشار الأسد) - لعنة الله عليه - إلتهم شعبه قتلاً وفتكاُ ، وافترس جنوده الأطفال والنساء نهشاً وموتاً ، وآلته الحربية آخذة في قذف وتدمير جميع المدن السورية ، أي جيش هذا الذي يعمل آلة الفتك ببني جلدته .. بني وطنه !! يهدم ويدمر حضارة شعبه !!، قتلى وجرحى بالمئات يومياً منذ قيام الثورة السورية .
" عمار .. عمار يا مصر " تمتم بفخر وهو يتذكر موقف الجيش المصري عندما احتضن الثورة وحماها وتعهد بإدارة البلاد إلى أن يتم تسليمها إلى حكومة مدنية منتخبة من الشعب ، هؤلاء هم أبناء مصر ، جند مصر ، العزة .. الفخر .
- آلوو .. أهلا .. دكتور آدامز .
- أرسلت لك الموافقة البنكية تفقدها جيداً ونفذ مابها حرفياً .
- أوكي .. أوكي .. سير .
- انتظر .. العملية سوف تستغرق يومين ليتم التحويل ..
إنها تعتمد عليك ! .. باي .
شرع ( سعيد ) يتفقد الرسالة المنتظرة ( الموافقة البنكية ) بعناية :(الورقة الأولى) موافقة بتحويل مبلغ تسعمئة وخمسين ألف جنيه استرليني من (فرست ناشيونال بنك ) إلى ( بنك أبو ظبي الوطني ) ، مع ذكر الاسم ورقم الحساب المحول إلية ، (الورقة الثانية) تفيد أن عملية التحويل سوف تتم في خلال يومين وفي اليوم الثاني يكون المبلغ في حساب المستفيد وأن مبلغ الجائزة غير خاضع أن يقتطع منه أي مبلغ كرسوم تحويل أو خلافه ويتم تحويل المبلغ كاملاً للمستفيد - إلى هنا جميل جداً – وبناءً عليه - لاحظ جيداً - يجب عليك ارسال مبلغ ( 280 ) مئتين وثمانين جنيه استرليني رسوم تحويل عن طريق طلب مالي من (ويسترن يونيون) عند أو قبل إتمام التحويل إلى ( مستر أوديناكا أنيانيل ) 110 شارع جونسون بيريه – جوهانسبرج – جنوب أفريقيا .
( الورقة الثالثة ) تؤكد على ضرورة ارسال مبلغ رسوم التحويل من أجل تسهيل وتشهيل عملية التحويل ، كما تحتوي على الأختام الخاصة بالبنك و( اللوجو )
الشعار الرسمي للبنك ، وملحوظة : " أننا لا نستطيع خصم رسوم التحويل من مبلغ الجائزة الأصلي طبقا لسياسة التأمين على المبلغ المذكور " .
ما كاد ينتهي من قراءة الإيميل إلا والموبايل يرن ، نظر إلى رقم المتصل إنه هو
د.آدامز اسميز ، تسمرت عيناه على شاشة الموبايل وتمردت أصابعه تأبي الضغط لإجابة المكالمة .. يرن .. يرن ثانية ... لا يرد ، مدعمات التفكير لديه تعطلت كليا
كما لوكانت خلايا مُخه كلها قد انفصل عنها الشحن .
تمت
بقلم
السيدالعربي رزق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.